الحماقة والحلم-وليد المشرفاوي

Thu, 7 Jun 2012 الساعة : 15:18

ودو سفيه يخاطبني بجهل فانف أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا
الحلم من الصفات الكريمة التي يسعى أن يتصف بها المؤمن الرسالي وهو عكس السفاهة وضد الحماقة ..وقد زخر القران الكريم بآيات بينات لترسيخ مفهوم الحلم في شخصية الإنسان المسلم وتأصيله ..
(فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم )
(انك لانت الحليم الرشيد..)
(فبشرناه بغلام حليم ..)
وأول خطوة لبناء الحلم في الذات الإنسانية هي الإصغاء الواعي للأحداث والإحاطة بها من كل جوانبها ثم تقليبها على عدة وجوه والتأني في استخلاص النتائج وإصدار القرارات . ولا يتأتى هذا التأني إلا بترويض العاطفة الفائرة ولجمها ,ساعة تغلي المشاعر ويفور الدم ,ولحظة تنفلت النفس من عقال العقل وحصن الإرادة ...فإذا جاءك شخص يصرخ ويولول وقد فقئت إحدى عينيه وهو يكيل التهم والشتائم إلى غريمه ويتوعده فلا تتعاطف معه إلا بقدر امتصاص غضبه واحتواء ثورته ولا تحكم له أو عليه حتى تسمع إلى إفادة غريمه فلعله قد فقئت كلتا عيناه ..
أما الحماقة فإنها صفة ذميمة تؤدي بصاحبها إلى الانزلاق في مواقف هشة تذبح الرشد وتهتك الكرامة وتضيع الحق وتقطع أواصر الحب والإخوة بين الأصدقاء والأحباب ..وأول مدخل لهذه الصفة المستهجنة هو التشنج والانفعال والغضب غير المبرر,لاسيما بين أصحاب عقيدة واحدة وهدف واحد ..
ولئن صورنا غضب الإمام علي (ع) ((يا أشباه الرجال ولا رجال)) على أهل الكوفة , أو سخط الإمام الحسين (ع) ((اللهم فرقهم طرائق قددا)) على أهل العراق , فان ذاك لم يأتي إلا بعد أن ألقيت كل الحجج وسدت كل منافذ التبرير امام المعاندين والمكابرين ..وعندها يصير الغضب لله , والصرخة لله , والدعوة بالانتقام لله , بل قد يصير القتال والحرب واجبا شرعيا من اجل تثبيت مبادئ الله ..
أما أن يفسر التشنج على انه لله والانفعال لله والغضب لله مبررات هذا وذاك من كونها اختلافات في وجهات نظر أو اصطدام مصالح , أو تدافع أمزجة وأهواء ..فتلك هي الحماقة بعينها , وتلك هي مزالق الشيطان مهما لبست لبوس الشرعية وتزينت بزي القاطعية أو الحدية أو المبدئية وما إلى ذلك من مداخل الذرائع وأبواب التبريرات والتخريجات ..ومن أصر على ذلك فلقد صدق الشاعر حين قال :
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها.
 

 

Share |