انا وراديو اليابان الدولي – ج 18-سليم السراي
Wed, 11 Jul 2012 الساعة : 11:21

في أحد أركان القلب
Flower
تفتحت زهرة صغيرة
أمنية ذلك اليوم
أزهرت رويدا
تحت ضوء الشمس
كان الطريق طويلا
عصفت الرياح
وتهاطلت الامطار
ولكنك لم تتخل عن اليقين
وأخلصت بأمانة
لفعل ما يمكن فعله الان
اِخلاصك هذا
أعطاني الشجاعة
مثل الشمس
عندما كدت أيأس
بتلات لطيفة رقيقة
Flower
شكلت ذلك الحلم
حياة تستقبل النور
نورا مستقيما
بذراعين مفتوحتين
" زهرة .. كلمات : ياسوشي أكيموتو "
قال لي احد الأصدقاء وقد قرأ بعضا من مذكراتي حول اليابان :
- لا يحسن مقارنة اليابان بالعراق , لا يحسن مقارنة التقدم بالتخلف .
كان محقا في القول بلا ريب , بيد اني أستهدفت المقارنة او القياس للفرد العراقي بشكل خاص , الذين يفتقرون الى وحدة الكلمة , بعد اضطراب جهودهم وتبعثر أعمالهم بمشيئتهم وإرادة كاملة , فما معنى تفرقهم الى شيعا وأحزاب ؟ , وهم في حالة من التخلف والتنازع الذي لا يحسدون عليه , فما بمقدور اي فرد منهم ان يقود البلاد والعباد من دون مساعدة البعض للبعض , لنقل هذا البلد عدلا وإيثاراً من الانزلاق والضياع .
بعد زيارتنا الى قلعة الكوكورا التاريخية والغابة المجاورة لها , كان لنا زيارة خاصة الى البيت الياباني التقليدي يعود تاريخه الى وقت قريب .
دخلنا الى البيت وتذكرت مقولتنا ( كان يا ما كان في قديم الزمان ) والتي تبدأ مع كل حكاية أو أسطورة قديمة نكتبها أو نسمعها أو نرويها لبعضنا البعض .
البيت الياباني التقليدي له مكانة كبيرة في نفوس الشعب الياباني , ولعل هذا الشعب أختار طرازاً واحدا في تشييد البيوت , ربما جاء هذا الاتفاق عفويا , فمن المستحيل ان يكون ولادة هذا الطراز الموحد نتيجة عشوائية , فلا فرق بين بيوت الاغنياء والفقراء .
انها حالة تتطلب الوقوف عند عتباتها من التأمل والتمحيص الكثير , فقد جلب هذا النمط الموحد وعدم الاختلاف ؛ السعد والحظ الأوفر , فأمست اليابان رمزاً للإنسان الحضاري , ثراء ليس فقر , حدائق ليس صحراء , ازدهار ليس تخلف , استقرار ليس فوضى , اعتدال ليس اتجاهات , مجتمع مدني ليس عسكري , انتصاراً ليس هزيمة , وليدة الطبيعة وانسانها ليس استيراد وزيجات , تاريخ متواصل وليس تاريخ مراحل مبتورة , معجزة ليس صناعة , جبال ليس تلال , شاهقة ليس أنقاض , تقدم عصري ليس حجري , أكتشاف ليس تقليد , متحركة ليس جامدة , دافئة ليس باردة , أمانة في التعامل ليس فيها خيانة , تواضع وأدب رفيع , " وإنك لعلى خلق عظيم " , أنيقة في ألوانها , رائعة وجميلة , شمس وقمر , تطل عليها الشمس أولا , بحر ومحيط من أي اتجاه .
بئر مياه وتنور للخبز والطبخ معا , غرف صغيرة قياساتها لا تتعدى 3م ×3م وبإرتفاع بسيط , طاولة لا ترتفع عن الارض بمقدار 30 سم تجتمع حولها الاسرة , هذا هو البيت الياباني التقليدي المتواضع , ومن هذا البيت خرجت التكنولوجيا والابتكارات والصناعات , ظهرت الى العالم الخارجي على هيئة عملاق في الإنسانية التي فطر الله خلقه عليها , قد جمع الله فيها ذخائر الانسان ما لا يخطر على البال أو المتوقع , تتوجه اليها القلوب أسيرة بلا قيود أو أصفاد .
