الاصلاح القانوني وآلية البناء الديمقراطي-القاضي ناصر عمران الموسوي
Thu, 14 Jun 2012 الساعة : 10:26

بالرغم من ان القانون هو مجموعة القواعد العامة الملزمة والمجردة والتي يخضع لها الجميع وتمتلك سلطة العقاب ،فان القانون في جوهره (ظاهرة اجتماعية ) تخضع لقانون الغاية شأنه شأن كل الظواهر الاجتماعية غايته حفظ المجموع ، مدفوعاً بما تتطلبه حاجة الامة التي يشرع لها ملبيا حاجاتها المختلفة ،الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ،وعلى ضوء ذلك فان القانون وليد ونتاج مرحلة زمنية خاضع كظاهرة اجتماعية للتغيير والتبديل والتعديل ،وإذا علمنا ان ثقافة المجتمعات وسلوكياتها تتغير ضمن مقياس متفق عليه فكرياً كل خمس سنوات ،امكننا معرفة الحاجة الضرورية للتشريع القانوني ،فالتشريع القانوني يحكم وينظم علاقات وسلوك الإفراد داخل مجتمع معين وفي زمن معين ، وتمتلك المنظومة القانونية عصب البناء الذي ترتكز عليه الدولة وهي التي تضع خطوط ادارتها الادارية والقانونية ،فالدستور : وثيقة سياسية قانونية وهو القانون الاسمى والأعلى في الدولة والتي تجد القوانين شرعيتها في مدى انسجامها مع احكامه ،وعند مخالفتها ،ستجد نفسها خارج الشرعية وبالتالي الالزام ، والمنظومة القانونية العراقية ارتبطت بأجندات النظام السياسي وغابت في كثير من المواقف عن شرعيتها وغاياتها العادلة لمصلحة النظام السياسي ،وبعد التغيير الذي شهده العراق وانجاز الاستفتاء الدستوري والانتخابات التي اوجدت نظاما ً برلمانيا ً والذي تمخض عن حكومة منتخبة ، ومن خلال المران الديمقراطي الذي شهده العراق صارت الحاجة ملحة وضرورية لإيجاد ثنائية اصلاحية تتمثل بوجود مايلي:
1_ وجود تشريع قانوني جديد يحكم المستجد على الساحة العراقية مثاله تشريع قانون للأحزاب يحكم وينظم الحياة السياسية في العراق ،وتعديل النظم الانتخابية بعد تجارب مهمة مع تشريعات انتخابية شابها الكثير من القصور في التنظيم والإدارة وصار القانون الانتخابي مطلباً شعبياً وسياسيا إضافة لأهميته في تحقيق العدالة بتولي المناصب العليا في البلاد بصورة سليمة وعادلة ، كما ان هناك قوانين فرضت نفسها ضمن تداعيات التجربة ،فقانون التظاهر السلمي وحرية الرأي وقوانين للصحافة والحصول على المعلومة وممارسة الحريات الشخصية وممارسة العقائد الدينية والحق بالتجمع وجميع ممارسة الحقوق والحريات التي اوجب الدستور تنظيمها بقانون .
2_وجود تشريع قانوني يلغي او يعدل القوانين النافذة بحيث تتلاءم مع المرحلة الجديدة فكل القوانين المنظمة لعلاقات الافراد المدنية منها والجنائية ،هي قوانين ارهقها التعديل كثيرا ً وصارت تعيش ترهلها ،فالقانون الجنائي وهو القانون الذي يتكون من قانون الاجراءات الاصولية الخاصة بالمحاكمات قانون (اصول المحاكمات الجزائية ) النافذ والذي شهد التعديل ايضا ً وقانون العقوبات رقم 111لسنة 1969 الذي يجرم السلوك الاجرامي ويفرض العقوبة عليه (فلا جريمة ولا عقوبة الا بنص ) ، والذي لا يزال نافذا ً رغم مرور اكثر من قرن من الزمان ولنا ان نتصور بان ثمة مواد عقابية تعالج سلوك اجرامي شرعت في الستينات والسبعينات من العقد المنصرم وثمة فترة زمنية تتغير فيها سلوكيات المجتمع وعاداته وتقاليده فثمة جرائم تختفي وأخرى تظهر وتستجد،وان هذا بحد ذاته يشير الى قصور التشريع العقابي عن ضبط السلوك الجرمي والظواهر الاجرامية الجديدة ومحاربتها ووضع المواد العقابية الرادعه لها ،فالقانون محكوم بسقف زماني مناسب ووضعيته ليست متسقه ومتشظية لتحكم المستجد فالجرائم التقنية كالانترنت وأجهزة الاتصالات الحديثة وبذات السياق فان سلوكا اجراميا اصبح في ظل المرحلة الجديدة مباحاً ،او ان مادته العقابية لا تنسجم مع الجريمة شدة وضعفا ًمثل جرائم الارهاب والاتجار بالرقيق او عصابات التسول او جرائم غسيل وتبييض الاموال ، فلما يزل قانون العقوبات مرتهن الى ذكوريته في كثير من المواد القانونية وهو مالا يتلاءم مع مرحلة المساواة وحقوق الانسان والمخاطبة التشريعية والقانونية الموجهة للجميع لا فرق بين المواطنين في الجنس او العرق او اللون او القومية او المذهب وهي احد المبادئ التي اشار لها الدستور العراقي ، وان الكثير من المواد القانونية تصطدم مع مبادئ الدستور ،فالبون شاسع بين دستور صدر في 2005 وقوانين صدرت في فترات زمنية طويلة .
