دخول بريطانيا إلى العراق عبر الفاو سنة 1914م ومقاومة العراقيين لها -حسن علي خلف -ذي قار
Sun, 22 Jul 2012 الساعة : 16:35

هذا البحث جزء من محاور المحاضره التي القيناها في التجمع الابداعي مساء يوم الجمعه المصادف 14 تموز 2012 واستكمالا للفائده وفي ضوء طلب بعض المستمعين للمحاضره اثرنا نشره.حيث من المعلوم ان بريطانبا قد اهتمت
منذ فترة ليست بالقصيرة بشط العرب، لأن السلع التجارية التي تأتي من مناطق الخليج العربي المختلفة تشق طريقها شمالا عبر شط العرب ونهر دجلة الى بغداد, أو عن طريق القوافل البرية الى جدة بشكل مباشر وعليه كان للبصرة أهمية كبيرة في تجارة الترانزيت وخاصة بعد قيام العثمانيين بتسليح القرى وبناء القلاع في منطقة الفاو التي كانت قرية صغيرة ليس لها شأن إلا بعد أن رفع من شأنها الوالي مدحت باشا عندما جعل منها مركز قضاء يمتد حتى الزبير وشط العرب. حيث يعتقد العثمانيون أن الفاو هي مفتاح شط العرب ونقطة التقاء خطوط البرق الهندية الاوربية بخط الاراضي العثمانية، وان لهذه المنطقة اهمية دولية كونها الاطلالة الوحيدة على شط العرب, لذلك بدأت الدولة العثمانية ومن خلال واليها في العراق مدحة باشا بمحاولات عديدة بتقوية نفوذ الدولة في الخليج العربي في مواجهة اطماع الفرس والانجليز, و بناء الأستحكامات الحربية في هذه المنطقة لغرض صد الهجمات المتوقعة التي تحاول الدخول الى البصرة. ويعتقد البريطانيون ايضا ان مفتاح الدخول للعراق هو عبر هذه البوابة وان التحصيانات العثمانية تحول دون طموحهم في التصرف بمنطقة شمال الخليج العربي. لذلك كانت بريطانيا تنظر الى هذه المنطقة بعين الأهمية وتتحين الفرص لغرض الاستحواذ عليها، حيث كانت قواتها جاهزة ومتربصة للانقضاض على هذه البقعة حالما تسوء علاقة بريطانيا مع الدولة العثمانية. وأن بريطانيا كانت تدرك أن الحرب مع الدولة العثمانية ستقع. كون بوادرها قد لاحت بالأفق، فخصصت الفرقة السادسة الهندية المؤلفة من الالوية 16 و17 و18، تحت ذريعة حماية المصالح البريطانية في رأس الخليج العربي. فيما حركت جحفل اللواء السادس عشر لتستقر في البحرين وهي على أهبة الأستعداد. فيما كانت تحصينات العثمانيين في الفاو وفي عموم البصرة ضعيفة جدا . وفي فجر يوم 6 تشرين الثاني 1914م، قامت القوات البريطانية المؤلفة من جحفل لواء بعملية انزال في الفاو بعد أن استخدمت المدفعية التي سرعان ما أسكتت المدافع العثمانية القديمة وتشتيت شمل الحامية الضعيفة التي هي مجمل دفاعات الدولة العثمانية في المنطقة. الى جانب ذلك كان للبريطانيين سفينة حربية في المحمرة تهدد مؤخرة القوات العثمانية المرابطة في الفاو وتعرقل تنقلاتها عن طريق البصرة الفاو . وقد تمكنت مفارز هذه السفينة من قطع خط البرق العثماني بين الفاو والبصرة وحرمت القيادة العثمانية في البصرة من الاطلاع على تطور الموقف في الفاو. فيما تمت أستدامة الصعود في شط العرب للنزول في المواقع المقابلة في عبادان ومصب الكارون في شط العرب وبذلك تكون القوات البريطانية خلال أربعة أيام أي في 10 تشرين الثاني، من انزال اللواء 16، في منطقة السنية مقابل عبادان. وكذلك أستمر البريطانيون بالتقدم الى محاذاة مصب الكارون حيث أمنوا الأتصال بالمحمرة وحليفهم شيخ المحمرة الشيخ خزعل. وأستكملت عملية احتلال الفاو وهكذا تم أحتلال البصرة في 23 تشرين الثاني 1914م، ووطدوا أقدامهم بها وتوجهوا لأحتلال القرنة.
