الديمقراطية والمواطن ..حسن علي خلف- الناصرية
Sun, 17 Jun 2012 الساعة : 11:05

كما هو شائع ان المواطنة في ابسط توصيفاتها هي الولاء للوطن بل والانتماء له والتضحية في سبيله ... وهي سمة لا تمنحها الحكومة ولا يحق لاي حزب فئوي او طائفي او اثني ان يطلقها على احد . بل يبرهن عليها الفرد ذاته اخلاقيا كتعبير عن الانتماء ... وان هذه المواطنة لا تاتي اكلها في الزمن الحديث على الاقل الا في ضل الديمقراطية ... باعتبار ان الديمقراطية تقوم على اساس الاعتراف بالانسان حقوقه ... حرياته .. بصرف النظر عن انتماءاته الاثنية او الدينية .. وايضا تبنى على اساس حق المواطن بالتعبير والمشاركة في صنع القرار ... وهذا الاساس هو ذاته من مقومات المواطنة الفعالة والصالحة في ضل الانتماء للوطن فظلا عن اعتقاد البعض ( وانا منهم ) بان فكرة المواطنة لا تنمو بدون الديمقراطية في الزمن الراهن ... بمعنى انها تولد في رحم الثقافة الديمقراطية وتعترف بان المواطن هو مصدر السلطات السياسية جميعها . وعليه فلا معنى لوجود حقوق قانونية وسياسية الا بتوافر الحد الادنى من ضمانات ممارسة الديمقراطية على ارض الواقع . وكمثال على ذلك ينبغي ان يكون هنالك تقاربا نسبيا في الدخل والثروة والمكانة الاجتماعية وتوفير فرص العمل والتعليم والرعاية الاجتماعية بشكل متكافئ . وهذه من شأنها تجعل من الديمقراطية عملية مشاركة ممكنة وفعالة وليست مجرد استحواذ واقصاء من فرد او قلة من الناس على حساب قيم العدالة والانصاف والمساواة .. وتبعا لذلك فان تنظيم الحريات هو ايضا مقترن بالديمقراطية بشكل يضمن تبادل الاعتراف بحريات البعض مع البعض الاخر ويجعل منها بناءة كونها تصب في مصلحة المجموع . وكون الديمقراطية نظام يفسح المجال للامكانيات كلها امام كل شخص وتخوله الوسائل الناجحة لكي يحيى .. وعندما نتمسك بمثلنا العليا ليس بمعنى الغاء الحرية الفردية بل منحها بعدا اجتماعيا ... وكما ان الديمقراطية لا تلغي الصراع والتنافس بين الذوات الفردية بل تضفي عليها الصفة العقلانية والاخلاقية التي تجعلها تصب في مصلحة المجموع . وفي ضوء هذا الفهم فان اي مجتمع يسعى الى تحول ديمقراطي يصبح امام تهديد خطير .. وهذا التهديد ناجم عن الولاء الى الانتماءات الضيقة اكثر من انتمائهم الى الوطن . انتماءات تجبر عناصرها الاتقضاض على السلطة باستخدام العنف والتهديد بالقوة .. وهذا يفوت العديد من الفرص على المجتمع الذي يهدف الى تجانس اجتماعي باتجاه بناء وحدة وطنية ، حيث ينبغي ايضا ان الفرد لا يصوت بوصفه منتميا الى اثنية او طائفة او عشيرة بل فقط بوصفه مواطنا ... لان الديمقراطية تسعى الى تحرير الفرد من اسر الانتماء الفئوي بوصفها نظاما سياسيا ذو قيم اجتماعية واخلاقية وسلوكية تتمثل في التسامح والحوار وقبول المختلف والتعاون والتضامن الاجتماعي والمشاركة السياسية اي بمعنى الاندماج ضمن رقعة الوطن لتشكيل امة . وهنالك تهديد اخر للتجانس الاجتماعي واللحمة الوطنية