3_وجود القواعد الاجرائية التي تضبط الاجراءات القانونية الخاصة بالتقاضي والتي اثقلتها التعديلات والتي لا تنسجم مع مبادئ العدالة وحقوق الانسان ، وبخاصة تلك المتعلقة بالضمانات الممنوحة للمتهم والذي اعتبرته القوانين والدساتير بريء حتى تثبت ادانته بحكم قضائي سليم .
ولم تكن اجراءات التقاضي في القوانين المدنية بأحسن حال من القوانين الجزائية فقانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 وهو المرجع الرئيس الذي ينظم اجراءات التقاضي المدني ويرجع اليه في حالة خلو قوانين الاجراءات الجزائية من مادة تحكم اجراءات المحاكمة بحاجة الى مراجعة حقيقة وشاملة تعزز مبادئ العدالة وحرية التقاضي وضماناتها في الوصول الى تقرير الحقوق،ناهيك عن ان القوانين المدنية المطبقة حاليا كلها بحاجة الى تشريع جديد .
4_ان القوانين النافذة حاليا ً في كثير من اتجاهاتها ونصوصها تحمل رؤية الانظمة السابقة سياسيا وفكريا واقتصاديا ًفمثلا ً لما يزل قانون ايجار العقار وكثير من القوانين المدنين تحمل مفاهيم الاقتصاد والرؤية الاشتراكية الضيقة في حين ان اتجاهات الدولة ورؤيتها الجديدة في الاقتصاد تستند الى اقتصاد السوق ونظام (الخصخصة ) ،وقوانين الاستثمار في حالة اصلاح تشريعي مستمر لتكون منسجمة مع المرحلة الجديدة .
ان الاصلاح القانوني ليس فرضية اوجدتها الحاجة المستجدة للتغيير فحسب وإنما هي الية ديمقراطية مكملة للآليات الاخرى في بناء الدولة المدنية وتشريع مثل هكذا قوانين تحتاج الى حاضنة مهمة برلمانية تشرع القوانين بعيدا ً عن اجندات المصالح السياسية والتنافس السياسي وأجهزة تنفيذية تجعل من هذه القوانين عقائد مهنية تسعى لتعزيز الايمان بأهدافها وغاياتها ضمن خط العدالة وسيادة القانون وعلويته وخضوع الجميع لإحكامه .
وعلى الصعيد القضائي فان اقرار قانون المحكمة الاتحادية وقانون السلطة القضائية المعروض امام مجلس النواب العراقي له اهمية كبيرة في تحقيق ودعم الاستقلال القضائي ،كما ان وجود قانون يفعل دور الادعاء العام بما ينسجم مع اهداف الادعاء العام له اهمية كبيرة في دعم الدور الرقابي وحماية المال العام ومبدأ المشروعية ومحاربة الفساد الاداري والمالي ،وإيجاد الية استراتيجية للعمل القضائي تكون ضامن مهم وحقيقي في بناء الدولة العصرية الحديثة دولة المؤسسات الدستورية والقانونية .
ان الاصلاحات القانونية سواء اكانت عن طريق التشريع تبديلا ً او تعديلاً او الغاء ًتحتاج الى منظومة ثقافية وبيئة تربوية وتعليمية هادفة وإعلام حر يحقق جدوى وهدف وغاية الاصلاح القانوني المتمثل ببناء الانسان الجديد والدولة المؤمنة بحقوق الانسان وحريته والمستندة الى مؤسسات دستورية وقانونية .