لاهم شعب الله المختار ولا انتم خير امة اخرجت للناس-انس محمود الشيخ مظهر- دهوك
Wed, 20 Jun 2012 الساعة : 10:55

قد يبدو واضحا من العنوان ان الموضوع هو مقارنة بين بني اسرائيل وبين الشعب العربي ( كما يفسر بعض العروبيين الآية ) مع فارق الانتماء الديني بين الطرفين , فهؤلاء يهود والاخرون مسلمون وان كان هناك نقد للجانب العربي فهو نقد لتصحيح المسار الثقافي الغير صحيح الذي تسلكه هذه الامة حاليا و ليس لتسقيطها , غير متناسين انها يمكن ان يكون بفعل الحقب الماضية سواء الاستعمارية منها او الحقب الدكتاتورية التي جثمت على صدر هذا الشعب .
بعد احتلال فلسطين من قبل اسرائيل اتخم اعلام الحكومات العربية واحزابها القومية اذهاننا بتصوير الشخصية الاسرائيلية او اليهودية بشكل عام كونها شخصية ماكرة ذات دهاء سلبي متحامل على كل الانسانية وهمها الوحيد هو تقوية العنصر الاسرائيلي على حساب القوميات والملل الاخرى وباي وسيلة او ثمن . وما ساعد على ترسيخ هذا الانطباع عند اكثرية الشعب العربي هو التصوير السلبي لليهود في القران الكريم الذي لا يمكن ان نناقشه باعتباره شيئا مسلما به . ولكن بالنسبة لتعريفاتنا البشرية الحالية فإننا لو سلمنا بطروحات الحكومات العربية عن اسرائيل فسنفاجئ عندما نرى ان هناك في الشعب الاسرائيلي اليوم من يقف ضد حكومته في ممارساتها ضد العرب الفلسطينيين .
فقد طالعتنا الاخبار قبل ايام ان هناك الكثير من الاسرائيليين الان يرفضون الخدمة في الجيش الاسرائيلي احتجاجا على الممارسات التعسفية لهذا الجيش ضد المدنيين الفلسطينيين , ووصل الامر عند بعض الجنود الى الاضراب عن الطعام تضامنا مع السجناء والمعتقلين الفلسطينيين , وقبل سنتين تناقلت وكالات الانباء اخبارا تفيد برفض طيارين اسرائيليين قصف المدنيين في المدن الفلسطينية , ناهيك عن التظاهرات الكثيرة التي يقوم بها اسرائيليون مناهضون للسياسات الغير اخلاقية لحكومتهم تجاه الشعب الفلسطيني .
انا كمسلم غير عربي عندما اتابع هكذا اخبار تجول في خاطري الكثير من الممارسات التي كانت حكومة البعث في العراق تمارسه ضد ابناء شعبي الكردي المسلم من خلال الجيش العراقي آنذاك , فأصاب بما يشبه الغثيان عندما افشل في الاستنجاد بموقف واحد لأفراد هذا الجيش يجعلني اقول ان الشعب العربي في العراق كان متعاطفا مع القضية الكردية واصاب بالإحباط الشديد عندما افشل في ايجاد مواقف مدافعة عن الكرد من قبل الشعب العربي بشكل عام سواء في العراق او الشعوب العربية في البلدان العربية الاخرى . فللأسف لم اسمع مثلا بضابط او بجندي عراقي رفض الاوامر العسكرية في قصف المدنيين الكرد , وان كان البعض يبرر الموضوع بانه كان امتثالا لأوامر عسكرية يجب ان تطاع فإننا نتساءل فلماذا اذا يرفض الاسرائيلي الانخراط في الجيش ويرفض خدمة العلم في دولته من الاساس بسبب الممارسات التعسفية لهذا الجيش (مع انه ليس شرطا ان يشترك في هذه الممارسات) بالرغم من عدم وجود أي مشتركات بينه وبين الفلسطيني المدني لا دينيا ولا تاريخيا ولا ثقافيا بينما لم يستطع الجندي العراقي ان يرفض قتل المدنيين الكرد في العراق مبررا ذلك بانها اوامر عسكرية ؟
ولكي لا اتهم بانني احاول نقد بعض الممارسات الثقافية للشعب العربي في هذه الحقبة مستغلا القضية الكردية تحت تأثير افكار قومية احملها ... اقول بان التعاطي الغير انساني والغير الحضاري لبعض العرب لا ينحصر فقط في تعاملهم مع القضية الكردية , فلطالما شهدنا تظاهرات لشعوب مسلمة غير عربية تأييدا للشعب العربي ووقوفا معه في الكثير من قضاياه القومية ولكن لم نرى مثل هكذا تحركات ومظاهرات في الشارع العربي تأييدا لأي قضية قومية لأي شعب مسلم من غير العرب, وهذا يظهر ما يعانيه العرب من ازمة ثقافية وحضارية في الوقت الراهن . وان كننا ننتقد الاسرائيليين لانهم يدعون بانهم هم شعب الله المختار كذبا وبهتانا فالأحرى بنا انتقاد بعض العرب الذين يدعون بانهم خير امة اخرجت للناس ( كما يحلو للكثير منهم تفسير الآية وكأنها تشير للامة العربية ) .
