العراق.....ارض الدم والفساد-فوزي حكاك-النرويج
Mon, 11 Jun 2012 الساعة : 9:51
عندما اكتشف الاشوريون الحديد لاول مرة في التاريخ في مناطقهم شمال ما بين النهرين او العراق اليوم, فقد صنعوا منه اسلحتهم المختلفة, ولم يقف امام سلاحهم الحديدي أي سلاح كان مصنوعا من أي معدن آخر.
السلاح الحديد وقتها كان اشبه بقنبلة ذرية في وقتنا الحاضر, فقد كان بكل سهولة يكسر اسلحة العدو المصنوعة من معادن اخرى, ويخترق دروعهم بسهولة, ولم يكن أي سلاح يكسر السلاح الحديدي الاشوري ولا اخترق دروعهم الحديدية, ولذلك اجتاح الاشوريون كل المنطقة بسهولة, ومن شدة الرعب الذي ادخلوه على الاعداء بسلاحهم الجديد, فقد اطلق المؤرخون على الجيوش الاشورية اسم ( الماكنة الاشورية العسكرية).
ولما انتشرت صناعة السيوف وباقي الاسلحة الحديدية في بلاد ما بين النهرين, فقد قام البابليون في النهاية باسقاط الامبراطورية الاشورية بقوة الحديد, واقاموا امبراطوريتهم الاسطورية التي ذكرتها الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم.
ثم انتشرت صناعة الحديد في المنطقة حول ما بين النهرين....
فقام الفرس باسقاط الامبراطورية البابلية .
وهكذا كلما صنع شعب ما اسلحته من الحديد اصبح قوة في المنطقة, او اصبح كالتي نسميها اليوم قوة نووية او قوة عظمى.
اليوم نجد ان السلاح النووي ليس حكرا على اوربا ولا امريكا, ولا على روسيا اوالصين....
فكوريا نووية ايضا.....
الهند نووية......
باكستان نووية ......
واسرائيل نووية.......
لهذا من يملك القوة أو يملك السلاح النووي يأمن شر الجيران والاعداء.
لذلك نجد امريكا دائما اجتاحت دولا لا تنتج الاسلحة النووية مثل فيتنام, افغانستان والعراق ودول متشابة في الضعف القيادي والتخلف الصناعي والعسكري, في حين لا تتجرأ امريكا على التحرش بدول نووية ولو كانت صغيرة او فقيرة.
لهذا السبب نفهم اليوم بان الغرب لا يقبل بأية صورة امتلاك ايران لسلاح نووي.
في الواقع كان التسليح والقوة العسكرية منذ القدم اساس الاستقلال وبناء الدولة, ومن لا يملك سابقا وحاليا التسليح المتطور الكافي الذاتي للدفاع عن نفسه, خصوصا الدول التي مواقعها استراتيجية في العالم مثل العراق وايران وباقي دول الشرق الاوسط, التي هي بمثابة مفاتيح العالم, التي من امتلكها او سيطر عليها سيطر على العالم, فستكون هذه الدولة عرضة للاعتداء عليها واحتلالها من قبل القوى العظمى في زمانها.
وللعراق خصوصيته التي انفرد بها, فقد كان منذ القدم ولايزال هو ارض القتل والمقتول والدماء, وهو بوابة العالم المهمة والرئيسية نحو الشرق والغرب, لذلك فقد اجتاحته القوى العظمى دون استثاء على مر التاريخ القديم والحديث.
فبعد سقوط نينوى وقيام بابل على ارض ما بين النهرين, فقد قام الفرس باجتياح المنطقة, وازالوا حتى بابل من الوجود كمدينة, فالتعامل سابقا بين القوى العظمى كان وثنيا لا اخلاق فيه ولا حتى قيًم.
يعني من الشرق غزت الامبراطورية الفارسية العراق....
من الغرب او الشمال الغربي غزى الاسكندر العراق, واجتاح المنطقة برمتها, واسقط الامبراطورية الفارسية العملاقة.
بعد فتوحاته في اسيا, فقد عاد الاسكندر الى العراق وموته المفاجئ في مدينة بابل, فقد عادت الامبراطورية الفارسية لتنهض ثانية, وعادت ودخلت العراق من الشرق, وسيطرت على المنطقة مجددا.
من الغرب او الشمال الغربي غزى الرومان العراق , ولم يتوغلوا كثيرا في الداخل ولم يتصادموا مع الفرس الا في معارك غير مصيرية , ولكن الرومان كانوا قد دخلوا العراق فعلا وهم قوة عظمى في وقتهم منافسة للفرس, وسيطروا على كل اوربا وحوض البحر الابيض المتوسط.