لم أتمالك وثاق روحي الذي أخذ ينفلت متسارعا شبرا ثم باعا أمام هذا الاكتشاف , فهل هذا قدر الحياة ؟ , ربما هي مشيئة الكرامة ان تكون هكذا ؛ العبقرية تسكن في التواضع والبساطة , والجهل يسكن في الخيلاء والاستعلاء.
أخذت الاستاذة ماريكو اينو تشرح لي , فأينما صوب البصر الى ناحية من هذا البيت ؛ فإن فيه رواية ما يجعل في اللسان عقدة والصدر لا يجد امامه جواب الا الصمت :
- هذا البئر ؛ كانت العائلة تأخذ المياه منه للشرب والطبخ وشؤون البيت الاخرى , وهذا التنور يستخدم للخبز وفي نفس الوقت يستخدم للطبخ , وهنا كانت تضع الاسرة الخشب الذي تجلبه من الغابة , هذه الغرفة هي لاجتماع العائلة جميعا للإطعام والحديث عن شؤونهم اليومية ورسم نهج يومهم الثاني .
في طهارة من القلب والروح ؛ أسمع لها وأصغي آحاداً , بالقلب مرة وأخرى بالروح , وأخرى إجتماعا ما بلغت من قدرة في ذلك الرحاب , الذي ملأ الدنيا من أطرافها الى أعماقها , بجودة صناعته , فما ان تجد " ميد إن جابان " قد كتبت على السلعة حتى تطمئن النفوس , ويحسبها الجميع كأنها تعويذة سحرية من العطب او التلف .
من هذا البيت خرجت الارادة اليابانية لليابان فقط , فضلها الشعب على ما عداها من النزوات او الارادات الشخصية والفردية , فذلك يكون له نصيب وافر من الخير والرخاء للجميع بشكل متساوي , ليس على حساب طبقة دون طبقة أخرى .
انها ارادة خضعت لجهاز السيطرة النوعيه ( ارادة شعب ) , وما دام هذا التوجه اصبح خاضعا للعمل القومي من لدن نفوس نقيه وذكيه حبلى بالطموح سياسة ومبادرة ورغبة , في قتل التخلف في مهاده وأبعد شبح الحرمان الذي قابله الايثار الجماعي من خلال إلتئام الشمل الذي حقق هذا العز والكرامة والشرف الذي لا يثمن بدينار أو بدرهم , ولا اريد هنا ان أسوق هذا الحديث تكلفا , بل ان ما فيه من الاثراء ما يلائم واقع الحقيقة ؛ بعيدا عن النقائض ومنطق التحريف .
" هذا خطي فإذكروني " كان من الجميل ان أجد سجلا خاصا للزوار , حيث تركت فيه اسمي بالحروف العربية والانكليزية , وقد حلقت في سماء نفسي الاف من الاحلام والامنيات , ولعلي ساعتها ظننت ان تلك الصفحة رقيه سحرية , إشتهاءاً وإيماناً مني إن من لامسها او خط عليها تحققت أمنياته .
خرجنا من البيت الياباني التقليدي بعد ان مكثنا فيه ساعة من الزمن , ساعة من التدبر والاعياء الذي يسرح في نفسي , نحو اللقاء الاخر الذي أخشاه وقد ملء قلبي خوفا ورعبا , لأني وضعت نفسي لأمر لا أعرف نتيجة عواقبه أو نتائجه , وأشعر ان أنفاسي تحولت الى نوح وحزن ونظراتي عبارة عن زفرات يعج فيها القلق , مع ملاحظتي ان الاستاذة ماريكو إينو تشاركني في المشاعر , لكن تركت الامر الى ما يقدره الله سبحانه وتعالى , فقد كف عني الاذى في مواقع كثيرة , وجعل الفلاح دائما في يميني .