تراتيل في حضرة المسرح ...إلى روح الفنان المسرحي ابوعماد/عبد الرزاق سكر/عقيل هاشم الزبيدي

Thu, 5 Jul 2012 الساعة : 9:17

الضوء شحيح، يختصر المشاهد، ويشوه الأشكال. ونقاط بيضاء يزداد تناثرها في سماء مشوشة ابتلعت قمرها.. كما موجات الأفكار المتلاحقة في رأسه المسنود على حافة سرير خشب غارق بالسدر والكافور ...ودعاء العجائز

القبور مشرعة، والمدى يضيق؛ يستدرج الأفق صدى عينيه: غداً نهار يشبه الأمس..
أشاح بوجهه ؟!
استقرت نظراته على ورود جورية قانية؛ كانت أولى الورود التي تلقاها من امرأة،
أعاد نظره إلى السماء، كان نصف القمر يستعد للإشعاع، أغمض عينيه: كان يكره القمر ودورته البيضاء
وكنت أقول: مهلاً، لا زال الوقت مبكراً،

تمنيت ليلتها فحسب أن تكون العادات القديمة مستمرة، لتشهد أمي وجاراتها شموع زكريا الذي أذهلنا. لكننا كنا وحيدين، فانفرش سريره الخشب يتهادى في الشاطئ
بالأمس القريب
وأمام المقهى يجلس كالفارس لكن سيفه صحيفة رمادية ومسبحة زنظارته الطبية والتي اصر ان يربطها خلف رقبته
. كان وجهه يحمر، وجسده يتوهج، وتحمر اللحظات دفئاً ولذة وسعادة عندما يضحك ساخرا من الحياة
في الصباح كان كل شيء ساكن .
جسده أبيض، دون أن يتوهج. ولا زال جنونه طاغياً. يحس بالتحدي، في ما مضى كان يوصيني بأسراره ووصاياه همسا.
والهلع الكامن في عينيه، وحركاته، واستسلامه، كلها أشياء تزيد من مرارة التحدي، وتزيد من خيبتي وجنوني.
حين ألاحظ طفرة جديدة من التعابير القابضة والملامح المكفهرة، أشعر أنه يحدثني
فأفقد صوابي، وأضربها وأحطم الأشياء؛.
وحين أنظر إلى الشعرات البيض التي تسللت إلى رأسه، أحس أنها صافية بلون جسده المسجى.

:حين أتذكر تاريخ المدينة أتذكره جرحها الدامي
أيام الحروب والقصف المدمر وموت الأصدقاء وهروب الأحبة
طلي الطويل كان يتخبط بدمه وعلى الجسر الطويل ، لم أستطع إنقاذه، كان القصف عنيفاً، ركضت بأقصى سرعة، مبتعداً عن الدمار لمحته يقف قبالتي، ناجياً بجلده..
لكن الموت لم يتركه..!
دم.. موت.. لماذا الدم والموت يلاحقننا؟!
أنهارٌ بمياه محمّرة وأشلاءٍ وجثث
كانت تقول التعليقات العاجزة في وسائل الإعلام:
لا يمكن إيقافها بأي ثمن.!
- بل نستطيع..!
قالها بتحد :
، ونعيد كل شيء إلى موضعه..!
..
مجزرة تنتهي ومجزرة تبدأ، تنجح هدنة في مكان، لتندلع الجراح في مكان آخر. ويعود الدم..

الأمر ليس سهلاً، أعرف، فكرت فيه طويلاً، وبصقت في داخلي كثيراً.
وأحسُّ أن رأسي محفورٌ بأنفاق سوداء طويلة متعرجة ناتئة الحواف، لا تنتهي. ولكن ما العمل؟

كل الأسوار التي واجهتني لم تصمد أمامي: سور بستان جارنا، وسور المدرسة، وأسوار تحرسها العيون. كلها تمكنتُ من اختراقها
صراخ...صراخ
:
لقد مات المسرح؟
هل حقاً مات؟!
الموت.
أي مجهول هذا؟!
تناثر الأبيض بإصرار وعناد على حدود الوجه المثلم، ولم تَعُد الملامح سوى أشلاء بيضاء تُحمل دون ضجيج..؟

Share |