اساليب المقاومه
تناخا العراقيون ومنذُ دخول الأنكليز ولاية البصرة لغرض الذود عن العراق ومنع الأحتلال الأنكليزي من أن يطأ ترابه. فكان الغليان على أشده في العراق من أقصاه إلى أقصاه تضافرت خلاله جهود رجال الدين والنخب الوطنية والمثقفين والعسكر، لغرض التصدي للأنكليز, بالوقوف الى جانب القوات العثمانية، فكانت معركة الشعيبة والمعارك التي تلتها.
أخذت مقاومة العراقيين للأنكليز أشكالاً متعددة بعد أن تنامى الشعور الوطني لديهم تبعا للمتغيرات في العالم وما يحمله العائدون للوطن من الضباط الذين كانوا يستخدمون في الجيش العثماني أو جيش الحجاز أو في الشام أو من خلال وسائل الثقافة الأخرى مثل الأخبار والصحافة والمتغيرات وما أحدثته الأحزاب والجمعيات والمنظمات من وعي فكانت المقاومة على الأشكال التالية :
أ. اصدار الفتاوى وتحريض الجماهير
ففي النجف الاشرف أفتى السيد محمد سعيد الحبوبي بالجهاد وكان له دور في تحريض المواطنين وأستقبال المتطوعين. وأرسل السيد كاظم اليزدي ابنه محمد للاتصال بالعشائر واستنهاض هممها واوجب على الغني العاجز مالا لتجهيز الفقير. وكذلك فعل الشيخ مهدي الخالصي يحث الناس على الجهاد واصدر رسالة بعنوان ( الحسام البتار في جهاد الكفار ) اوجب على المسلمين بذلك بذل أموالهم في الجهاد ومن يمتنع يؤخذ منه كرها. وجاهرَ بالجهاد كل من السيد مهدي الحيدري وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد مصطفى الكاشاني والسيد علي الداماد فيما أفتى الميرزا محمد تقي الشيرازي في سامراء بوجوب مقاتلة الأنكليز وأرسل أبنه محمد رضا للألتحاق بالسيد مهدي الحيدري. ولم يقتصر الجهاد على رجال الدين في النجف وكربلاء وسامراء والكاضمية بل كان لعلماء الأكراد شأنا في ذلك كذلك علماء باقي مناطق العراق بل وشيوخ العشائر أيضا كانت دعوتهم وأستجابتهم كبيرة جدا.
ب. المقاومة المسلحة
منذ الأيام الأولى لدخول الانكليز للعراق حدثت المقاومة المسلحة لهم سواء في معركة الشعيبة او معركة الروطة او باتجاه التقدم لاحتلال العمارة والكوت حيث كانت القبائل تساند القوات العثمانية وخاصة قبائل كعب والبو محمد وقبائل ربيعة. وعلى خط الناصرية قاومت قبائل بني اسد وخيكان مجتمعة دخول الانكليز وكذلك القبائل المحيطة بالناصرية مثل آل ابراهيم وآل ازيرج الذين كانوا راس النفيضة في مقاومة الانكليز ودفعوا التضحيات الكبيرة في هذا المجال ولهم اهازيج وروايات يطول تعدادها تختزنها ذاكرتهم ومن المعارك المهمة في حوض الغراف هي معركة البطنجة، حينما حاول البريطانيون في سنة 1916م العبور الى منطقة الغراف والشطرة لمساندة القوات المحاصره في الكوت. إلا ان الشيخ خيون العبيد شيخ العبودة تصدى لهم بشكل شجاع وكان معه 1700 مقاتل اغلبهم من عشائر العبودة الى جانب بعض المجاهدين من القبائل المجاورة ( ازيرج ، خفاجة ، البو صالح، بني زيد ، واهل الدكة ) لمنع القوات البريطانية من احتلال الغراف والشطرة وصولا الى الكوت واشتبكوا مع القوات البريطانية بالسلاح الابيض وقد اسفرت هذه المعركة عن تكبيد البريطانيين خسائر في صفوف قواتهم بلغت حوالي 1000 قتيل. وسمي هذا الطريق بالجسر المكسور لعدم قدرة البريطانيين من التقدم نحوه . وقد دخل البريطانيون مدينة الشطرة والغراف بعد احتلال بغداد 1917م وصدر أمر بنفي محدد لروساء العشائر وشيوخهم بضمنهم الشيخ خيون العبيد