مؤتمر أربيل وثقافة المسدس والزيتوني!! -د. عبدالخالق حسين

Thu, 7 Jun 2012 الساعة : 14:52

نشر السيد دانا جلال مقالاً بالعنوان أعلاه، فتصورتُ أول الأمر أن الكاتب يريد تذكير القراء بسياسات البعثيين العبثيين الأشرار، المعروفين بثقافة المسدس وكاتمات الصوت والزيتوني، وزيارات الفجر والاختطاف والقتل والتغييب والمقابر الجماعية...الخ. ولكن بعد قراءتي للمقال تبيَن أنه رد على مقالي الموسوم (مؤتمر التجمع العربي لنصرة الشعب الكردي أم لنصرة حكامه؟ )(1). عتبي على السيد الكاتب، هل كان من الانصاف أن يربط بين مقالي والعنوان المذكور؟ ولذلك استعرتُ منه العنوان عملاً بمقولة (هذه بضاعتكم ردت إليكم).
 يبدو أن للسيد الكاتب اهتمام في علم النفس وخاصة في مبدأ (البافلوفية- نسبة إلى العالم الروسي إيفان بافلوف)، أي ربط الشيء بالشيء لإثارة الأفعال الانعكاسية. فخبراء الدعاية يعرفون هذا المبدأ الفسلجي ويعملون بموجبه، ويسمون العملية بـ (الدعاية عن طريق الربط Advertisement by association)، فمثلاً إذا تريد أن تروِّج لبضاعة معينة تضع صورة تلك البضاعة إلى جانب صورة تثير الغرائز البدائية في الإنسان مثل الجنس، فيضعون عادة صورة فتاة جميلة نصف عارية إلى جانب صورة تلك البضاعة التي لا علاقة لها بالجنس!! وبالعكس، إذا أرادوا الحط من بضاعة ما أو شخصية ما، وضعوا صورة قبيحة مقززة إلى جانبها، أو أبلسة وشيطنة الشخصية بتصويره بصورة إبليس أو الشيطان!! كما عمل حزب المحافظين البريطاني على تشويه صورة توني بلير في انتخابات 1997، حيث نشروا صورته في بوسترات على شكل صورة إبليس بعيون حمراء تقدح الشرر!!.
 
لا شك أن غالبية أبناء شعبنا يكرهون البعث ويحتقرونه لما تسبب لهم من أضرار وآلام وكوارث طيلة 35 سنة من حكمه العبثي الجائر، لذلك استعار السيد الكاتب أدوات وأسماء من البعث المقبور تحمل معاني وصور قبيحة في مخيلة أبناء شعبنا، فوضع عنواناً يذكر بأيام البعث السوداء، وربط هذه الصورة برده على مقالي ليوحي للقارئ بأني من فلول وأيتام البعث، لا لشيء إلا لأني قدمت نقداً بناءً في صالح الجميع، والواقع يؤكد أني أحد ضحايا هذه البعث الساقط، وقد حاربته بنشاطاتي السياسية وبمقالاتي باسمي الصريح منذ الثمانينات من القرن المنصرم.
 
لم يخطر ببالي يوماً أن أدخل في سجال مع كاتب عراقي، كردي أو غير كردي، حول الموقف من القضية الكردية، ولا أريد أحداً أن يزايد عليَّ في هذا المجال، فمقالاتي لنصرة القضية الكردية معروفة ومقروءة ومازالت على أرشيفي في مواقع الانترنت وبالأخص أرشيفي مقالتي على موقع (الحوار المتمدن) الذي يضم نحو 725 مقالاً منذ 2003 ولحد كتابة هذه السطور، وأكثر من مائة مقالة نشرت في صحافة المعارضة قبل هذا التاريخ. وكذلك دافعت عن الكرد في مؤتمرات دولية مثل مؤتمر الدفاع عن حقوق الأقليات في الشرق الأوسط الذي نظمته منظمة أقباط متحدون بقيادة المرحوم الباش مهندس عدلي أبادير يوسف في واشنطن عام 2005، وفي زيوريخ عام 2007، وقد حضر المؤتمر الأخير عدد من الأخوة الأكراد من العراق وتركيا وسوريا. والدفاع عن حقوق الكرد في هذه المؤتمرات أكثر تأثيراً إعلامياً من الدفاع عن حقوقهم في مؤتمر يعقد في أربيل عاصمة كردستان، وبعد أن حقق الشعب الكردي حقوقه المشروعة.
 
كما ولم يخطر ببالي أن مثقفاً مثل السيد دانا جلال، لا يميِّز يبن النقد البناء والعداء، فالنقد ضروري جداً لتصحيح مسار أي عمل إنساني، وبالأخص العمل السياسي لأن (النقد أساس التقدم- ماركس). فمعظم الثورات، والحركات السياسية ابتلت بالانحرافات، وعانت البشرية الكثير من المظالم بسبب ما ارتكبه القادة من أخطاء وجرائم باسم الثورة، والحفاظ على النقاء الأيديولوجي، لأنهم اعتبروا أنفسهم معصومين عن الخطأ، ومن ينتقدهم فهو خائن وعدو لدود للثورة يجب تصفيته. وهكذا انتهت بعض الحركات ببروز طغاة مثل ستالين، وبول بوت، وصدام حسين والقذافي وغيرهم.
 
