بين التوافق والدستور- صالح الزيدي
Sun, 8 Jul 2012 الساعة : 13:38

ما انفك الوضع السياسي أن يفارق الأزمات فسرعان ما تنقضي واحدة حتى يعد لأزمة أخرى تنفجر في وقت مدروس من قبل الأطراف (الشركاء ) , وما أظنهم إلا متشاكسين وليسو بشركاء ، وما فتأت (المناطحات ) بين الخصوم أن تهدأ منذ أن انطلقت العملية الدستورية (المحاصصاتية) ووقوعها ضحية بين مطرقة التوافق وسندان الدستور ، والعراق البلد الذي اقتسم فيه كل شيء حتى آذان الصلاة لم يسلم من المحاصصة !! وحكومته سرعان ما تخرج من قفص اتهام حتى تدخل قفص اتهام آخر ، والمالكي بات رهينا للاتهام ولم يفارقه بل صار أسيرا لذلك القفص ومعتقلا لدى رغبات الكتل ، ويتهمه خصومه بالدكتاتورية في حين يهاجمونه على شاشات الفضائيات بالشتم والتجريح بلا خجل من استخدام العبارات النابية ، وأي دكتاتور يسكت عن شتمه من قبل خصومه من غير أن يبطش بهم ؟؟!! ..
والغريب حينما يصطدم طرف ما بالدستور يضغط بخيار التوافق ويصنع الأزمة إذا لم تنفذ مطالبه وربما دعا دول الجوار لنجدته إذا ما عجز عن الحصول عليها !!!.
ولا بد أن نعترف بأن عملية التحول من النظام الشمولي المستبد إلى النظام الديمقراطي المنفتح بكل الأبعاد ليس أمرا سهلا فلابد أن تكون لها إرهاصات ، وان نقل عقلية المواطن والمسئول على حد سواء من السلوك الديكتاتوري إلى مفهوم الدولة العصرية ذات الحقوق والالتزامات المتكافئة بين الجميع ، ومن حكم الفرد والعشيرة والحزب الواحد الذي لا يقبل الرأي الآخر إلى حكم التعددية وسيادة المؤسسات والدستور الدائم وعصر انعتاق الكلمة وحرية الرأي في أن تتولد هذه الإرهاصات وعملية التحول هذه تقتضي ظهور الصراعات .
إن تأجيل المشاكل وترحيلها من مرحلة إلى أخرى جعل منها خزينا ورصيدا ( لا وطنيا ) ينهل منه صناع الأزمات لعرقلة المسيرة الديمقراطية
وتعطيل السير ألسلحفاتي في بناء الدولة متى ما شاءوا ، والضغط على وجوب حلها وهي بهذا الكم الهائل الذي لا يحتمله المشهد السياسي الهش أدى إلى شبه انفجار للعملية برمتها بوجود من لم يكن راغبا بقيامها أصلا رغم وجوده في داخلها !! .
إن التوازن في المؤسسات والذي يقصد منه التوازن الطائفي وان كان يخفيه عرابوه بعناوين براقة أخرى , وصناعة القرار السياسي والأمني , وصراع الإقليم مع المركز ؛ ملامح رئيسية من مشهد الخلافات ويتفرع منها الكثير من العقد , انفجرت معظمها بعيد الانسحاب الأمريكي في محاولة من قبل البعض لاستثمار الفراغ المحتمل لقلب الموازين , والأمر الضروري هو إيجاد ضمانات كفيلة أن تكون الحلول لتلك المشاكل ليست حلولا دموية مثلما اتسم بها التاريخ العراقي في خوالي الأيام والأزمنة الغابرة بل إن يكون الدستور والتفاهمات السياسية هما المظلة الآمنة للانتقال إلى بر الأمان ..