أزمة حكومة أم أزمة دولة ؟؟- صالح الزيدي
Thu, 7 Jun 2012 الساعة : 15:21

الدولة العراقية اليوم في ظل المتغيرات الديمقراطية وبزوال المفاهيم التعسفية التي أفرزت ديمغرافية سياسية متصارعة بين المكونات الاجتماعية حيث أمعن النظام السابق في اضطهاد الكورد والشيعة خصوصا وسحق كل طموحاتهم المشروعة في نيل الحرية والكرامة بل وسلب حقهم بالحياة وخصوصياتهم تعسفا بوضع الجميع تحت الرقابة والتجسس ألمخابراتي والأمني ولم يترك لهم أي خيار سوى الولاء للحزب المطلق والإخلاص للقائد الضرورة وكبت بل وإلغاء كل ما يمت للقومية أو الدين أو المذهب بصلة , وحشد الناس وعسكرتهم لأجل طموحات وأحلام القائد الملهم , فكان الشعور بالظلم رفيقا سرمديا لهم ، وما إن انهار نظام البعث حتى اندفع المظلومين لحماية مستقبلهم وضمان عدم تكرار المأساة ، واليوم تعصف بالبلاد الفتن والخلافات ودفعها البلاد إلى المجهول دفعا حثيثا بسبب انعدام الثقة بين المكونات من جانب وسعي الكتل التي تمثلها إلى المكاسب الشخصية باسم المكونات باستغلال المطالب استغلالا ضيقا وبعيدا عن المصلحة العليا للبلد من جانب آخر, ما أدى إلى تفاقم الوضع بتماحك المكونات فيما بينها فوصل في بعض مظاهره إلى الاقتتال وإسالة الدم المقدس بين الإخوة ، فهل إن ما يصلح الأمور ويعيدها إلى مجاريها هي عودة الدكتاتورية البغيضة ؟؟جريا مع مقولة ( لا يصلح الأمر إلا بما فسد به أوله ) !!!
أو إن قبضة المالكي الحديدية في الحفاظ على اللحمة الوطنية يندرج ضمن الحلول الناجعة ؟؟ ألا يبدو إن ما يصلح البلد في هذه المرحلة الحاسمة هو ذلك الخيار المر , مع الحفاظ على الخصوصية واحترامها ، وان يدرك الجميع أنهم ملك العراق ولخدمة شعبه بلا تمييز قومي أو مذهبي على حساب الوطن ووحدة شعبه ، وضرورة أن يكون الولاء للوطن فقط , ولو إن حكم البعث وصدام (الفاشستي) المحسوب على المكون السني ( باتكاءه على السنة في قمع الشيعة ) رسخ مفهوم الوطن والمواطنة في المرحلة الدكتاتورية المستبدة بدلا من اختزال العراق بشخص صدام وحزبه البغيض لما وصلنا اليوم إلى هذه المرحلة الحرجة ، فما لدينا اليوم هو انعكاس لمعطيات المرحلة الماضية بكل ظلاماتها ، لأن الجميع يبحث عن التعويض لما أخذ منه في السابق .
ولرب سائل منا يسأل : هل المالكي أو الحكومة الحالية طرفا وسببا بهذه القضية ؟ وهل إن الدكتاتورية التي يمارسها المالكي حسب ما يتهمه خصومه أمرا سلبيا أم ايجابيا في هذا المضمار ؟؟ الا يعتبر سلب الإرادات القومية والطائفية الناشزة اليوم هو ترسيخ للمواطنة على حساب الخصوصية السلبية الضارة ؟؟ أم ان ما يمارسه الرجل هو تكريس للدكتاتورية وترسيخا لها ؟؟ وبطبيعة الحال فان الأمر الأخير مدفوع بوجود الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة .
ربما يسعى خصوم المالكي إلى عدم إطالة بقائه في السلطة لوقت أطول لضمان عدم نجاحه لأسباب انتخابية بحته . فان أعطى لكل فئة ما تطالب به على حساب وحدة البلد هل سيعيد ذلك المياه إلى مجاريها بين الفرقاء ؟؟ وعندما يغض الطرف عما يجري في إقليم كردستان وينحل كركوك والمناطق المتنازع عليها نحلة خالصة للأخوة الكورد ويسمح بإقامة إقليما سنيا للمطالبين به من القائمة العراقية هل سيصبح رئيسا عادلا ومنصفا ورجل المرحلة!!؟؟ لاسيما إن القائمة العراقية لازالت مأسورة بقيود لاتنفك منها خلقت مساحات بينها وبين جماهيرها شيئا فشيئا كمواضيع حزب البعث وما يتعلق بالبعثيين وانشدادها بالخارج والهوس الملازم لها في تعطيل العملية السياسية والسعي الدءوب إلى إسقاط الحكومة بخلق المبررات على طول الدرب !! .
