كوابيس بائع الضحك-حسن عبد الرزاق- الناصرية
Sat, 30 Jun 2012 الساعة : 13:17

هذه مجموعة قصص قصيرة جدا انتجتها مخيلة سارد بحثت عما يتطابق سرديا مع الواقع المعاش فلم تجد سوى الكوابيس المرعبة .
انه اجراء كان هدفه التصوير الدقيق لما حفلت به الاعماق من مرارة استدعت الى ان يكون الخيال صادقا معها وان لايداهن او يجمل او يخضع لسطوة العقل الذي كثيرا ماافسد عفوية الذات بتردده وهي تمارس بوحها الخاص .
فثمة احداث واقعية عنيفة الزلزال غرائبية التفاصيل مرت على المجتمع العراقي كانت هي بحد ذاتها قصصا مكتوبة على صفحات الحياة ، هذه الاحداث كانت وماتزال تضغط على وعي القاص ابراهيم سبتي وتقوده اولا للنفاد الى اعماقها والتنقل بين ممراتها الخفية بحثا عن صور صغيرة غير منتبه اليها رغم انها بمجموعها هي جزء اساسي من مشاهد الدمار والهول العامة ، وثانيا لاعادة صياغة هذه الصورباسلوب قصصي يجعلها (وان اتخذت منحى جماليا من الناحية الفنية ) وثائق صغيرة لزمن طفحت على سطح سنواته احداث ضخام كان الانسان العراقي تحديدا ضحيتها الاولى والمفجوع الاكبر فيها .
ان عنوان هذه المجموعة المأحوذ من احدى اهم قصصها ، حمل تضادا تاما مع طبيعة مواضيعها ، فلا ضحك على الاطلاق في قصص تبدلت دلالات الاشياء الجميلة في الحياة الى ماهو معاكس لها تماما ، ولابائع حقيقي استمر يضحك من اعماقه حتى النهاية .
فالمطر الذي هو رمز للخصب والنماء والحياة والرومانسية ، والطيور التي توحي افعالها بالوداعة والطيبة والحرية ، والكتب التي تمنح العقول زاد المعرفة والثقافة ، والارض التي ترمز للامومة والولادة ، والبئر الذي يمثل الامل بالبقاء والتواصل كلها مفردات تفقد معانيها اللطيفة في بعض قصص المجموعة لصالح معنى اخر معتم كريه ، هو الموت ، حيث تكون هي صورته الفاعلة التي تنتج الحطام والرماد .
في حين نجد في قصص اخرى حضورا طاغيا لعدد من الدوال الموحية بالخراب او الفناء مثل السيف والطلقة والرمح والخنجر والناروالذئب والفأس وهي تمارس افعالها المدمرة في الكائنات التي تشكل روح الحياة النابضة وسبب استمرارها وبقائها مثل الانسان والشجرة .
ان قصص (( بائع الضحك)) كثيرا مابدت منتمية الى عالم ضبابي الابعاد غير واضح الملامح من الناحية الواقعية ، منفصلة عن زمان معين ومكان محدد ، قريبة جدا من عوالم الحكايات الشعبية التي تكتنفها الغرابة والخرافة في ان واحد ،وهذه هي منطقة اشتغال القاص ابراهيم التي درج على استدراج قصصه الواقعية اليها لكي ينأى بها عن التوثيقية الفجة ولكي يكسبها نكهة وتأثير الحكاية الشعبية القديمة في النفوس وان صاغها بلغة باذخة تشوبها شعرية جميلة .
وعلى ذكر الشعر فان عددا من القصص قد خلت من العناصر الفنية التقليدية كالحدث اوالحكاية اوالشخصية او الحبكة وبدت كأنها مقاطع شعرية ارادت ان تطرح افكارا معينة الحت على القاص كثيرا فلم يستوعبها شكل قصصي مستوفي للشروط كما في قصة ((سيقان))وقصة ((خنجر مسموم )).
على ان اشكالية التجنيس تبقى قائمة ومثار نقاش واختلاف مستمرين بين النقاد او الادباء ، فهناك من يتعامل مع حجم النص في هذا الموضوع ويرى ان القصة القصيرجدا يجب ان لاتتجاوز بضعة اسطر قليلة يتركز فيها الحدث او فعل الشخصية بطريقة مشابهة لقصيدة الومضة وان تجاوزها ذلك الحجم الى ماهو اكبر يضعها في خانة القصة القصيرة ، في حين نجد رهطا اخر ينظر الى حجم الحدث نفسه بغض النظر عن سعة النص ويؤكد على قصره زمانيا وسرعة وقوعه .
وفي كلا الحالتين فأن الوعي الذاتي للمتلقي وذائقته وخبرته القرائية ومعرفته النقدية كثيرا ماتحدد نوعية النص وهذا الامر يحدث للرواية ايضا .
ان القصة القصيرة جدا اصبحت من بين الاجناس الرائجة لدى متلقي العصر حيث انها ادب اللحظات المختلسة من الزمن المزدحم السريع الايقاع ، اذ من الممكن ان يقرأها الشخص في باص المصلحة او في غرفة بيته وهو يسترخي قليلا او عندما يمارس الانتظار في صالة دائرة معينة ذلك لان قلة اسطرها تغريه على مواصلة القراءة من الاستهلال حتى الخاتمة وهذا الحال اغرى الكثيرين من الكتاب في العالم الى ممارسة كتابتها بغية توصيل افكاره الى الاخرين وقد فعل ابراهيم سبتي مثلما فعله سواه .