من الجنوب دخل المسلمون العراق, واسقطوا الامبراطورية الفارسية الوثنية, لتصبح بلاد فارس مسلمة.
مجددا دخل العراق قوة عظمى من الشرق, وهم المغول.
من الشمال دخل الاتراك العثمانيون العراق , ليحكموه لقرون عديدة.
من الجنوب في اول القرن الماضي دخل الانكليز العراق.
حتى تكتمل الصورة لاهمية العراق الاستراتيجية, فان الامريكان وبكل انواع اسلحتهم عدا النووية دخلوه تقريبا من كل الجهات حتى من الجو, عدا شرق العراق حيث الجمهورية الاسلامية في ايران.
فهل هنالك جهة من جهات العراق لم تدخله القوى العظمى على مر التاريخ ؟!
وهل هنالك دولة اهتمت بها القوى العظمى كما اهتمت بالعراق؟!
صحيح ان باقي دول الشرق الاوسط خصوصا ايران لم تدخلها القوى العظمى كلها, فلا الامبراطوية العثمانية فكرت في اجتياح ايران , ولا حتى بريطانيا ولا امريكا احتلتا ايران بمعنى الاحتلال والاجتياح العسكري التقليدي, وبذلك فان ايران وبقية دول الشرق الاوسط لم يصبها ما أصاب العراق من تدمير على مر التاريخ.
نتيجة طبيعة لاحتلال أي بلد كان ولفترات طويلة تمتد لقرون او حتى لمجرد عقود من الزمن القاسي, فان الشعب المُحتل, مثل الشعب العراقي بالذات يصبح خانعا غير قادر على النهوض ببلده, يصبح متكاسلا ,اتكاليا, ومتخاذلا في اتخاذ أي قرار يمس المحافظة على سيادته, وحتى لا يقدر على ترتيب حياته الوطنية بما يضمن له حياة كريمة رغم كل ثرواته الطبيعية, ولم يعد ينجب من الابطال الا القليل, واذا تشكلت فيه احزاب سياسية فهي احزاب تخاذل وفساد, وكما يقول المثل - كل اناء بالذي فيه ينضح -
بعكس الشعب العراقي والشعوب العربية قاطبة, نجد في دول اخرى لم تخضع للاحتلال لفترات طويلة ولا عرفت الاهانة المستمرة, وهذه تسمى شعوب حرة.
فالشعوب الاوربية وان خضت لاحتلال بعضها البعض , ولكن فترات قصيرة, وبعد الثورة الامريكية ضد الانكليز لم تحتل امريكا اية قوة اجنبية.
نتيجة لما حدث للعراق نلاحظ بوضوح عدم قيام الشعب العراقي بثورات مدوية شعبية واسعة النطاق ضد الحكومات الظالمة القديمة والحديثة ويذكرها التاريخ العالمي, وما ثورة الامام الحسين وذرية علي بن طالب الا انهم أولياء الله ولم يكونو ا من العراق اصلا.
اما ما حدث سابقا في العراق من ثورات كانت بالحقيقة مجرد انتفاضات غير ناجحة بسب خلوها من القيادات والكادر الثوري, فانتهت بسرعة مثل ثورة العشرين والانتفاضة المباركة بعد احتلال الكويت.
ولا يأتينا واحد ويقول ن العراقيين اسقطوا الدولة الاموية واقاموا قوة عظمى وقتها وهي الدولة العباسية...فهذا افتراء وكذب وتزوير لتاريخ العراق.
فسقوط الدولة الاموية لم يكن بواسطة جيوش عراقية عربية ولا بواسطة شعية العراق, ففي ذلك الوقت لم يكن مفهوم التشيع معروفا على نطاق واسع كاليوم, بل تم اسقاط الدولة الاموية على ايدي قوات فارسية بقيادة ابو مسلم الخراساني, على الرغم من ان القيادة كانت عربية من العباسيين, ولا احد ينكر بان مع القوات الفارسية كان البعض من العرب مثل عشيرة بني تيمم والبعض من خزاعة, ممن رفضوا مبايعة معاوية بعد استشهاد امير المؤمنين علي بي ابي طالب سلام الله عليه, والذين فضلوا على ان ينفيهم معاوية الى خراسان التي كانت في ذلك الوقت تعتبر اقصى الارض.
كذلك كان العراقيون وعلى الرغم من كل احزاب المعارضة السابقة لم يقدروا على تحرير مدينة واحدة من صدام, ولا هم استطاعوا القيام بانتفاضة او ثورة بمعناها الحقيقي!