ينبع ايضا من الولاءات المزدوجة التي غالبا ما يكون ناتجها حدوث الصراعات وتغذيتها من اطراف خارجية .. ومن ثم تهديد الوحدة الوطنية . ومن المفيد هنا ان نذكر ان التغيير الاجتماعي هو بعكس التغيير الاقتصادي والسياسي كون الاول يحتاج الى وقت ليس بالقصير .. لارتباطه بقيم وعادات وتقاليد مر عليها زمن طويل ، اعتاد عليها المواطن فصارت عرفا يحكم حياته . وهذا ما يجعل ان القيم التقليدية والبدائية القبلية والعشيرة سائدة ويجعل القيم المدنية ضعيفة ومن ثم تاثيرها القليل في عدم تبلور مفهوم المواطن والمواطنة مما يهدد عملية التحول الديمقراطي ، لان المواطنة في علاقة توأمة مع الديمقراطية ، وهي اساس الفاعلية الاجتماعية التي تفضي الى الابداع والانتاج والمشاركة في بناء التكامل الوطني .. ومعلوم انه لا يمكن ملاحظة اي فعل للمواطنة في ضل الدكتاتورية ، وانما الفرد يشعر بغربته وهو في وطنه ، ومثال ذلك النظام السياسي السابق الذي اختزل المجتمع العراقي بشخص رئيس الدولة ، مما انتج قرارات مهلكة جابهها المواطن بردود افعال مضادة من خلال انصرافه الى الانتماء للعناوين الجزئية قبيلة عشيرة مذهب بدلا من الانتماء والاحتماء الكلي بالدولة ... والان وبعد التغيير نجد ان الولاءات القديمة قبيلة عشيرة مذهب ... لم تزل تنمو وتكبر يوما بعد اخر ! بل ان هنالك كتلا واحزابا وتيارات اختزلت مفاهيمها بشخص واحد ، وهذا ما كنا نعيبه على النظام السابق ، وندعوا ان يكون الولاء للوطن . ولكن الذي يحدث الان هو كأنما شبه امتداد للنظام السابق . وحتى وان كانت هنالك ممارسات ديمقراطية مثل الانتخابات وسواها، والتي عادة ما تدعو الناس الانتماء الى الوطن وترسيخ المواطنة والاندماج ضمن الامة ، ولكن الذي يحدث هو الانتماء للفئة او الحزب او العشيرة او المذهب دون العراق .. وتصبح كلمة مواطنة او مواطن عائمة والديمقراطية مجرد واقع نهادنه لحين تمكننا من القضاء عليه . وهذا هو السائد الان والذي يعد المدعاة الاولى للتناقض في حين الحل يكمن في الاندماج الوطني او التجانس الاجتماعي وانصهار الجماعات اجتماعيا او ثقافيا بحيث تتوحد الهوية الخاصة والهوية العامة في هوية واحدة اسمها العراق ليسهل بذلك الوصول الى نوع من الاجماع حول القضايا الاساسية المتعلقة بمصير الوطن وعلاقته بالعالم الخارجي ونعمل مجتمعين على التاسيس لبناء مؤسسات سياسية ونغلبها على المؤسسات التقليدية كون الفرد العراقي لم يزل واقعا على التاثير التقليدية الدينية والزعامة القبلية ... ومبهور بالرمز وكل هذه الحالات هي عوامل تعويق في طريق تاسيس قيم وثقافة ديمقراطية ... اذن من يحق له في الوقت الراهن ان يطلق على الفرد العراقي كلمة وطني ..؟ سيما ونحن ما ان تخلصنا من دكتاتورية واحدة حتى برزت على الساحة دكتاتوريات متعددة . من السهولة عدهها وتشخيصها جاعلة من ذواتها رموزا ، وتصدر اوامر قسرية الى منتسبيها وعليهم ان يسمعوا ويطيعوا وفق مبدأ نفذ ولا تناقش . اليس هذا الذي يحصل ؟