الربيع ... لماذا في بلداننا فقط ؟- طاهر مسلم البكاء- الناصرية

Wed, 11 Jul 2012 الساعة : 11:09

أليس من حقنا أن نتسائل ، مع فرحنا البالغ بالتغيير الذي تنشده جماهيرنا العربية على أمتداد وطننا العربي الكبير ..ولكن أذا كان ربيعا" حقا" أليس من المنطق أن يشمل الأخرين أيضا" لنصدق أنه ربيع وأن ليست هناك من قوة محركة لأهداف خاصة تختفي وراء أهداف الشعب المشروعة التي ملت الدكتاتورية والجمود والعمالة والتخلف وغياب الفرص وانتهاك الحقوق وتبذير الثروة وضياع الكرامة .
أن في داخل أمتنا جذوة الثورة متقدة حقا" ولكن هل أن أهدافها فقط تغيير الرئيس وتبقى سياستنا كما هي أن لم تكن أسوء ،بعد أن نكون خربنا البلاد والعباد ،أن من الواضح اليوم في السياسة الدولية أن هناك من يرغب في تسيد العالم بأي ثمن ،وتم طرح شعارات عديدة قبل أن ينطلق ربيعنا بهذه السلسلة المتوالية ،التي يبعث تكرار حلقاتها السريع والمتتالي ألف سؤال و سؤال ،من مثل النظام الدولي الجديد والفوضى الخلاقة .. وأمن أسرائيل ..والكثير من الأهداف التي تصب في نفس المنحى ،ولنتناول بعض هذه الربيعات الحالمة بشئ من التجرد :
لنعترف شئنا أم أبينا أن الربيع الأول الذي حل بفعل قسري كان في ساحتنا ،فقد أوصلوا بلادنا بعد حصار دام ثلاثة عشر سنة الى حالة من التأخر والأنفصال عن العالم والتشرذم وأنهيار الأقتصاد في حصار لم يحصل مثله في التاريخ وقد أوصلونا الى وضع كنا نتمنى فيه كل شئ الاّ الأستمرار في هذا الحصار ومن ثم أنقضوا بأسلحة حديثة فتاكة على بلد منهك كما ينقض النسر على فريسة جريحة ! ( ولانعتقد أن النسر في الحقيقة ينقض على فريسة جريحة ) ، فشريعة الغاب لها مبادئها التي فقدنا أمثالها نحن البشر ،وأذا كان هناك من معترض على هذا الربيع فنجيبه بسؤال واحد :
لماذا لم يسمح الأمريكان وحلفائهم لشعب العراق بالقضاء على دكتاتور العراق في الأنتفاضة التي حصلت في أعقاب حرب الخليج الأولى ،لقدكان ربيعا" حقيقيا" كان من الممكن أن يؤخذ بالعراق الى الأستقلال والوحدة .
وربيع ليبيا ، مع عدم أعتراضنا على التخلص من الطاغية الذي وصل الى عمر الخرف ، ولكن أشتراك حلف الأطلسي بالقتال وتدخله المباشر بدعوى تفويض جامعة الدول العربية يعتبر مهزلة وشتاء مفضوح ومكشوف قوظ ربيع الشعب الليبي ووضع عليه علامات الأستفهام ، ألم يكن الأولى بالجامعة العربية ( لو كان هناك خجل ) أن تستعين بالحلف الأطلسي الصديق ،لانقول لتحرير فلسطين فهذه جريمة قد نوصم عليها بالأرهاب ،ولكننا نقول لفك الحصار عن شعب غزة المسكين المحاصر من العرب والصهاينة والممنوع من أبسط انواع الخدمات والذي تقتل اطفاله بأحدث تكنلوجيا النظام العالمي الجديد !
أذن علينا أن نتساءل ما الذي جلب الحلف الأطلسي الى ربيعنا في ليبيا ؟
أليس لأن ليبيا من الدول النفطية والتي تمتلك أحتياطي نفطي سيتأخر نضوبه ،حالها حال العراق .
وأذا تناولنا أكبر ربيع في بلادنا العربية .. والذي هز وجداننا وحركنا بعنف وتخيلنا ان التاريخ قد يعيد نفسه فيولد عبد الناصر جديد وتعود مصر بعد أن أخذ بها السادات وحسني مبارك بعيدا" عن واقعها كجزء من الأمة العربية والأسلامية ،في تصافي ووداد مع الصهاينة ،إذ بأعتراف الصهاينة أنفسهم من أن حسني كان أفضل سمسار لمصالحهم في المنطقة ،ولكن ما ذا حدث حتى الآن :