فنحن نعلم بان امريكا هي من جاءت بحزب البعث وساهمت في قتل الزعيم عبد الكريم, وامريكا هي التي دفعت صدام لغزو ايران والكويت, ومع هذا نجد كل احزابنا برمتها القديمة والجديدة, ومهما كانت شعارتها او توجهاتها علمانية أو دينية خضعت للامريكان مقابل مناصب ومنازل ومراكز سياسية, فانقلبت احزابنا بقدرة شيطانية من ثورية سابقة الى مجردعصابات نهب وسلب بحصانة دستورية.
وكثير من رموز احزاب العراق بعد سقوط صدام, كانت تهرع الى السعودية تأكل من فتات ما يتساقط من موائد الوهابية كما تأكل الكلاب من ما يرميه اسيادها اليها من العظام, طلبا للدعم السياسي والمادي.
وفي الوقت الذي يسير الفقراء على اقدامهم لأيام في زيارة الاربعين والذهاب الى كربلاء في كل عام, نجد قادة الكتل السياسية بمناسبة وبدون مناسبة يزورن البيت الابيض لحل الخلافات بين الكتل السياسية, والمنصبة اساسا على كيفية تقسيم الغنائم بين لصوص الاحزاب الفاسدة. فالحسين إمام الثوار الشرفاء, والبيت الابيض كعبة اهل الفساد من السياسيين العرب .
ومنذ القدم نقرأ ونسمع بكلمة (الشرف ) وهي عادة للثوار فقط, ولذلك لا تسمع لمعاوية او بني امية أي شرف, ولا تجد من يمدحهم او يزور قبورهم, بينما الشرف كل الشرف تجده لاهل بيت النبي ومن تبعهم وهم على مدى قرون ثوار يعيشون غرباء خارج بلدانهم.
ولهذا اليوم لا نجد في الدول العربية شرف للحكام العرب..... ومن ضمنهم حكام العراق .
لذلك فليس بغريب بعد وصول احزابنا الى قمة الحكم نجدهم وقد انقلبوا على اعقابهم, ولم يعد لهم شعار شريف يعملون لتحقيقه, أو بقيت الشعارات مجرد شعارت ظاهرها شريف وباطنها فاسد. اصبح شرف احزابنا هو الفساد والسرقة. اصبح شعار احزابنا الحاكمة اليوم هو( من لا يرتشي لا شرف له, ومن لا يسرق فلا ضمير له)
ولهذا نجد دوائر الدول العراقية يعشش فيها الفساد بكل اشاكاله.
فاذا كان الموظف في دوائر الدولة فاسدا......
فلأن مديره ورئيسه المباشر فاسدا.....
لأن مديره العام فاسدا......
لأن وكيل الوزارة فاسدا......
لأن الوزير فاسدا......
لأن حزب الوزير حزب فساد ونهب وتزوير...
ولأن رئيس الحزب نفسه هو قمة الفساد.
وهل تعرف كيف تكتشف السياسي العراقي الفاسد والناهب للمال العام بمختلف الطرق؟
انه اذا تكلم امام الفضائيات لا يتوقف عن الثرثرة....
واذا تحدث كذب.....
يلف ويدور في الحديث السخيف, ولا تفهم منه شيئا... انه اسلوب احزاب علنا خانت شعبها المظلوم فظلمته اكثر. إنها احزاب لا شرف لها, ولا ذمة ولا ضمير, انها احزاب حمام نسوان صفتها الثرثرة بمناسبة او دون مناسبة.
ولو راقبت اليوم القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية العراقية على النت, لوجدتها مجرد فوضى وثرثرة, وقال هذا وقال ذلك, وصرح هذا وصرحت تلك, ولوجدت لكل حزب او وزارة ناطق باسمه,ا وكأنه بلبل صداح يجد لجماعته الاعذار ويدافع عنها مستميتا, ومرة يكون ذلك البلبل مجرد معمم ملتحي, ومره متانقا , ومرة امرأة ثرثارة.
فما هو الحل؟
الحل يجب ان يكون ثوريا ,لان الثورة تعني اجتثاث النظام بكل رموزه وفساده واحلال نظام شريف ونزيه, والثورة بدايتها تكون بقيام الشرفاء بالتجمع في تنظيمات سرية او علنية, ويحلمون السلاح سرا وعلنا كتحدي لاحزاب الفساد الخالية من الضمير والشرف, وكتحدي لدستوراسفنجي المعاني والفقرات, رائحته تزكم الانوف, تم كتابته بذلك الاسلوب الملتوي لخدمة احزاب الفساد.