وعندما نحاول لملمة الجروح ونسيان الماضي وعدم الخوض فيه كونها احداث حصلت في غفلة من الزمن ويجب عدم محاسبة شعب كامل على كبوة مر بها , يصدمنا الواقع ليؤكد ان الازمة الحضارية هذه مستفحلة بشكل كامل عند الاخوة العرب لا يستطيعون التخلص منها بسهولة رغم كل الاحداث الاليمة التي مروا بها . فبعد زوال نظام صدام حسين تأملنا خيرا في مستقبل العلاقات الكردية العربية لكننا صدمنا بواقع يقول انه ورغم معرفة الشعب العربي بالحقائق التاريخية بشكل يقيني الا انه لا يتردد بادعاء مشروعية طروحاته في أية قضية حتى لو كان على حساب حقوق شعوب اخرى طالما كانت في صالح القومية العربية . فعندما حاول الكرد حل المشاكل العالقة بين المركز في بغداد وبين اقليم كردستان وفي مقدمتها المناطق المتنازع عليها راينا منحنيا تصاعديا كيديا في التعامل العربي مع هذه القضية . ففي السنوات التسع بعد الالفين وثلاثة لم نكن نسمع أي طرف عربي يدعي بان كركوك عربية بل كانوا في اكثر المواقف تطرفا يقولون انها عراقية ليقينهم بعدم عروبتها واستحالة الادعاء بهذا الشأن , ولكن في الآونة الاخيرة بدانا نسمع سمفونية جديدة في الطرح العربي لهذه القضية وهي ان كركوك عربية ولا ندري على أي اسس استند الاخوة في ادعاء عروبة كركوك . هذه المواقف ان دلت على شيء فإنها تدل على ازدواجية الطرح العربي الذي يستغل اي شيء من اجل الحصول على كل شيء غير ابهين بالحقوق المشروعة للشعوب الاخرى . والمشكلة الاكبر ان الشخصية العربية تستطيع ايهام نفسها بأحقيتها بأشياء ومشروعية الدفاع عنها بدون ان تمتلك دليلا حقيقيا على الطرح الذي تتبناه وان لم تستطع تنفيذ ما تبغي اليه بالمناورات السياسية فتلجئ لأدوات الترهيب والتخويف تماما كما يحصل الان في مدينة جلولاء الكردية ومناطق كردستانية اخرى , حيث خرجت مجاميع مسلحة في هذه المدينة لتهدد الكرد وتخيرهم بين القتل او الهجرة الى المناطق الاخرى من كردستان العراق في خطوة تشبه ممارسات عصابات الهاجانا التي كانت تهدد وتقتل الفلسطينيين العزل لأخذهم على الهجرة من مدنهم وقراهم الى خارج فلسطين .
كم كنا نتمنى ككرد ان نرى موقفا مغايرا من الاخوة العرب يطيب جراح الماضي في الحقب الصدامية لا ينكئها اكثر , ولكن وللأسف فلحد الان لم نرى هكذا موقف ولا اتصور ان عقد ندوة او مؤتمر لبعض المثقفين العرب في مدينة كردية للتضامن مع الشعب الكردي يعكس موقفا شعبيا حقيقيا لاسيما اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الكثير من الاموال تدفع في هكذا مؤتمرات ولا اتصورها مواقف حقيقية تعبر عن تغير حقيقي في رؤى الشعب العربي تجاه قضية الشعب الكردي في العراق , واخيرا نقول .... اسف يا سادتي فلا الاسرائيليون هم شعب الله المحتار ولا انتم كعرب خير امة اخرجت للناس ( وعذرا لتفسير الآية بشكل غير صحيح كونها تشير للامة الاسلامية وليست الامة العربية لكن لان بعض الاخوة في الشعب العربي يحلو لهم تفسيرها بهذا الشكل ).
كردستان العراق – دهوك
19 – 6 – 2012
[email protected]