سحب الثقة = حكومة تصريف اعمال = دولة أمراء الكتل - ابو تبارك الناصري
Thu, 7 Jun 2012 الساعة : 11:53

بعد ان وصلت الازمة السياسية لذروتها وبلغت نقطة الا عودة وصار الحديث عن سحب الثقة عن المالكي مسألة ارقام لا اكثر , فالكتل المخاصمة له والتي تهم بجمع تواقيع وتقديمها لرئيس الجمهورية ليطلب من البرلمان سحب الثقة عن الحكومة لا يزال وزرائها يمارسون عملهم في الحكومة !! هذه مفارقة ديمقراطية اولى , ولا نعلم هل سيتم سحب الثقة عن رئيس الحكومة وحدة ؟ ام من كل وزراء الحكومة ؟ وحين تشكيل حكومة جديدة هل ستحوي من وزراء الحكومة السابقة ؟
المفارقة الاخرى : ان يتم تقديم اكثر من 175 توقيع لرئيس الجمهورية ليتقدم بطلب سحب الثقة في الوقت الذي يستطيع فيه 65 نائب تقديم طلب سحب الثقة !! ولان الطريق الثاني يتحتم عليه ان يسبقه استجواب لرئيس الحكومة اختارت الكتل المخاصمة للمالكي طريق رئيس الجمهورية , تفاديا لاحراجات التي ممكن ان يواجهونه في الاستجواب اذ ليس هناك سبب حقيقي لسحب الثقة ممكن ان يكون مسجل ومثبت في محاضر الاستجواب غير تلك المهاترات والمزايدات الاعلامية التي يمتهنها بجدارة السادة النواب وأمراء الكتل , وكذلك ليكون الامر محصور قطعا بأمراء الكتل السياسية يصدرون الاوامر للسادة الامعات ( النواب ) وما عليهم الا ان يوقعوا او يرفعوا ايدهم بالتصويت على التوالي مع يد امير كتلتهم , وكذا كانت جميع القرارات المهم و الستراتيجية التي كان على البرلمان انجازها , جميعها تطبخ باجتماعات لأمراء الكتل بعيدا عن قبة البرلمان وتقدم للبرلمان جاهزة ( مستوية ومخلصة) دون ان يكون للبرلمان دور في مناقشتها او صياغتها .
مفارقة اخرى من مفارقات ديمقراطية امراء الكتل : ان مشروع سحب الثقة لم يطرح بديل عن المالكي لحد هذه اللحظة , وجميع السادة النواب الموقعين على طلب سحب الثقة لا يعلمون البديل وليس لديهم رؤيا لمرحلة ما بعد سحب الثقة , ويتكلمون بان سحب الثقة ممارسة دستورية ديمقراطية ويضربون الامثال بالدول والتجارب الديمقراطية المتقدمة , في الوقت الذي لم يقدموا بديل عن المالكي , ولم يقدموا رؤاهم للحكومة القادمة هل هي حكومة شراكة تلك الشراكة التي استهلكوها كثيرا في تصريحاتهم الاعلامية حتى بدت وكأنها سبب سحب الثقة , ام انها حكومة اغلبية ؟؟
وفي الوقت الذي تغيب فيه الرؤية المتكاملة للطرف المطالب بسحب الثقة عن الحكومة , يبقي الدستور العراقي على الحكومة بعد سحب الثقة لتصريف اعمال .
واذا تعمقنا في السبب الحقيقي للازمة المفتعلة يبدو انه الشخصية القوية لرئيس الحكومة ومساعيه الحثيثة لبناء دولة وحكومة قوية ما يسمه البعض بمركزة الدولة او ما يصفه معارضيه بالتفرد بالسلطة بالرغم من اشتراكهم اجمعين بالحكومة هو السبب وراء مساعي سحب الثقة .
ما سيجنيه امراء الكتل من سحب الثقة في ضل تحول الحكومة الى حكومة تصريف اعمال و وغياب وغموض مشروعهم البديل ونحن نتذكر المخاض العسير لولادة الحكومة الحالية , بالتأكيد سيكون المخاض اكثر عسرا من سابقه في ضل تنامي الازمات بين الكتل واتساع هوة عدم الثقة بين الاطراف , فستكون النتيجة المحتومة لهذا المشروع – مشروع سحب الثقة – هو حكومة تصريف اعمال , وربما هذا ما يريده خصوم المالكي الذي شكوا كثيرا من عقود تسليح العراق التي بالتأكيد لا تستطيع حكومة تصريف الاعمال انجازها وكذا مشاريع تطوير وزيادة صادراته النفطية , ومشاريع اقتصادية ضخمة كميناء الفاو الذي بدأت الحكومة الشروع به او أي قرار إستراتيجي ومهم , ليصل الامر حتى لقرارات الاعفاء او التعيينات للدرجات الخاصة , جميعها لا تملك حكومة تصريف الاعمال صلاحيات انجازها .
واذا نظرنا لجانب مساعي الحكومة الحثيثة لاستعادة مكانة العراق الدولية والإقليمية الذي بالتأكيد ستعجز حكومة تصريف الاعمال عن المضي قدما بها, يتضح لنا جليا دخول بعض الدول على خط الازمة كتركيا وقطر والسعودية , من اجل ايجاد حكومة ضعيفة مهمتها تصريف الاعمال فقط .
المتبقي لعمر هذه الحكومة هو عام وبعض الاشهر , ولو فرضنا جدلاً بان القوى صاحبة مشروع سحب الثقة تستطيع تشكيل حكومة في اليوم التالي لسحب الثقة – هكذا يفترض ان تكون الممارسة الديمقراطية في جميع الدول الديمقراطية – فهل الوقت المتبقي كافي لتقوم حكومتهم بتحقيق برنامجها السياسي ؟؟! سواء كان هذا البرنامج لحكومة اغلبية او شراكة او غيرها .
الواضح من دوافع جماعة سحب الثقة هو التخلص من ( دكتاتورية ) الشخصية القوية للمالكي , وهذا سيتحقق اذا ما تم تحويل الحكومة الى تصريف الاعمال عاجزة عن اتخاذ القرارات الستراتيجية , لتبقى جميع تلك القرارات بيد امراء الكتل يحاك نسيجها في غرف مغلقة بعيد عن مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية دون ان يكون للشعب رأي او دراية بها , وفي الختام تسوق له بمفردات جميلة براقة مثل توافق زعماء الكتل او الشراكة او غيرها الكثير من المفردات التي يمررون من خلالها المشاريع والقرارات المشبوهة التي تحقق مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة في تقاسم المناصب والامتيازات فيما بينهم .