إسقاط احزابنا كلها واجتثاثها مع اجتثاث البعث من جذورها واجب الشرفاء و الثوار.
العراق اليوم بحاجة الى ثوار... الى اشخاص مثل علي بن ابي طالب والحسين.... بحاجة الى جيفارا....
والا فما معني زيارة الملايين لسيد الشهداء في الاربعين من شهر صفر؟
أليست هي احياء لشخصية الثائر التاريخي العظيم الامام الحسين صلوات الله عليه والسير على منهجه في الاستقامة والتضحية؟
وإذ لم تكن ثورة مسلحة فعلى الاقل التظاهر ضد احزاب الفساد باستمرار, حتى تطرد هذه المظاهرات المستمرة كل الفساد وترمي مزبلته بكل احزابه من العراق, وسيهربون مع عوائلهم الى امريكا او كندا او الى حيث القت رحلها مع ما سرقوه...
لان عملية التنظيف تعني رمي الزبالة خارج المنزل...الذي هو العراق.
ومن هنا فأية حكومة شريفة جديدة عليها القاء القبض على السياسيين المعاصرين الفاسدين الهاربين والذين سيهربون بلا شلك, واحضارهم بواسطةالانتربول, واعادتهم الى العراق لمحاكمتهم, كما طارد الاسرائيليون النازيين واختطفوهم من صقاع الارض واحضروهم الى تل ابيب لمحاكمتهم ومعاقبتهم.
يجب محاكمة احزاب الفساد العراقية المعاصرة بكل رؤوسهم في محكمة علنية مفتوحة أمام الشعب العراقي, كمحكمة المهداوي ايام فترة الزعيم عبد الكريم. يجب ان ان تكون المحكمة كاشفة لكل صغيرة وكبيرة للفساد وكيف صار وانتشر بن احزاب تدعي الشرف وانقلبت عليه علنا وبدون خجل.
وليس مثل محاكمة صدام الصورية التي اخفت كل المعلومات عن طاغية العراق, فحكومات المحاصصة الفاسدة اخفت كل تاريخ صدام الاجرامي, واخفت كيف كان صدام احد جنود وكالة المخابرات المركزية الامريكية , وكيف استخدمته في المحاولة الفاشلة لاغتيال الزعيم عبد الكريم, وكيف كانت علاقاته مع جمال عبد الناصر وامريكا واسرائيل ومن سانده سرا.
وما هي الاجتماعات السرية التي اوصلته الى قيادة حزب البعث؟
محاكمة صدام الصورية المهزلة اخفت كل التاريخ الدموي لحزب البعث, ولحكام العرب الذين ساندوا المجرم صدام.
هذه المحاكمة اخفت صفحات دموية من تاريخ العراق الحديث, وذلك حسب الرغبة الامريكية التي نفذتها احزاب العراق الفاسدة تكريما للامريكان, واذلالا لشهداء المقابر الجماعية التي تناسى حتى اهل الشهداء ما اصاب فلذات اكبادهم, وذلك بالاعدام السريع لصدام واخفاء تاريخه الدموي.
بدون ثورة شريفة مسلحة , فلن نعرف الحقائق المستورة, ولن تقوم للعراق قائمة مهما طال الوقت, ومهما كتبت الاقلام الشريفة تكتب وتنادي...
هنا اقول, يجب على الشرفاء رفع المشانق عاليا, والا فبدون رفع اعواد المشانق عاليا وعلنا وامام الناس, فلن يستقيم العراق ولن يعيش العراقي كسائر البشر الا بمعاقبة المجرمين والفاسدين.
وهل سمعتم بدولة قامت بمجرد الصلاة والدعاء, والاماني والمقالات الصحفية والاغاني والشعر الشعبي والهوسات؟ ام سمعتم بدولة قامت بالاكاذيب والكلاوات؟
الدول القوية تقوم بالمال والدم وبالتضحية, وليس بالثرثرة امام الفضائيات!
العراق اليوم بحاجة الى زلزال ثوري يعيد الامور الى نصابها, العراق بحاجة الى اجيال تتربى في احضان نساء شريفات اذا تزوجن من الفئران ينجبن الاسود.
فالعراق هو ارض الدم والفساد, فهل يمكن للاشراف فيه جعله ارض السلام والتقدم والشرف ؟
(وكيف تبني دولة والشعب منهار......... والاحزاب تسرق ليل ونهار)
ـــــــــــــــــــــــ
فوزي حكاك
النرويج
10 حزيران 2012