وبطبيعة الحال إن من يطالب أبيه بمكاسب على حساب إخوته الآخرين عبر الالتفاف على القيم والقوانين والحقوق بعيدا عن العدالة سيدفع الإخوة الآخرين لسلوك الطريق نفسه ووضع الوالد -العراق طبعا- في موقف لا يحسد عليه بتوزيع أعضاء جسده وتقطيع أوصاله بل ومحقه من الوجود , وهل إن الأزمة سببها المالكي أم رفضه للمطالب المؤدية بالنتيجة إلى بيع العراق في سوق (الخردة) ؟؟!! وعندما نراجع التاريخ بمراجعة قريبة نرى موقف السيد بارزاني (والمتجمعين في القائمة العراقية) في الدورة الانتخابية السابقة من السيد الجعفري هو ذات الموقف من السيد المالكي مع اختلاف الأسباب والمبررات .
فالقضية إذن ليست شخصية على ما يبدو بل اختلاف على مبادئ لايمكن المساومة عليها من قبل جميع من تسنموا منصب الرئيس بما فيهم علاوي .
فالقائمة العراقية اليوم تتلاعب بمشاعر الكورد للاستفادة منهم مرحليا للاستقواء بمعركتهم الضروس ضد المالكي وكتلته مع وجود الخلافات الجوهرية بين الطرفين اقلها معضلة المناطق المتنازع عليها ، وسلوك طريق المساومة الرخيصة من قبلها مع الأكراد أمرا سرعان ما ينكشف بعدم جديته واستحالة تنفيذه ، فابن البصرة البعيد عن كركوك لن يرضى على منحها إلى السيد بارزاني الطامح إلى الانفصال عاجلا أم آجلا فضلا عن ابن مدينة كركوك نفسها ؟؟!! وهل ستساوم القائمة العراقية على ذلك وتسقط بفخ الخيانة للقضية العربية التي تتبناها أمام ناخبيها ؟؟ سيما إن جماهيرها في تماس مع كردستان ومن الذين اكتووا بنار التهجير والمضايقات للمكون العربي بواسطة أجهزة (الأسايش والبيشمركة ) ، وإذا داهنت على ذلك فأنها الرصاصة الأخيرة التي ستطلقها على نفسها .
يعلم الجميع إن اللعبة هي لعبة مصالح والكل يريد أن يستفيد من صاحبه بمقدار ما يضمن الضغط اللازم لتحقيق طموحاته وأطماعه ، ولطالما كانت القضية الكردية فرسا سابقا يركب لتحقيق المآرب السياسية من قبل فرقاء العملية السياسية وتترك بعدها أسيرة في قفص المفاهيم والتوازنات الإقليمية الرافضة لوجود كيان كوردي وتحت رحمة الأعراف الدولية التي لا تسمح بالانفصال ولن تسمح به لأسباب يعلمها الجميع.
وان المكونات العراقية تتصارع لأجل الوصول إلى الأهداف المنشودة بشحن وشحذ خارجي يتمظهر بمظاهر تارة قومية وطائفية تارة أخرى وبحسب الحاجة لذلك ، والدليل النشاط الطائفي الأخير من قبل السيد برزاني لكسب دعم الدول الطائفية المجاورة بعدما كان قوميا بحتا ّّ!! .
وان وجود شخص مثل المالكي على رأس السلطة في هذه المرحلة وبقبضته الحديدية يبقى أمرا ضروريا للحفاظ على وحدة البلاد لمريدي الوحدة لكنه سيغضب الأطراف الأخرى بالطبع لئلا يقف حجر عثرة أمام طموحاتها سواء في السلطة أو الامتداد والتوسع - وحتى بعض الأطراف الشيعية منها - خوفا من تسيده وحرمانهم من الوصول إلى مركز السلطة الذي يسيل لعاب الجميع عليه ، والمكون الكوردي الذي يريد التوسع ومن ثم الانفصال لا يمكن له ضمان انسيابية الإجراءات اللازمة لمآربهم إلا برئيس وزراء ينصاع للابتزاز وإلا تحالفوا مع خصوم الحكومة لإضعافها برلمانيا ، والتهديد بسحب الثقة يبقى طبخة جاهزة يلوح بها عند الحاجة ، وان وجود الخلافات بين الكتل والتيارات السياسية يبقى عكاز الكورد لتنفيذ أجنداتهم في التوسع والانفصال .