زينب/عبير ال رفيع
Thu, 5 Jul 2012 الساعة : 7:42

شوارع مخيفة وبرداً قارص وظلام دامس يتسلل الى روح زينب ، فهي تسير دون هدف واضح ، لاتعلم من أين أتت ، والى أين هي ذاهبة ، الخوف وحده يعتلي روحها الطفولية ، تبحث عن مجهول لا تعلم ماهو أو أين يكون .. قواها تتلاشى , وكثيراً ما تكلم نفسها أبحث عن ماذا ؟؟
هل الموت هو ما تبحثين عنه .. فتجيبها نفسها وهل فالموت تجدين راحتك راحتك ؟؟ فتجيب دون وعي منها لا أعلم ..
ألم يعتلي روحها ودموع متجمدة بمآقي عينيها ، وسط صرعات الروح والعقل التي تعيشها .
هناك وفجأة ترى نوراً خافتاً ، فتحاول أن تتأكد منه , تفرك عينيها وتنظر من جديد نعم إنه بصيص أمل يلوح لها في المدى القريب علها تجد من يرافقها ويشد من عزيمتها ويؤازرها لتقتل الخوف في داخلها وتنهي البرد الذي يكاد يجمد روحها بين حنايا ضلوعها , تسارعت خطواتها أكثر فأكثر .. ما أجملك أيها الأمل .
فقليل من النور بإمكانه أن يطرد ظلام حالك ، ويجعل الحياة تتدفق داخل زينب من جديد .. نعم أنها حقيقة ، وبعد سويعات وصلت لمصدر النور لتجد كوخاً يقطنه رجل خمسيني فارع الطول بهي الطلعة وسيم ذا هيبة ووقار , له نظرات خارقة وحنونة ..
تُحدث زينب نفسها لم أرى رجلاً بحياتي مثله لايشبه إلا ذاك الأب الذي فقدته في بداية طفولتها , أستقبلها بكل حنية , قال لها : يبدو عليك التعب فالطريق طويل وشرع يقدم لها الطعام والشراب ، لكنها لم تأكل وتشرب أي شيء ، فقد كان عطشها وجوعها روحياً ، لا عطشاً وجوعاً للطعام والشراب ...
طال الحديث بينهما حتى إنها نامت دون أن تحس بما حولها , فغطاها وتركها نائمة .. فتحت زينب عينيها على أشراقة فجر جديد ودفئ شمس يتسرب الى جسدها ، إنه أحساس غريب ولذيذ لم تشعر به من قبل ..
لأول مرة في حياتها وكأميرة القصور الملكية وجدت امامها الفطور فتناولته بشهية كبيرة ..
نظر الرجل الخمسيني الى زينب قائلا : سوف نذهب للغابة لنصطاد طعام الغداء ونجمع ما تجود به الأرض المعطاء من خيراتها , فرحت زينب لأنها لم تجد قبل اليوم من يشاطرها الحياة , حاولت ترتيب الكوخ قبل الخروج ، فقال لها أتركي كل شيء على حاله كي لايدركنا الوقت ، وعند عودتنا سنرتب كل شئ معا , فرحت أكثر لأنها وجدت ما تبحث عنه ، المغامرة والتمسك بالحياة والبحث عن السعادة .
توغلوا في الغابة وهو يحدثها بأسلوبه اللبق المتمكن ، ليتعرف على مكنونات نفسها ، فاستفز سريرتها الطفولية ، وتمكن من مغاليق مكامن روحها لتبوح ما بداخلها بدون قيد أو تحفظ ، فباحت بكل ما كان محبوساً في صدرها لذلك الرجل ، وللمرة الأولى وجدت من يصغى اليها ويستمع لآلامها ومعاناتها ..
مر الوقت كلمح البصر وحملوا معهم ماحصلو عليه من خيرات الطبيعة وعادوا أدراجهم الى الكوخ ، وكانت زينب من فرط سعادتها ... تحلق بروحها كالفراشة فوق أشجار الغابات .
وعند وصولهم للكوخ أعدت الأغراض لتبدأ بطهي الطعام ، لكنه فأجئها بأنه هو من سيقوم بإحضار الطعام ، وأكتفى بأن يترك لها ترتيب الكوخ , وبعد الأنتهاء من تحضير الطعام وترتيب الكوخ أعدت المائدة وجلسا لتناول طعامهما ، وكانت تلتهم الأكل بشراهة وكإنها لأول مرة تتذوق الطعام ، وبعد إن أنتهت من الطعام شكرت الرجل لحسن ضيافته لها ، وشرعت تشد رحالها لتعادود من جديد مواصلة مسيرتها فأعتلاها الحزن والهم لأنها ستعود لمسيرتها نحو المجهول والألم والحزن والوحدة ، فسارت بخطى مرتبكة تقدم خطوة وتأخر خطوة ، ولا تود أن تترك الكوخ وصاحبه , والرجل أيضا لم يكن راغباً أن تترك زينب الكوخ ، لأنها قتلت وحدته التي قضى العمر وهو يعانيها , وبعد إن تقدمت زينب بضع خطوات قرر أن يناديها : أيتها الفتاة ... أيتها الفتاة
لكنها لم تسمعه للوهلة الأولى لأنها كانت تستمع لحفيف الأشجار ونبضات قلبها المتصاعدة ، ولهاث أنفاسها الحارة , عاد وناداها بصوت أعلى فسمعته غير مصدقة نفسها من شدة فرحتها ، هل ناداها أم إنها تحلم ؟ توقفت لتتأكد
فقال لها : أرجوك أن ترجعي لنتقاسم لذيذ العيش والحياة معاً ، ونقتل وحدتنا ، فتعب المسير ، والبحث في غربة المجهول قد أضنانا ، وأخذ منا مأخذاً كبيراً .
بفارغ الصبر كانت تنتظر كلماته هذه فأستدارت نحوه ، وعلامة الفرح كانت طاغية على وجهها ، وتفضح رغبتها العارمة بالبقاء ، وافقت على العرض دون تفكير وتردد .