منظمات المجتمع المدني ودورها في تحقيق الأمن الوطني-محمد كاظم الموسوي ـ بغداد
Sat, 7 Jul 2012 الساعة : 13:58

تحقق الأمن الوطني العام والشامل لكل مناحي الحياة على أرض الواقع ليس مسؤولية المؤسسة الأمنية لوحدها ـ وإن كان هذا هو مسؤوليتها القانونية ـ بل هو مسؤولية الجميع, فمقولة (الأمن الوطني مسؤولية الجميع) مقولة صحيحة وصادقة في كل أبعادها.
فالأمن العام بما هو حاجة إنسانية واجتماعية يقتضي أن يكون مسؤولية الجميع, وعلى نحو المسؤوليات التضامنية التكافلية, بمعنى الاشتراك والتعاون والتضامن والتكافل من الجميع لأجل تحقيق هذا الهدف الإنساني الإجتماعي.
ومن الواضح أن تحقيق الأمن الوطني الشامل للمجتمع لايتم بمجرد حماية المجتمع من أخطار الجريمة فقط, وذلك لأن الجريمة وخصوصاً الجرائم الإرهابية تكون عادة مسبوقة بظروف خاصة وأسباب وعوامل ومقدمات مساعدة لوجودها ووقوعها ولبروزها وانتشارها وانتشار آثارها.
وهذه الظروف والأسباب والمقدمات والآثار بحاجة إلى رصد وتقييم ودراسة ومتابعة ووضع الخطط والدراسات لمواجهتها ولبيان السبل الكفيلة للقضاء عليها, وإيجاد الحلول المانعة من تكرر هذه الجرائم ومن تكرر أسبابها في بيئات أخرى, ومحاولة كشف كل ما له دخل في نشوء الجرائم ووقوعها.
والمؤسسة الأمنية وإن كان لها دور واضح وفاعل في عملية الرصد والمراقبة ووضع الخطط وقواعد البيانات, ولكن هنا تبرز وتتعاظم الحاجة لدور منظمات ومؤسسات المجتمع المدني, وذلك باعتبار كثرة عددها, وسعة انتشارها, وقربها من أغلب شرائح المجتمع, وباعتبار تنوع نشاطاتها وأهدافها, وباعتبار اختلاف مسمياتها ومكوناتها, وباعتبار إمكاناتها المالية والثقافية والإعلامية, وباعتبار إمكاناتها وقدراتها في الوصول والولوج إلى أماكن لايصل إليها الفرد بمفرده, مضافاً إلى خبرتها وممارستها الطويلة في التعامل مع قطاعات كبيرة من الناس, كل ذلك يعطيها رصيداً قوياً وفاعلاً في مجالات الرصد والمراقبة والإحصاء والتوعية والإعلام والإرشاد والتأهيل.
وبذلك ستكون عملية الرصد والمراقبة والتوعية الأمنية والمساهمة الإعلامية والثقافية في بناء أمن وطني من مهمات ووظائف منظمات ومؤسسات المجتمع المدني للحاجة التكاملية إليها, بل هي من أهم وظائفها الصميم, بل هي من المسؤوليات التي يفرضها عليها الواجب الوطني ويحاسبها عليها الحس الوطني, فالكل يدور مدار الأمن, وحيث لا أمن لا نمو ولا إرتقاء ولا بناء مدني حضاري.
وذلك لأن الهدف الأساس من وضع منظمات المجتمع المدني هو حماية الإنسان وتنظيم سلوكه الإجتماعي والإرتقاء به, وترتيب وتسهيل متطلباته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحياتية والبيئية. والمنظور من هذا كله هو الصالح العام والمساهمة في بناء مجتمع مدني وتأهيل بيئة سالمة أمنياً وحضارياً .
وليس هناك ما هو أهم ضرورة في عملية بناء المجتمع حضارياً من تأمين أمنه الوطني العام بمفرداته, بل إن تحقق أهداف هذه المنظمات متوقف على تحقق الأمن الوطني العام, فمع الحاجة التكاملية لدورها فإن تحقق أهدافها منوط بتحقق الأمن العام, ولذا فالمساهمة في بناء الأمن الوطني يكون من أهم وظائف هذه المنظمات وأوجبها.