وعبد الله الفالح . وان رجال الدين اضافة الى ما صدروه من فتاوى والذي يعتبر مقاومة سياسية فقد كانوا على راس الزاحفين الى جبهات القتال وخاضوا تلك المعارك بانفسهم بل كانوا ينفقون في أدامة التطوع على المجاهدين من اموالهم الخاصة كما فعل السيد محمد سعيد الحبوبي والذي رفض الاموال العثمانية, وان المقاومة المسلحة عمت جميع انحاء العراق عندما استحكمت قبضة الانكليز على البلد وخاصة عندما راحوا يمارسون اجراءاتهم التعسفية ضد المواطنين عن طريق فرض الضرائب والاجراءات الادارية الصارمة, ففي النجف عندما عين الانكليز الكابتن بالفور حاكما سياسيا على الشامية والنجف عم التذمر بين ابناء المنطقة من جراء سياسته المضرة بمصالح الناس واسقط المواطنون احدى طائرات الانكليز مما حملهم على دفع غرامة قدرها 50 الف روبية ، و500 بندقية، ولكن التذمر استمر في النجف والرفض لسياسة البريطانيين فحصلت ثورة النجف 1918م وتم قتل القائد الانكليزي مارشال وحوصرت المدينة اربعين يوما تم بعدها التسليم واعدم الانكليز 11 مجاهدا لاتهامهم باغتيال مارشال. اما مقاومة قرية الشيخ محمود البرزنجي واتباعه , فكانت غاية في السرية والدقة حيث سيطر على السليمانية والقى القبض على الضباط البريطانيين وانزل العلم البريطاني واعلن نفسه حاكما على عموم كردستان. ولكن كان رد فعل الانكليز سريعا جدا حيث تم اسر الشيخ محمود في 18/6/1919م, وحوكم وكان حكمه الاعدام استبدل فيما بعد بالنفي الى الهند لمدة عشر سنوات. وحصلت ايضا مقاومة مسلحة في المناطق الكردية الاخرى مثل الكوي والعمادية والزيبار وبارزان. مع العلم ان هذه المناطق الكردية بينها العديد من الخصومات ولكنها تناست ذلك لمواجهة الانكليز، وراحوا يعقدون الاجتماعات السرية التي اسفرت عن عدة اتفاقات منها القيام بحركة مسلحة ضد قوات بريطانيا في مناطقهم. وقد احاط المقاتلون بدار مساعد الحاكم السياسي ( مستر ويلي ) وبعد معركة حامية تمكن الثوار من قتل ويلي وعدد من رجالة مع 33 عنصر من الدرك وتم الاستيلاء على مدينة العمادية. اما في تلعفر تشكلت هيئة وطنية لادارة الحركات المسلحة في العراق ونجم عنها السيطرة على تلعفر وقتل مساعد الحاكم السياسي الميجر بارلو . وان هذ الحركات والتمردات والثورات جعلت لدى العراقيين اعتقادا بان الجيش البريطاني ضعيف وان البريطانيين لم يستطيعوا الثبات طويلا، وساهمت تلك الحركات برفع الوعي الوطني لدى العراقيين. فيما كان الموقف البريطاني متذبذبا وخاصة في مجال الاقتصاد والزراعة والضرائب.
ت. المظاهرات والاعتصامات
الى جانب الفتاوى والتي تعد عملا سياسيا والمقاومة المسلحة التي تصدت للعدو كان هنالك العديد من الأعتصامات والمسيرات والمظاهرات . حيث كان المقاومون يستغلون المناسبات الدينية وصلاة الجمعة والأحتفال بمناسبة معينة ؛ حيث لم يدخر العراقيون وسعا في اظهار رفضهم للأجنبي والتحريض على طرده نهائيا من ارض العراق, وكانت الممارسات تكون على اشدها في مواسم الاحتفالات من خلال اقامة المناسبات الدينية يتصدون فيها لمناوئة الانكليز, وبعدها صارت المواجهة أمر واقع فكانت معركة الشعيبة تلك المعركة التي تعد باكورة الجهاد للعراقيين ضد الغزاة في العصر الحديث.والتي فصلناها بمقال سابق . اضافة الى ما قام به المثقفون من دور كبير في مجال الهاب مشاعر الناس تجاه الوطن وا سطرته الصحف من مقالات تحريضيه