«بنزين الرصاص» يهدد ملايين المنازل بكارثة بعد استخدامه في المولدات الصغيرة

Tue, 7 Jun 2011 الساعة : 11:09

البيئة أمهلت النفط 3 أشهر للحد من توزيعه في محطات التعبئة
وكالات
الطلب يتزايد على البنزين في ظل ارتفاع درجات الحرارة.. ومخاوف من تسبب مادة الرصاص فيه كوارث بيئية (ارشيف)
يهدد البنزين المخلوط بالرصاص، الذي توفره محطات التعبئة المختلفة في البلاد، بتلويث ملايين المنازل التي تستخدم هذه المادة لتشغيل مولداتها الصغيرة، في ظل تعاظم الطلب على الطاقة الكهربائية بسبب ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف.

وبدأت طوابير السيارات بتشكيل تجمعات تكبر يوميا أمام محطات تعبئة البنزين في محافظات البلاد مع اشتداد وطأة الصيف، لتوفير الوقود اللازم لتشغيل المولدات المنزلية، بسبب ارتفاع اسعار البنزين في السوق السوداء.

ومع مساحات التهوية الضيقة المتوفرة في معظم المنازل، فان خطر البنزين المخلوط بالرصاص الذي يستورده العراق، بات يهدد بكارثة بيئية، وذلك بسبب انبعاث غازات سامة من هذا المنتج لدى احتراقه.

وكانت وزارة النفط قللت العام الماضي من أهمية ضجة ارتبطت بالكشف عن استيرادها نوعا من مادة البنزين، تشكل فيه مادة الرصاص، نسبة كبيرة. فيما كشفت وسائل إعلام غربية أن نوعية البنزين التي يستخدمها العراق محظورة في العديد من الدول بسبب مخاطرها المباشرة على الإنسان والبيئة.

وأعلنت شركات صناعة السيارات اليابانية إيقاف تصدير سياراتها الى العراق بسبب استخدامه بنزين الرصاص الذي تقول إنه يمنعها من توفير أي ضمانات للمشترين بسبب مخاطره المباشرة على المحركات، حسبما أفادت صحف غربية مؤخرا.

وقال مرتضى الجشعمي مدير اعلام وزارة النفط في تصريح لـ "العالم" امس، ان وزارته "تجري فحوصات مستمرة على المنتجات وتحديدا البنزين، لمعرفة كميات الرصاص في الوقود ووجدنا أن كمياتها بدرجة مقبولة وليست عالية"، مضيفا ان "لدينا خططا تم البدء بها يوم الاحد الماضي تمثلت بافتتاح وحدة لتقليل الرصاص في مصفى بيجي وتحسين نوعية البنزين".

واضاف الجشعمي ان كمية الرصاص في الوقود المستعمل حاليا "ضئيلة جدا ولا تشكل مشكلة للبيئة، وأن وزارتنا تعتمد آليات حديثة لتكون صديقة للبيئة"، الا ان مسؤولين في البيئة والصحة يقولون ان كثرة استعمال المولدات يزيد من مخاطر التسمم لاسيما بين الاطفال.

وشهدت الايام القليلة الماضية اصطفاف طوابير من السيارات أمام محطات الوقود بخاصة في العاصمة بغداد. وعزا مواطنون سبب الزحام في محطات التعبئة الى ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي، الذي اضطرهم الى اللجوء الى مولدات الطاقة المنزلية التي تزيد من نسبة التلوث والإصابات بأمراض ناجمة عنه.

ونفى الجشعمي وجود أزمة في تجهيز مادة البنزين، مؤكدا أن ما ينتج من البنزين وزيت الغاز (الكاز) يسد الحاجة المحلية. وقال إن بغداد "تستهلك ما يزيد عن 7 ملايين لتر يوميا في موسم الشتاء، و14 مليونا في موسم الصيف".

وأضاف أن "الوزارة لديها زيادة في إنتاج (الكاز)، الذي وصل الى 21 مليون لتر يوميا، وهناك إنتاج بنزين يسد الحاجة المحلية، وفيما لو حدثت حاجة إضافية فسيتم فتح باب الاستيراد من الخارج".