لقد خسر الشعب المصري البطل لحد الأن الاف الشهداء وحصل تدمير كبير لبنى البلاد الأرتكازية والأقتصادية ..ولكن ما هي النتائج ، هل أن ملايين المصريين التي زحفت الى الشوارع وملئت الساحات كانت تريد تغيير مبارك فقط ،مع العلم أنه وصل الى مراحل متقدمة بالعمر وأنه لايصمد كرئيس طويلا" ؟ ، أم أنها كانت تريد تغيير النظام والسياسات المريضة التي أسرت مصر ، وخربت أقتصادها وتقدمها وهيبتها الدولية ،أذن كيف تقبل أن تعيد أركان مبارك ثانية ،وهذا ما شاهدناه في الأنتخابات ،بحيث أن الرئيس المنتخب لم يفز الاّ ببضع نقاط عن غريمه المحسوب على نظام مبارك ،وكيف تقبل مصر بحكم العسكر الذي أخذ المبادرة من بدء أنطلاق الثورة حتى أوصلها الى بر الأمان ،وفق ما يريد هو ومن يقف وراءه لا كما يريد شعب مصر ،وهاهو قائد العسكر وزيرا" للدفاع من جديد !
أين ربيعنا إذن يا مصر ؟
هل نقول خابت آمالنا وقد علقنا آمالا" كبار ؟
وأذا أنتقلنا الى ربيع سوريا فهو الربيع الأمر والأدهى ،فسوريا بلد المواجهة الوحيد الذي لم يوقع معاهدة صلح مع الصهاينة، وقد كان شعبها يعيش بسلام وكرامة وبخير على قدر ما متوفر من ثروات في البلد ،صحيح أن الدولة تولي جزء من الميزانية للعسكرة ،وهذا ليس خطأ فهي كما قلنا دولة مواجهة ، وأذا أخذنا شهادة من قادة المعسكر الآخر ، من أمريكا ذاتها إذ يقول الرئيس الأمريكي ( روزفلت ) :
( أن الأمة التي تدرب نفسها على حياة لاتتسم بالطابع الحربي هي أمة محكوم عليها بالزوال ) .
وهذا يعني أن سوريا كانت تسير بالأتجاه الصحيح ،وقد بدأت بالسنوات الأخيرة تنمي أتجاهات أقتصادية جديدة مثل السياحة بمختلف صنوفها ،ولكننا فوجئنا بمحركي الأضطراب ،كالعادة قد بدؤا الحراك ( الجامعة العربية والكيس الخليجي ) ،ليبدأ الدم السوري بالنزيف وسط فرح الأعداء ،وتفرجنا نحن العرب والمسلمون .. هم يتدخلون بكل ما أوتوا من قوة لأنهم يدعمون الربيع والديمقراطية ونحن نخشى لأننا سنقف ضد الديمقراطية !
ويجب أن نعترف أنه لولا وقفت روسيا والصين لضاعت سوريا ومعها لبنان وأراضي جديدة من أراضينا ،ولنسينا حدود 1967 م ولأصبحنا نفاوض أسرائيل على حدود جديدة هي حدود 2012م .
ألا يحق لنا أن نسائل أنفسنا لماذا يحصل هذا الربيع في بلداننا فقط ؟
لماذا لايحصل في بلدان أخرى في العالم ،في أمريكا مثلا" ألم تحصل فيها أزمة اقتصادية فقد الشعب فيها الكثير من ممتلكاته ، ألم يحتل شعب أمريكا الشوارع ، لدرجة أن بدأت الشرطة بسحل المحتجين سحلا" ومن ثم ملئت بهم السجون ، ولماذا لاتحصل في اوربا التي حصل فيها ذات الشئ ، لماذا لايحصل في أفريقيا التي تتقاتل ليل نهار وتحصل فيها المجاعات والأوبئة ولايزال أغلبها تحت رحمة الأحتكارات ،لماذا لايحصل في الدول الأشد فقرا" من بلداننا والتي تنعدم فيها الموارد ..ولماذا ..ولماذا .
الخلاصة أن هناك من يستغل الغليان الداخلي لدى جماهير الأمة العربية لتوجيه ذلك نحو تدمير دولها وخراب بلدانها في ما يسمى الفوضى الخلاقة الذي نظّر لها مفكروا الغرب ،والتي ستأتي على الأخضر واليابس ويأمل القائمون على ذلك في تغيير خارطة المنطقة لصالح أسرائيل ،الشريك الذي يعتمد عليه في طريق السيطرة على ثروات المنطقة .

[email protected]

 
 

Share |