في الطائرة- دلال محمود- المانيا
Mon, 18 Jun 2012 الساعة : 10:24

الساعة الآن هي الثامنة مساءاً,موعد اقلاع الطائرة التي ستقلها الى هناك حيث الوطن, والأهل والجيران.
طلبت من المضيفة أن يكون مقعدها قرب النافذة, علَّها لاتسمع اصوات الركَّاب .فمسامعها قد تعبت مما كانت تسمعه من أحداث. وتحديدا تلك التي تخص بلادها أو تلك التي كانت تعني بأمورها.
ها هي الان جلست في المقعد المحاذي لنافذة الطائرة,تسمع اصوات متعددة من لغات مختلفة,في الوقت الذي تناجي فيه ربها سبحانك (ياربي الاوحد مالي سواك أحد).
يربط الركاب الأحزمة وتقلع الطائرة الى العنان تجتاز الضباب والسحاب , وتترك كل مافوق الأرض, من أصدقاء وأبناء, وذكريات وتوصيات, تودع القلب هناك فيظل يخفق هلعاً على كل الأشياء.
فترة من النسيان تعتمر الذاكرة , يغلب فيها فرحها وتوقها لرؤية من فارقتهم أعوام,تلك الفترة تسنح لها كي تنسى ودائعها في البلد الغريب.
تعيش بلحظات اللقاء وسط أناسها الحقيقين,وفجأة وبلا إستئذان,يعود بها الحنين الى من فارقتهم مرغمة على الرحيل.
نعم فالشوق إرغام للعقل والروح, كي يعيد الحياة الى شرايين القلب,وإلا مالفائدة من ذا القلب حين يغفو سنيناً ويصحو سنيناً أخريات وهو من غير وسادة تحمل نكهة الاوطان.
بدأ ارتفاع الطائرة يزداد , ها إنها تقترب من أعالي السماء, رباه يارباه....كيف همُ الآن, وكيف بات حجمهم؟ هل كبروا, أم اراهم صغروا؟
أو..ه ماهذا الهراء, لم افارقهم سوى سويعات, نعم ولكن في تلك السويعات,كل الاشياء الكبيرة صارت تصغر وتصغر فالعمارات الشاهقة باتت تشبه في شكلها وكبرها لعب الاطفال الصغيرة, كما أن الاشياء التي كانت تبدو صغيرة ها هي الان تكبر وتكبر, وكأنها ضرباً, من الخيال..
الناس البسطاء والذين لم يتحملوا عناء السفر ويستقلوا الطائرات يحسدون من عاقبهم الله بألا يلتقوا بالاهل الا بمشقة السفر والصعود والهبوط في المطارات, وتفتيش الحقائب وفحص الابهامات, والتدقيق في البصر,,,,
ياتُرى من الساذج من كلا الطرفين؟
تكاد لن , تصدق انها قد فارقت بيتها الانيق في كل أثاثه,صارت أمطار مآقيها تجري وتفور , كيف يستطيع الخائنون أن يسلبوا حلو الخصال؟
مَنْ, إستباح لهم كي يستبيحوا كل مقدساتك, من صدق ونقاء ووفاء؟
أوآه....ياخنجر الغدر كم أنت عتيد؟ عتيد حين ترغم أنَّات الأمهات على الرحيل, والتراجع في منتصف الطريق.
الوقت هنا بات مرعباً, الليل مخيف في الفضاء ووسط الغيوم, تشعر بقربك من الله اكثر واكثر انه شعور بالرهبة والقوة والهدوء, مشاعر مستفيضة ومتناقضة تمتزج في تلك اللحظات,تبدو وكأنها لأول مرة تستقل طائرة.
القلق الذي يصرُّ كي يلازمها يتربصها بكل عنف,لاتدري هل ستصل سالمة؟ أم ان القدر سيختطفها بحجة سقوط الطائرة مثلاً,بسبب عطل فني, أو حوادث طقس قاسية؟
وعندها سوف لن يعذرها ابناءها,فهي التي قررت السفر , بل ,سيعذروها بالتاكيد لأن حد الكآبة لديها وصل حداً لايطاق فهي تجلس ساعات وساعات تبكي وتبكي دون أن تهتدي لطريقة ما, اعتزلت العالم ليالياً ولكن لم يكن يغير في امرها شيئاً. .
مرت ايام وهي تسير بلاهوادة , لاتعرف اين توصلها قدماها, حاولت مراراً ان تتخلص من حياتها في لحظات ضعف انتابتها كثيراً, في مرة ما حاولت ان تقذف نفسها الخاوية في وسط نهر كان قريباً من مسكنها لكن صورة الابناء دائما ماتكون حاضرة أمامها لتردعها وتمنعها بقوة قائلة لها, كيف ستستمر حياة فلذاتك ؟هل ستبقى قلوبهم نابضة بالحب والحياة وهم يرون قدوتهم تنتهي بتلك النهاية المؤلمة فسرعان مايكون الجواب ان استمري بالحياة من اجل الآخرين الذين وهبتيهم الحياة بعد الله ولاتكوني مفرطة بانانيتكِ , كنتِ معطاءا ابداً حتى مع الذين أساءوا اليكِ , فكوني وفية مع من هم اوفياء معكِ .