كرامة المرجعيّة أهمّ من حياة المرجع-حسين شلوشي
Sun, 15 Jul 2012 الساعة : 9:14

عنوان المقال كان خياراً مؤكداً صريحاً لواحدٍ من عظام مراجع العصر في لحظة تاريخية مفصلية من تاريخ العراق وعاصمته الإسلامية النجف، وهو لا يخرج عن دليل ودالة المرجع "مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه" وبذلك لا يكون المرجع ممثلاً لذاته فقط، إنما هو عنوان لـــــــ (موقع المرجعية)، التي عنت بحفظ وتشكيل تاريخ الاسلام المحمدي منذ ما يقارب ألف ومئتي سنة, وبالوقت الذي اعتاد فيه العلماء الزهد والترفع والدعاء بالمغفرة لمن يتجاوز على شخصهم ولاسيما البعيد الذي لا يعرف تفاصيل حياتهم اليومية وهمومهم ومسؤولياتهم ويطلق الرأي على هناته والهوى فإن موضوع العناوين العامة مختلف تماماً لديهم ولا يعدونه ملكاً شخصياً لهم، انما هو حق الله ومسؤولية الدين والغيرة عليه عبادة.
الكلام عن كرامة المرجعية اطلقه السيد محمد رضا السيستاني عام 2004 في لندن عندما كان يرافق والده سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني برحلته العلاجية والتي يوثقها منسق الرحلة وممثل السيد في لبنان حامد الخفاف بكتابه الجديد الذي يحمل عنوان " الرحلة العلاجية " لسماحة السيد السيستاني خلال أزمة النجف عام 2004.
في تلك الأزمة كانت المرجعية قد واجهت عدة متناقضات في وقت واحد جميعها تحرج المرجعية في موقعيتها ومسؤوليتها الشرعية والقيادية والسياسية، فأولها أن المرجع شخص طبيعي وتعرض لوضع صحي يتطلب اجراء متقنا غير متوفر بصورة جيدة في النجف أو العراق بذلك الظرف وهذا رأي الأطباء الاختصاصيين، والثانية ان أزمة النجف كانت في بدايتها وفي طور التصعيد من جانبي حكومة اياد علاوي ومعها قوات الاحتلال والسيد مقتدى الصدر ومعه جيش المهدي، والثالثة أن طرفي النزاع لا تأثير عليهما من الشخصيات والاطراف والاحزاب السياسية الموجودة في الساحة العراقية، والجميع ينتظر حلاً سحرياً ينقذ النجف من عملية عسكرية مدمرة تطال قلب المرجعية الدينية في العالم وتعد هتكاً لعناوين ومسميات رمزية عديدة، والحل المطلوب أن يكون على طريقة لا يقتل الذئب ولا تفنى الغنم.
والمتناقض الرابع أن السواد الأعظم في النجف وغيره من العراق تصبو وتنتظر قول، حل، وفعل المرجعية في هذا الأمر لتنصرف بالاتجاه الذي تريده المرجعية.
والمتناقض الخامس أن حرج الموقف والضغط الأمني والمعيشي والنفسي والتحليل السياسي لماديات الأحداث المنظورة بالصورة الواقعية الظاهرية جعل الكثيرين يتقولون ويؤلفون القصص حول المرجعية وفيها حد التخوين والجبن والانهزام من موقف المواجهة لمعضلة الحال.
والمتناقض الأخير أن الأخبار والآراء التي ترد من النجف الى السيد في لندن وهو يروم القدوم والعودة بأسرع وقت بأن الوضع لا يسمح بذلك وحياته في خطر.
ومن هذه المتناقضات كان الخيار (تقدير الموقف) يدور بين الحياة وكرامة (المرجعية)، فصار الترجيح الى الكرامة والحياة هبة من الله وربما تكون حظوظ من أراد الكرامة أكثر، وانجلت الأزمة بحضور رجل الدين وليس غير .
في هذه الحادثة الازمة تساؤلات عدة يمكن اثارتها ومن خلفيتين الأولى أن العراق يمر الآن بأزمة سياسية قد تكون مهلكة للشعب العراقي وفيها متناقضات عديدة ايضاً لعل أبرزها أن الحكومة الموجودة برئاسة لون معين وفي الضفة الأخرى لون اخر وادعاءات الحكومة قد تكون صحيحة جداً بحق افراد منسوبين على جهة، وفي هذه الادعاءات حقوق مواطنين عراقيين وستتهم المرجعية بالطائفية في حال التاييد وقد يكون العكس وتتهم بالضعف و خذلان الناس وقد وقد ... الاَ انَ الموقف من التعقيد بمكان يتطلب رايا حكيما مجردا ًمن الاغراض والهوى .
والخلفية الثانية سقوط مفهوم توأمة الدين والسياسة والحديث عن ربط وفصل بينهما بأفق واحد انما يكون ذلك باطار الذرة الى الجسم .
بعد ذلك يتسنى السؤال على سبيل المثال لا الحصر، هل كانت أزمة النجف دينية فقهية بين اياد علاوي والسيد مقتدى الصدر، أم أنها قضية سياسية وأن علاوي رئيس الحكومة وقد سلَمه بريمر مهام إدارة البلاد ولديه قوات عسكرية أميركية وعراقية يستطيع تحريكها واستخدامها؟ والسؤال الآخر هو هل أن السيد السيستاني مرجع وزعيم ديني أم زعيم حزب سياسي مهم في البلاد؟ وإن كان بديهياً أنه رجل دين فهناك رجال دين (معمَمون) آخرون في العملية السياسية لماذا لا يكون لهم نفس التأثير؟ هل لأنه يحمل توصيفاً آخر؟ هل من يحمل التوصيف ذاته يمكنه حل هكذا مشكلات؟ فإن كانت الأجوبة الأخيرة نعم، هل يمكن تضمينها بالدستور؟ ومن جانب اخر من المسؤول من السياسيين عن اهمال راي المرجعية في مواقع اخرى كما هي الحال بالموقف من قانون ادارة الدولة؟
ان المراجعة لفترة الاحتلال وحكوماتها والحكومة قبل الاحتلال ومفرادتها ستكون طوق نجاة الحركات الاسلامية والوطنية التي لم تجرب العمل السياسي بعد ومازالت تحتفظ بكينونتها كمبادئ صامدة .