يبدو أن البعض من الكتاب الكرد وأصدقائهم العرب من هذا القبيل، إذ يعتبرون أي نقد لقيادة حكومة إقليم كردستان كفر وإلحاد، وسرعان ما يوجهون له تهمة الشوفينية الجاهزة، ويضعونه في خانة البعثيين وثقافة المسدس والزيتوني والعلوج!! وكأن حكام إقليم كردستان ملائكة معصومين من الخطأ. بينما الواقع ليس كذلك، إذ تنقل وسائل الإعلام أن مظاهر الظلم والفساد في الإقليم هي الأكثر تفشياً وشيوعاً من أية منطقة أخرى في العراق، وهذا بشهادة نائب كردي وليس من "كتاب نوري المالكي، أو كتاب السلطة، أو وعاظ السلاطين" كما يحلو للبعض تسمية كل من يختلف معهم في الرأي. لذلك أثار مقالي الناقد غيض البعض من منظمي التجمع المذكور.
 
وفيما يخص الفساد في كردستان، أشير إلى العنوان التالي: (مجلة كومينتري: فضائح عائلة برزاني تتحكم بالمستثمرين !!) حيث نشرت المجلة المذكورة تقريراً جاء فيه: (من جانبه قال النائب عن كتلة التغيير الكردستانية لطيف مصطفى أمين، في تصريح خص به وكالة (اور) أن الفساد الاداري والمالي مستشر بصورة سرطانية في كل مفاصل الدولة العراقية وان الاقليم قد يشكل النسبة الأعلى...). وتضيف المجلة: (... وبعد الزيارة المخيبة للآمال الى واشنطن والتي تم فيها اذلاله حينما اخضع وكلاء ادارة النقل حاشيته للتفتيش، فان الرئيس الكردي مسعود برزاني، استنادا الى تقرير في كردستان تربيون قد قام بزيارة الى الامارات العربية المتحدة بعد ان خسر ابنه منصور برزاني ثلاثة ملايين ومائتي الف دولار في كازينو محلي" . وتتساءل المجلة: "من اين حصل ابنه على هذا المبلغ، سواء جاء من الخزينة الحكومية، وإذا كان الامر كذلك، لماذا سافر البرزاني الابن بكل هذا النقد، هو سؤال بدون جواب." (2)
 
كما تعرّض الدكتور عبد المصور سليمان بارزاني، استاذ التاريخ في جامعة السليمانية، الى عملية اختطاف على يد مليشيات تابعة لرئيس إقليم كردستان، تعرض خلالها الى الضرب والإهانة والتجريح، وشتائم ضده وضد السيد جلال طالباني، قبل أن يطلقوا سراحه بعد حين .. وقد غامر الدكتور بكتابة مذكرة وجهها إلى (أعضاء المحكمة الدولية لحقوق الإنسان) نضع رابط الشكوى في هامش المقال، ففيها التفاصيل والمحنة التي تعرض لها الأكاديمي الكردي.(3). وسؤالنا هو، أليس من واجب المؤتمرين في أربيل مساءلة حكومة الإقليم عن هذه التجاوزات الفضة على حقوق الإنسان، عملاً بالحكمة القائلة: (صديقك من صدقك وليس من صدَّقك)؟؟ وهل إذا قدمنا مثل هذه النصيحة نستحق عليها وضعنا في خانة "ثقافة المسدس والزيتوني"؟
 
والآن لأراجع بعض ما ورد في مقال السيد دانا جلال، وتوضيح موقفي منه بإيجاز شديد، وذلك كالتالي:
1-    يعيب الكاتب وكثيرون غيره على المالكي أنه زعيم حزب إسلامي، وأن لا ديمقراطية ترجى من الإسلاميين. هذه المقولة باتت بديهية في رأيهم لا تقبل أي شك ولا حتى السؤال.
 
الحل في هذه الحالة، وكما ذكرت مرارا وتكراراً، هو: تفضلوا يا أخوان واقنعوا غالبية الناخبين من أبناء الشعب بأن ينتخبوا العلمانيين، فإذا نجحتم سأكون أول المصفقين لكم. لكن الحقيقة تؤكد أنه إذا ما تعرض أي شعب إلى الظلم والإذلال على أيدي الحكام الجائرين العلمانيين، وعدم إمكانية القوى المادية على خلاصه، فيتوجه هذا الشعب إلى الدين والقوى الغيبية. والجدير بالذكر أن البعث الصدامي وزع ظلمه على مكونات الشعب حسب انتماءاتهم المذهبية والأثنية، لذا فمن الطبيعي أن تتخندق الجماهير في خندق الدين والطائفة والقومية. لذلك تخندق الكورد في الخندق القومي الكوردي، ووجد الشيعة والسنة ملاذهم في أحزاب الإسلام السياسي، وهكذا. بمعنى أن ما يحصل في العراق الآن من تخندق طائفي وأثني هو رد فعل لسياسة البعث الطائفية والعنصرية

 

Share |