شروط جلسة الاستجواب -هيفاء الحسيني -امريكا
Mon, 25 Jun 2012 الساعة : 10:31

يتفق الجميع بمن فيهم اقطاب الازمة السياسية الحالية ، ان العراق يمر اليوم بمنعطف تاريخي صعب واساسي ، يتحدد بموجب مخرجاته ( سلبية كانت ام ايجابية ) اتجاهات المسيرة الديمقراطية التي كلّفت العراقيين ثمنا باهضا طال ارواحهم وثرواتهم وحتى ممتلكاتهم الشخصية .
لكن القليل العراقيين ( سياسيين ومواطنين عاديين ) ، يدرك ان هذه الازمة برغم تداعياتها الآنية ، وتأثيراتها السلبية والمباشرة على الحياة اليومية ، فانها ( في بعد آخر ) يمكن ان ترسم ملامح مشرقة ، وتؤسس لثقافة ديمقراطية شفافة ومتينة يبنى على اساسها مستقبل العراق السياسي .
وربما يبدو الحديث عن النتائج الايجابية للأزمة السياسية الحالية ضرب في الخيال وانغماس في احلام وردية لا تمت للواقع الحقيقي بصلة ، في ظل ما يظهر من تقلبات في بورصة المواقف ، وتهافت على التصريحات الاعلامية الرنّانة التي تتباين بين التهديد تارة والترغيب تارة اخرى ، والاتجاه نحو التصعيد هنا والهدوء النسبي هناك ، وانعكاس كل ذلك على أمن المواطن البسيط وقوته اليومي .
لكنه ( اي هذا الحديث ) يقترب من تحقيق مايمكن ان يوصف بالاحلام اذا ما توفر فيه شرط المصداقية في توجهات السياسيين على اساس الاستناد الى مباديء الديمقراطية الوليدة التي آمن بها السياسيون ، وانخرطوا في بناء مؤسساتها الرئاسية والحكومية والبرلمانية .
والمصداقية التي نعنيها هنا هي تلك التي يكون فيها السياسيون على اختلاف اصطفافاتهم ، صادقين في مواقفهم المعلنة ، لا يتأثرون فيها بعواصف الاغراءات التي قد تأتي من هذا الطرف او ذاك ، خارجا كان ام داخليا .
فالسياسي الذي يعمل في قلب الحكومة عليه ان يكون صادقا في دعمه لها ، وان يتحلى بالشجاعة الكافية التي تقوده للدفاع عن مواقفها وخططها ، وان لا يبقى متأرجحا بين اغراءاتها الوظيفية وبين ما يؤمن به من قناعات قد تتقاطع مع نهجها وتوجهاتها .
والسياسي الآخر الذي يقف في صف المعارضة ، عليه ايضا ان يتحلى بالمصداقية الكاملة ، وان يكون شجاعا بما يكفي للبقاء ثابتا على موقفه ، حتى لو كلّفه ذلك خسارة جميع الاغراءات .
فالازمة السياسية وصلت اليوم الى الدعوة لاستجواب رئيس الوزراء نوري المالكي داخل قبة البرلمان ، بعد ان اصطدمت محاولة سحب الثقة عنه بجدار رئيس الجمهورية ، حينما اعلن ان تواقيع البرلمانيين لم تصل الى النصاب المطلوب .
فهذه الدعوة بحد ذاتها ( اذا استندت الى شرط النيّة الصادقة التي ذكرنا ) هي ليست معيبة لرئيس الوزراء ، ولا تنتقص من كرامته بشيء . بل هي واحدة من ابرز ملامح الشفافية والديمقراطية ، و تأسيس صحيح لبناء متين يقيه هزّات وتقلّبات عالم السياسة والسلطة .
فاذا كان السيد نوري المالكي واثقا من اجراءاته التنفيذة التي كفلها له منصبه كرئيس للوزراء ، واستطاع عبر عرضه لملفات برنامجه الحكومي ان يقنع ممثلي الشعب بنجاحه في العمل عليها ، فان اسهم الرجل سترتفع لا محالة ، وسيتمكن من اسكات كل الاصوات الداعية الى تنحيته او النيل من منجزاته التي حققها عبر سنوات ولايته وحتى الان . وان لم يتمكن من ذلك ، فان الاولى بتلك الاصوات ان ترتفع اكثر لتطالب بما ذهبت اليه . وهنا تكون الازمة قد افضت الى الاقتراب من تحقيق ما كان يعد حلما ومحض خيال ، لو احسن اللاعبون ادارة دفّتها ، وتوفرت فيها قوانين شرف المسؤولية التي منها وليست جميعها :
اولا : ان جلسة الاستجواب لابد ان تستند الى اتهامات محددة بخروقات وظيفية لمهام واضحة كان قد كلف بادارتها رئيس الوزراء . وان يتم الاعداد لورقة بهذه الاتهامات بعيدة عن التعميم ، وان لا تخضع لمصالح الكتل والاحزاب على حساب مصلحة المواطن والوطن.
