عبد الرزاق عبد سكرصدى الذاكرة ووجع السنين-زيدان حمود

Tue, 3 Jul 2012 الساعة : 18:45

رحل عبد الرزاق عبد سكر آخر عناقيد الألم المتدلية من رحم عنقاء الجنوب ناصرية الألم والأوجاع وهموم السنين ، ناصرية الفن والإبداع وشواطئ شجن الفرات الممتزجة غرينا وحزنا أبوذيات .
رحل عبد الرزاق عبد سكر آخر وأول شراع في مركب المسرح ، ليلقي بمرساته في زنازين قديمة ، خربها التقرح وذكريات السنين وهو يستعيد ذاكرة الماضي ممثلا على مشارف الثمانينات  في مسلسل (حفر الباطن ) وهو هديته لعشاق فنه ومحبيه وأهله وأصدقائه وعربون محبة ونقاء على تواصل أزلي لم ينقطع يوما ولم توقف ذبحات القلب المتكررة حتى في أثناء التصوير عمله وأدائه لدوره في التمرينات .
عبد الرزاق عبد سكر ( عمو رزاق ) ( بابا أبو عماد ) ( أبو عميدة ) هكذا يحلو لنا أن نناديه أثناء التمرينات على خشبات المسارح التي أتعبها طويلا ولم تتعبه يوما .  معلمنا الأول منذ حرف الهجاء الابتدائي وحتى آخر جملة لفظها على خشبة المسرح وهو في آخر مشوار له في رحلة الإبداع والديمومة .
ماذا سنقص لأطفالنا الصغار المولعين بحب المسرح كما اللعنة التي توارثها أبائهم جيلا بعد جيل.. ماذا سنقول للزمن القادم عن شيخ المسرحيين وربان سفينته وقت الأزمات والصراعات التي يدخلها وسيطا وحبيبا ومداعبا للجميع . ماذا سنقول عن عبد الرزاق عبد سكر وقد ملأ مسارح الناصرية والعراق تغريدا وشدوا وحبا خالصا لكل مفردة نطقها على المسرح بوجدان الممثل الصادق .
لم يجرب الإخراج ولم يجرب التأليف ، كان وفيا للجانب الذي أبدع فيه ممثلا ماهرا ومحترفا حصد الجوائز الأولى في التمثيل في مهرجانات عديدة على مدى عمره المتواصل بالعطاء الدائم
عبد الرزاق عبد سكر هوس الذاكرة والطفولة وسنوات العمر المحترقة في حب المسرح هو جزء منا ومن همومنا لأننا لا شوق لنا سوى المسرح وهمومه ولا حب لنا في الحياة سوى أن ننصهر في بدوقة الإبداع سوية من أجل أن يستمتع الآخر مبهورا بما نقدمه له ليتعض ويقتدي ويصفق لعمل عشقناه سوية .
عبد الرزاق عبد سكر أبي وأخي وصديقي وممثلي الأول في أغلب المسرحيات التي قدمتها في المهرجانات القطرية والعربية وكانت جائزة أفضل ممثل من نصيبه في أكثر من مهرجان .منها ( لحظات متقاربة ) مهرجان المسرح العراقي عام 1995 في بغداد و ( أشواط الصهيل ) مهرجان مسرح عربي في بغداد عام 1994و( قناع الرجل العجوز ) مهرجان مسرح عراقي في البصرة عام 2000وغيرها الكثير من المسرحيات التي أبدع فيها ممثلا مقتدرا متمكن من أدواته التعبيرية بشكل كامل ، انه وعلى الرغم من عمره الطويل الذي أمده الله به إلا انه مشروع متجدد بالعطاء والمواصلة ، افتقده العراق وافتقدته مدينته الناصرية ،هذه المدينة التي أعطتنا من رحمها رحيق الحب مسكوبا في أباريق محبتنا شجنا وإبداعا وعطاءا متكررا ، ولا يمكن في يوم ما أن يكون الوفاء بعيدا عنها في خلجات  قلوب أبنائها الذين يتوارثون الهم والإبداع منها يوما بعد يوم  .
عبد الرزاق عبد سكر ضمير الناصرية المختبئ في أوردتها .. هو اليوم يرحل عنها وعن العراق الذي يرثيه دما بما بنزفه من شريان أبنائه الأبرياء .. طوبى لهم وجنات النعيم تكتنفهم فهم ضحايا غدر وخيانات وسياسات بائسة .
انك يا أبا عماد جسدت في كثير من أعمالك الفنية حبك للعراق مشفوعا بألف آهة وآهة لتلك الدماء النبيلة التي سالت قرابين شوق لعزته فهو كما العنقاء يحترق ليعود من جديد بأبهى صوره وفي أحلى أحلامه صورتك وصور المبدعين والمضحين من أبنائه باسمين فرحين تطير أرواحكم هائمة من خشبة مسرح إلى أخرى ومن مكان ابداع محتشد بالموهبة إلى آخر في جميع ربوع العراق فهنيئا هنيئا انتمائكم الصادق للعراق وهنيئا انتمائك يا اباعماد للمسرح وهنيئا للناصرية والعراق كونك ابنهما البار الذي رحلت عنهما تحمل نياشين وأوسمة الإبداع التي ستخلدك طويلا .
 

Share |