وتتمثل مساهمة هذه المنظمات في عملية بناء وتحقق الأمن الوطني بالتركيز على أمور وعناوين عديدة, أهمها عملية الرصد والتوثيق والمراقبة لكل ما يهدد سلامة الأمن الوطني, وعملية التوعية والإرشاد وبث الثقافة الأمنية بين شرائح المجتمع, وتنمية وتعزيز الانتماء الوطني ورفع الروح المعنوية, ومواجهة كل ما من شأنه أن يسبب الإحباط واليأس لدى المواطن عموماً, وتقوية أواصر الثقة وبيان سبل التعاون مع المؤسسة الأمنية ورجل الأمن, وحث المواطن وتشجيعه نحو الإخبار عن الجرائم, وترسيخ القناعة التامة عند المواطن بضرورة وأهمية احترام القانون والنظام, وتنمية الحس الوطني عند الناس بضرورة المشاركة ولو بأدنى صورها في حفظ الأمن الوطني واعتباره ـ الأمن الوطني ـ مسؤولية تضامنية وذلك من خلال التأكيد على ترسيخ مقولة الأمن الوطني مسؤولية الجميع, والتأكيد على نشر الوعي الأمني ببيان مخاطر الإرهاب مثلاً وبيان مخاطر نقل الشائعات وترويجها, وضرورة مجابهة كل ما يهدد الأمن الوطني والوحدة الوطنية, وضرورة الترويج لثقافة نبذ العنف والإرهاب, وخلق رأي عام فاعل ضد الإرهاب والجريمة, والعمل على تحصين المجتمع من الأفكار الوافدة والتيارات المتطرفة. وغير ذلك من العناوين التي تمهد وتساعد في تحقق الأمن الوطني العام.
ومؤسسات المجتمع المدني ـ وكما قدمنا ـ قادرة, بل هي أقدر من غيرها على طرح هذه العناوين, وذلك باستخدام آليات ووسائل وأساليب مختلفة ومتنوعة كعقد الندوات والحوارات العامة والخاصة, وعقد الجلسات التثقيفية الأمنية في الأماكن العامة والخاصة كالمقاهي والمدارس والجامعات والحدائق العامة, واجراء المسابقات والاستفتاءات وكتابة المقالات, واستغلال لوحات الاعلانات العامة في الأماكن العامة وغيرها كالمدارس والمستشفيات والمعامل والطرق ووسائل النقل, فقد قامت دول عدة ومنظمات بترسيخ مفردات وعناوين أمنية عن طريق كتابة الإعلانات على المركبات الحكومية وعلى وسائط النقل, وجعلها في مقدمة البرامج والأفلام وعلى علب السكائر وحليب الأطفال وحتى في دورات المياه والحمامات العمومية, واستطاعت دول أخرى أن ترصد مجاميع إرهابية عن طريق قيام المنظمات المدنية بإجراء برامج استفتاء وأخذ الآراء حول مسائل عامة كالأزياء والهوايات المفضلة وعادات الأكل والشرب والنوم. فعملية الرصد وتحصيل المعلومة أمر في غاية اليسر والسهولة بالنسبة لمنظمات الجتمع المدني, وبذلك تقوم برفد المؤسسة الأمنية بكم هائل من المعلومات الذي ستستفيد منه المؤسسة الأمنية حتماً بعد عملية الفرز والتحليل التخصصي.
فالمهم هو استغلال كل الفرص الزمانية والمكانية وتحشيد كل الجهود لأجل المساهمة الفاعلة في رفد المؤسسة الأمنية والقيادة السياسية من أجل المساهمة في بناء وتحقيق الأمن الوطني من أجل مجتمع آمن ووطن آمن. وبذلك تكون هذه المنظمات قد حققت إحدى أهم مقدمات عملها ـ وهو الأمن ـ لبناء المجتمع المدني.
ويجب أن لا تقتصر جهود هذه المنظمات على الموارد والآليات المتقدمة في عملية رفد وإعانة المؤسسة الأمنية, بل عليها الإبداع في كل مفاصل هذه العملية لإيجاد أفضل وأنجح وأسلم الطرق والوسائل الكفيلة في تحقيق الأمن الوطني.
يجب على منظمات المجتمع المدني أن تأخذ دورها الريادي وأن تكون العين الساهرة والأذن الواعية والناصح والساعد الأيمن في عملية بناء الأمن الوطني العام, وأن لا تنتظر الدعم والتشجيع والمدح والثناء من أحد, وليس عليها إلا أن تقوم بتكليفها وما يمليه عليها واجبها الوطني والشرعي والقانوني.