ثانيا : ان يتم تسليم هذه الورقة الى رئيس الوزراء قبل مدة كافية من موعد عقد الجلسة حتى يتمكن من اعداد الدراسات والملفات اللازمة للاجابة عليها بطريقة مهنية لا تخضع للارتجال .
ثالثا : نظرا لتعلق الامر باستجواب هرم السلطة التنفيذية ، فانه من الضروري والبديهي ايضا ، ان يتم الزام حضور جميع رؤساء الكتل السياسية او من يمثلهم بما يتوافق مع النظام الداخلي لمجلس النواب .
رابعا : ربما تقتضي ضرورات الاستجواب استقدام مسؤولين حكوميين او سياسيين اخرين او رؤساء كتل ، للاستماع الى شهاداتهم في قضية محددة ، لذا ينبغي توفير الامكانية ، لحضور اي طرف يمكن ان يساعد في كشف الحقيقة واظهار جهة التقصير .
خامسا : لاتاحة الفرصة امام الجميع لعرض آرائهم بمن فيهم رئيس الوزراء الذي ربما يحتاج الى مزيد من الوقت لعرض ملفاته ، يمكن تخصيص اكثر من جلسة للاستجواب اذا اقتضت الضرورة لذلك .
سادسا : ان يدير رئيس البرلمان جلسة الاستجواب بشفافية ، وان يعطي لجميع الاطراف الحق في عرض مواقفها دونما انحياز لهذا الطرف او ذاك . وان يتحدث بلغة المصلحة العامة وليس بلغة الكتلة التي ينتمي اليها .
سابعا : ولكي تكتمل قوانين اللعبة الديمقراطية ، فان اطلاع العراقيين على المجريات التفصيلية لجلسة الاستجواب ، وتفاصيلها ومداخلاتها ، لابد ان تكون من خلال جعلها علنية ونقلها مباشرة عبر وسائل الاعلام ، وهو مطلب شعبي رئيسي ، لكي يتعرف المواطن على مواقف كل الاطراف وارائهم ، بعيدا عن الخداع الذي يمكن ان تمارسه بعض الاطراف السياسية لكسب الرأي العام . ولكي يكون المواطن على دراية كاملة بمن يعمل لصالح ارادته ، ومن يعمل بالضد منها .
ثامنا : ندعو كل الاطراف وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السيد نوري المالكي الى كشف جميع الملفات الخفيّة . وان تكون جلسة الاستجواب مناسبة حقيقية لتقديم الاجوبة الواضحة على كل الاسئلة المحيّرة ، التي ظلت طيلة سنوات العملية السياسية الجديدة في العراق ، بعيدة عن الاجابة ، ما يتعلق منها باللذين يقفون عقبة بوجه مسيرة الاصلاح والنمو والتقدم ، ويعملون بالضد من مصلحة المواطن ، ولحساب مصالحهم الشخصية وجهات اخرى .
تاسعا : اذا التزامت الاطراف السياسية ببعض قوانين شرف المسؤولية التي اشرنا اليها ، فانه يصبح للشعب الحق بمطالبة من ينجح في اختبار الاستجواب ، ببناء مسار جديد للعملية السياسية يساعد في دفع عجلة النمو والتطور ويستبعد بلا مجاملة كل اللذين يضعون العصي في طريقها .
عاشرا : ان يصبح استجواب رئيس وزراء الحكومة العراقية ( اياً كان ) ، داخل البرلمان ، تقليدا سنويا لا يرتبط بالازمات السياسية ، وانما بقانون محدد ، يتمكن خلاله المشرّعون وممثلوا الشعب ، الاطلاع على سير عمل الحكومة لعام كامل ، وتقييم نشاطها ، بما يكفل نجاحها في تحقيق وانجاز برنامجها الذي قدمته حين تم انتخابها ، وقامت على اساسه .
وعند ذاك يمكن الاقتراب من تحقيق ما كان حلما وخيالا بعيد المنال .