دولة ملوك الطوائف في العراق -د. ناهدة التميمي
Tue, 10 Jul 2012 الساعة : 9:55

عندما رشحت لنيابة برلمان العراق تأتت لي الفرصة لادخل اماكن لم اكن اتخيلها من قبل .. دخلت قصورا وفيللاً وقاعاتًا ومكاتب كنت اشاهد بعضها او مثلها فقط في الخيال او قصص الاساطير او الافلام على احسن تقدير ..
شاهدت كيف تقام الولائم الفارهة وشاي الزعفران والاسراف والغدق على اجتماعات لاتغني ولاتسمن وشاهدت كيف يكب باقي الطعام وهو على حاله من سمك وخبز ورز وكباب ومحاشي ودجاج وبط وغيرها الى الاسماك في البحيرات والانهار المحيطة بقصور بعضهم .. فقد كان الحرس يقومون برمي هذه الاطعمة الفاخرة بكل برودة قلب في تلك البحيرات وكان السمك وكأنه ادمن على التوقيت والطعام الفاخر ياتي مقتربا من الحرس ويرفع رأسه بانتظار ذلك ..
كنت اقول كم من جائع يتلوى ويتلظى في هذه اللحظة بحثاعن لقمة خبز يابسة يسد بها جوعه .. المهم اني كنت كلما دخلت مكتب احدهم او قصره او قاعة اجتماعه ورأيت الهيلمان الذي يعيشه والحرس والقصور والسيارات التي تتكدس امام بيته او مكتبه او قاعة اجتماعه او مواكب الحراسة والراجمات والمصفحات والمدرعات التي تسير معه لحمايته قلت كما قال ابراهيم عليه السلام ( هذا هو ربي ) بمعنى هذا هو الملك الفعلي للبلاد حتى ادخل مكتب مهم اخر او احضر اجتماعا لاخر لاجده اكثر من الاول سطوة وقوة ونفوذا وحكما وتحكما فاقول بل هذا هو ربي .. طبعا مع الاعتذار للاية الكريمة ومن ان يكون هؤلاء ارباب حتى لحراسهم
لوهلة خلت نفسي في مكاتب القياصرة او امراء اوربا في العصور الوسطى او في دولة ملوك الطوائف في الاندلس الذين كانوا السبب في ضياع دولتهم .. لان امراء اوربا الحاليون بسطاء ويتعاملون مع الناس وكانهم منهم .. وفكتوريا ابنة ملك السويد خير مثال على البساطة اذ اختارت ابن عامل بسيط ليكون زوجا لها
ذات مرة دخلت مقر صحيفة لاحد الاحزاب فهالني مارايت من خدم وحشم وارائك فاخرة ومناضد صاجية وعاجية وحتى النادل الذي امره رئيس التحرير بجلب الشاي فقد جاء متوجسا خفيض الصوت يعد الخطى وهو يتقدم اليه ليساله ماذا يطلب ..فقلت امعقول ان عصر الاباطرة والقياصرة وملوك الطوائف لم ينته بعد..!!!
مشكلتنا في العراق انه ليس هنالك مركز قرار واحد يمكن ان يقود البلد وبالتالي يتحمل مسؤولية النجاح والفشل .. امَا والحال مهلهلا هكذا وهنالك اماكن قرار متعددة ومتشعبة وكثيرة فلا يمكن للامر ان يستقيم ,, فهناك البرلمان الذي وفي احيان كثيرة يضع العصي في الدولايب لايقاف قرارات يمكن ان تفيد المواطن ويسرع بتشريع قوانين نفعية ومصلحية لصالحه, وهناك مجلس الرئاسة وله من الصلاحيات مايمكن ان يعطل بها الاخر وهناك مجلس الوزراء وله من الصلاحيات مثل نظرائه وهنالك حكومة ( اقليم كردستان ) وهي تأمر وتنهي وتصدَر وتحذر وتزمجر وتعمل ماتشتهي دون رادع او وازع او رقيب
وهناك رؤساء الاحزاب والكتل ورجال الدين المتنفذين فهم يصرحون كما يشتهون ويلتقون بمن يرغبون ويسافرون بطائرات خاصة وعامة ويستقبلون مسؤولي الدول ويعقدون الصفقات ويصرحون للاعلام بما يطيب له خاطرهم دون ان تكون عليهم رقابة او يسالهم احد باية صفة تقابلون مسؤولين امريكان او اجانب وهل الحكومة لديها علم بذلك وبما تمخض عنه الاجتماع
ثم انه من المعروف في اية دولة ذات سيادة في العالم , اذا ادين احد اعضائها فانه اما ان يستقيل او يقال فورا ولم تعد له منافع او امتيازات او رواتب او اية صفة رسمية .. اما الهاشمي فرغم ادانته بالجرم المشهود واعتراف حمايته عليه لكننا لانزال نسمع ونقرا في الاخبار انه سافر الى الى البلد الفلاني واتفق مع البلد العلاني وهو يتكلم باسم العراق ويعقد الصفقات ويتم التعامل معه بطريقة رسمية في البلدان التي يرد عليها .. كيف ذاك .. الا يحق لنا ان نقول ان هذه هي دولة الفالتو العراقية
انها فوضى السفريات واللقاءات والتصريحات والارادات والتحديات من قبل رؤساء الكتل والاحزاب والنواب ورجال الدين والمسؤولين باختلاف مشاربهم ومللهم ومذاهبهم ,, وقد آن الاوان ان يكون للعراق مركز قرار واحد مثلنا مثل كل دول العالم حيث هنالك حكومة تدير شؤون البلد وهي المسؤولة عن كل شيء فيه
يجب الحد وبشكل قاطع وقوي من هذه الفوضى وتنظيم امور البلاد بحيث لايكون هنالك مكان تحت قبة البرلمان او الحكومة او الرئاسة لاي فاسد او مرتشي او خائن او ارهابي .. ويجب الضرب بيد من حديد على يد كل من يعرقل سير امور البلاد والعباد.. وتحجيم مراكز تعدد القرار والتصريحات والسفريات واللقاءات الجانبية التي لاتعلم بها الحكومة
نريد بلدا منظما منضبطا .. لدينا الامكانيات والثروات ولاينقصنا سوى التنظيم والادارة القوية التي تمسك بكل الخيوط بيدها لصالح الناس وليس لصالح نفسها
لانريد ان يقال كان هنالك مركز قرار واحد في العراق والان اصبح لدينا الف ملك ومليون مركز قرار..