رسائل ليست قصيرة-د. سامان فيلي-بغداد
Tue, 24 Jul 2012 الساعة : 14:57

يحلو أحيانا للبعض أن يمروا على الصور البشعة التي رأوها سابقا و أمتعضوا من منظرها ليتمعنوا فيها و ينكروا من تسبب بها و يحلو لهم أيضا أن يجتهدوا ما أمكن الإجتهاد في أن يوثقوا مرورهم هذا و إستنكارهم لتلك الصور و الحوادث ليس كرها بها بقدر ما يكون مرورهم تسجيلا و إعلانا منهم على أنهم إنسانيون يذيقهم ضميرهم الأمريّن و ينهشهم السهد و هم في فراشهم الوثير فلا يعطيهم فرصة النوم.
لا أعلم لم تنتابني تلك التحليلات جبرا كلما رأيت خبرا صحفيا يتناول حضور عنصرين إثنين.. (نوري المالكي) و (الملف الفيلي في العراق)!! فالرجل لا يوفر فرصة و لا ظرفا مكانيا و لا زمانيا إلا و إمتطى صهوة ذلك الملف و أخذ جولة فرسانية عليه كما يفعل الأطفال في حلقة الخيول الخشبية في مدن الالعاب.. تأخذه السعادة و الصدق أيما مأخذ.. يتمتع بتلك الدقائق التي تصول فيها خيول الخشب و تجول في دائرة قطرها 7 أمتار و بعد دقيقتين أو ثلاث.. ينزل من عليها بعد أن تمتع بها و تصور معها فيتركها لا يلوي على شيء لمتعة أخرى قد تكون قليلا من شعر البنات مثلا.
إن الكثير من العالمين ببواطن أمور التربية الحديثة يفهمون ما تعنيه تلك المتعة المحضة للطفل.. و لا يجب عليهم أن يسألوا الطفل مثلا أو يتسائلوا في دواخلهم.. لم يقبل الطفل في كل مرة على تلك اللعبة التي لا تعدوا أن تكون مجموعة من تماثيل الخشب تصول في مكانها على قاعدة ثابتة.. لا تصل و لم تصل و لن تصل لأي هدف.. و لم يتغير لها أو فيها أي شي رغم مرور السنون.. و رغم ذلك.. يركض (رئيس الوزراء ) لها و عليها كل سنة و كل عام.
يجب علينا أن لا ننكر هنا أن (دولة الرئيس) لا يدخر جهدا في صبغ تلك الخيول و تنظيفها –دون إطلاقها- رغبة منه في إدامة تلك اللعبة دائرة دائرة دائرة.. يا ولدي!! فخيول الخشب الدوارة في مكانها خير من أأصل الخيل الهاربة.
كنت قد تلقيت إتصالا من شخص منكوب بعراقيته و هو كوردي فيلي و أب لخمسة أطفال متزوج من سيدة عربية. كان الغرض من الاتصال سؤالي عن درب من دروب الرشوة.. و كانت تلك الطريقة هي إحدى طريقتين إهتدى لها مخه المحروق بإتون نيران الغضب إضافة إلى طريقة الواسطة.. فإما الواسطة و إما الرشوة. هذا الرجل المحترم يعاني منذ سنوات خارج العراق في كيفية إستخراج (شهادة الجنسية العراقية) لأطفاله. و حيث أن الرجل ليس من الصفوة المختارة و ليس من النخبة الممتازة التي يراها رب حزب الدعوة بنظراته الإختيارية.. فقد إختار أن يزور سفارة جمهورية العراق في مهجره الإجباري.
دخل الرجل إلى السفارة حاملا كل الاوراق المطلوبة حسب التعليمات و الضوابط المرعية.. مدفوعا بغباء قراءة بعض التطمينات و الأخبار الكاذبة التي نوهنا عنها في موضوعة خيول الخشب أعلاه. قيل له في السفارة (أبشر). الذي أضحكني في إتصاله أنه نوه لي بأن الموظف الذي ينضم تلك المعاملة نصحه بأن لا يقتصر طلبه لشهادة الجنسية العراقية على أطفاله فقط.. بل أن يقدم طلبا في أن تنظم له شهادة جنسية عراقية جديدة (أم الفسفورة) له و لزوجته لكون الشهادة التي يحملها قديمة و تحوي ذلك الرمز الوصمة و الذي يشير إلى أنه حصان خشبي.
كان الرجل قد أوقد الشمعة الاولى لتلك المعاملة بعد مرور سنة على تقديمها في السفارة و بعد عام من الصمت عن نتائجها و عشرات المراجعات للسؤال عنها. لكنه قبل أيام و بعد يومين بالضبط من رؤيته ل (دولة الرئيس) ينادي باكيا في التلفزيون بحقوق الكورد الفيليين.. تلقى الرجل هاتفا من السفارة يدعوه للحضور لوصول (الشهادة) من بغداد و قد نوه المتصل عن الحظ الكبير الذي يلف صاحبي في تلك النادرة التي كانت وترا.
ذهب الرجل إلى السفارة و قابل الموظف المسؤول الذي أبلغه بأن شهادة الجنسية العراقية عدد 1 قد تم إنجازها و هي تلك العائدة إلى زوجته.. العربية.. و التي ليست تبعية إيرانية.. هلاهل!! و ماذا عن شهادة الرجل و شهادات أطفاله الخمس؟؟ كلا كلا أمريكااااااا!! فما كان من زوجته الفاضلة إلا أن رمت الشهادة في وجه منظمها في ثورة من الغضب تخللها شتائم جذرية لم توفر أحدا من رموز الطابق العاشر في الجمهورية الفاضلة.
سألني الرجل بطريقة تشبه هذيانا داخليا بينه و بين نفسه: لكنني أحمل الجنسية العراقية و لو أنها برمز مختلف.. لكنني حاصل عليها منذ عقود. فما الذي يحصل؟ فأجبته بأن يؤمن بالقدر خيره و شره و يتقبل فكرة السيء من الحوادث. و إعتذرت له ضمنا عن عدم إمكاني أن أكون واثق الخطوة أمشي ملكا في درب الواسطة المغمس بالذلة و الهوان و طرق باب الضباع من القادرين و عبيد القادرين.. لكنني إستدركت.. و وعدت محدثي بأنني أعده وعد الشرف في أن أنكث الشرف و أن نطرق باب من لا يردون طرق زائر.. و هم الكرام .. أرباب الرشوة و مريديها و مجيبي دعوة المضطر لها.. لو لم يتغير وضع صاحبي و لم أتلق إجابة على مقالي هذا من أصحاب الشأن.. فقد تعودت بعد كل مقال على إستقبال التبريرات و التوضيحات على عنواني الالكتروني دفاعا عن من نتناولهم في هذه الحلبة التي ننزل منها بين الفينة و الفينة مخضبين بالدماء.
الدعوة هنا مفتوحة و الرسالة واضحة وضوح دمار العراق.. فهل أتلقى إشارة المساعدة من الشرطة؟ أم هل سوف أتلقاها من الحرامية؟ بالنسبة لي لا فرق.. فالمهم عندي أن أطلق حصان الخشب ذاك لأتمتع بمنظره و أتركه منشغلا بالصهيل في حب العراق كما تعودته لا أن أسمع منه إزعاج همهمة الدعاء على حديقة الزوراء و حلقة خيولها التي تدور و تدور.
خلصت فلوسكم