وكشف الجشعمي عن خطة قدمتها وزارة النفط الى مجلس الوزراء تتعلق بآليات تجهيز المولدات الأهلية بمادة الكاز بعد قرار الحكومة الأخير بالتجهيز المجاني مقابل زيادة ساعات التشغيل وتخفيض سعر الوحدات الكهربائية. وأوضح أن "كل هذه الآليات ستقلل من الزخم على الوقود فزيادة ساعات تشغيل المولدات الأهلية يعني تقليل الاعتماد على المولدات البيتية وهذا سيوفر مادة البنزين للسيارات فقط". المهندس البيئي في وزارة البيئة ورئيس القسم الفني المسؤول عن تلوث الهواء، قاسم بلاسم، وفي معرض اجابته عن سؤال لـ "العالم" عن الدور الرقابي لوزارة البيئة على نوعية الوقود المنتج المستهلك في البلاد ، قال إن وزارته "أعطت مهلة قدرها 3 شهور لوزارة النفط وكل شركاتها لتحسين نوعية البنزين والكاز، والتخلص من زيادة العدد الابوتاني في مادة الرصاص التي تحويها مادة الوقود".

ولفت بلاسم الى أن "وزارة النفط استوردت مؤخرا وحدات (الازمرة) التي تقوم بتحسين الوقود وتقليل الرصاص وهذه الوحدات قيد التشغيل الآن وهي تحتاج أيضا لتدقيق كامل لهذه المنظومات لتعمل بأداء كامل".

ونبه بلاسم الى انه "في بلدان العالم الأخرى انتفت الحاجة لمادة الرصاص. الا ان هذه المادة لا زالت مستخدمة في العراق. ووزارة النفط جادة في استخدام وحدات التحسين لكن مشكلتنا قائمة ونحتاج لوقت"، مبينا ان "مادة الرصاص، المتكونة من عناصر ثقيلة، تعد ملوثات منبعثة تؤثر في صحة الأطفال بنسبة أكبر من البالغين، اذ تترسب في مادة العظام وتسبب تلفها".

بدورها الخبيرة بالتلوث في وزارة البيئة، فاتن صبحي، قالت إن "المختبرات أجرت مؤخرا فحوصات على نوعية الوقود المتداول في العراق، الذي كان يستورد من الخارج وتبين انه من النوعيات الرديئة جدا".

ونبهت الى ان شحة التجهيز بالطاقة الكهربائية "أجبرت المواطنين على استعمال المولدات المنزلية التي تستعمل البنزين، فضلا عن تقلص المناطق الخضراء"أسهمت في زيادة معدلات التلوث في العراق، ومن ثم الإضرار بالصحة العامة.

ولفتت صبحي الى أن المقياس المعتمد عالميا في التلوث يستند الى "وحدات الذرات العالقة وهناك محددات عالمية لها لا تزيد عن 150 مايكروغراما في المتر المكعب الواحد".

وقالت "في العراق وصل التركيز إلى ما يزيد عن 558 مايكروغراما أي ثلاثة اضعاف حجم التلوث المحدد تقريبا".

ولاحظت ان هذه النسبة "تقل عموما في مناطق الشمال وتتضاعف كلما اتجهنا جنوبا وتشتمل الدقائق العالقة أو الملوثة على مواد كثيرة من أبرزها مادة الرصاص والدايوكسين وغيرها".

من جهتها، اعترفت وزارة الصحة، وعلى لسان مدير عام دائرة الصحة العامة، بارتفاع نسب تلوث الهواء وتأثيرها على زيادة نسب الإصابات في العراق بمختلف أنواع التسمم.

وقال الدكتور حسن هادي لـ "العالم" إن "مادة الرصاص المتأتية من عوادم السيارات تنتشر في الهواء الذي يستنشقه المواطن وتتحول لرئتيه ثم الدم، وقد تدخل الجسم عبر الأغذية وكلا الحالتين يؤدي للنتيجة نفسها".

وتابع ان "زيادة مادة الرصاص في الدم تؤثر في صحة الجسم بشكل عام بخاصة العظام، واسوداد اللثة وانخفاض الشهية، وضعف المناعة، وفقر الدم، لينتهي بمرض فقر دم مزمن، ويصاب الجسم بهزال وبالتالي يتأثر الجسم كله". وأضاف أن وزارته "مهتمة بهذا الأمر من خلال التنسيق والشراكة مع وزارة البيئة للتخلص من هذه المخاطر، وهنا يكون دورنا التوعية والتثقيف الصحي وتوجيه المواطن للانتباه". وكشف أن "مستشفيات الوزارة تلقت العديد من الحالات وهناك رصد للصحة والسلامة والمهنية بالتنسيق مع وزارة العمل ولدينا شعب خاصة لمتابعة الأمر وتأتي الينا مواقف شهرية". ولفت الى ان "مصادر الرصاص في البيئة العراقية كثيرة بسبب كثرة السيارات والمولدات".
العالم

Share |