الذاكرة والتوثيق في الثقافة العراقية -سلام خماط
Wed, 30 May 2012 الساعة : 11:31

احتفت الهيئة الثقافية العليا للشهيد الصدر الثاني بالكاتب توفيق التميمي بمناسبة صدور كتابه (" ذاكرة الرصيف " سيرة غير مروية من تاريخ شارع المتنبي ) وذلك في تمام الساعة العشرة من صباح يوم السبت الموافق 27/ 5/ 2012 في مقر الهيئة ببغداد ,في بداية المحاضرة شكر التميمي الهيئة الثقافية وتمنى مد جسور التعاون بينها وبين الوسط الثقافي ورموزه الإبداعية بكل تنوعاته كما وشكر دار العهد ومؤسسة الشهيدين الصدرين العامة على تبنيها طباعة هذا الكتاب , ويذكر ان الكتاب قد عد ضمن 200 كتاب عالمي مناهض للفاشية في العالم حسب إحدى المنظمات الإنسانية السويدية , كما وتحولت بعض فصوله إلى مسلسل وثائقي ستقدمه إحدى الفضائيات خلال الفترة المقبلة ,ذاكرة الرصيف يقع في 200 صفحة من القطع المتوسط وضم سبعة فصول ( من تاريخ المكتبات البغدادية, ولادة الرصيف وثقافة الاستنساخ ,من فردوس الحلم إلى الزنزانة , مهربون "لصوص "سماسرة"مشعلو حرائق , مجانيين المتنبي أبطال الاحتجاج , اغتيال شارع , ولادة جديدة للشارع ) إضافة إلى ملحق مصور وبالأوان عن شارع المتنبي قديما وحديثا شخصيات ورواد وأصحاب مكتبات ومجانين . أشار التميمي إلى أهمية التوثيق والذاكرة في تفعيل الثقافة والأدب العراقيين وذكر بعض المحاولات الفردية التي ذهبت هباء بسبب موت أصحابها حتى بات من المتعثر على الباحث الحصول على المعلومة لعدم وجود مؤسسة تحتضن هذه الجهود النبيلة ,وأضاف ان من عمل في حقل التوثيق من المثقفين الدكتور باقر أمين ورد والأديب العراقي مير صبري والأديب حميد المطبعي ,أما في محال المسرح المؤرشف احمد فياض المفرجي وفي مجال إعلام الكورد جمال بابان ,وقد اقتصرت جهود هؤلاء المبدعين في الأرشفة والتوثيق دون ان تتواصل نعها جهود الآخرين من بعدهم , ولهذا السبب حسب التميمي ظل العراق يفتقر إلى بانوراما تاريخية وتوثيقية لأبناء قومياته ووقائع شعبه في كافة ميادين الإبداع والحرف والنضال فيما بقيت كتب التاريخ تتناقل الرواية التي تصدقها وتؤلفها السلطة وتمحو ما عداها , وحمل التميمي المثقفين جزء من المسؤولية كونهم انشغلوا بفنون الرد والشعر وتركوا هذا الحقل المهم ,الحقل الذي يتطلب تضافر الجهود وتكامل الأشكال الإبداعية والمعرفية من علوم الاجتماع والاقتصاد والتاريخ والأدب واللغة كما يحتاج إلى جهود المثقفين من خارج المؤسسة العلمية كذلك . ان كتاب ذاكرة الرصيف ما هو إلا شاهد على فترة تاريخية من تاريخ العراق حددها المؤلف بتسعينات القرن الماضي من خلال نموذج مكاني ألا وهو شارع المتنبي وتوثيق ما جرى فيه من نكبات كي لا تتعرض للإهمال أو النسيان ,وان أهم ما وثقه التميمي في هذا الشارع هو عندما اضطر المثقفون إلى بيع كتبهم كي يوفروا ما يسد رمق ابناهم من جوع ,وهذه لعمري اكبر فضيحة وعار ما بعده عار مني به النظام الدكتاتوري البغيض , والمثقفون في رأي التميمي غير السائرين في ركب النظام من المعارضين لنهجه التسلطي والدموي , في ذاكرة الرصيف وصف دقيق للرقابة البوليسية المكثفة ,والمداهمات المستمرة للمكتبات وبسطات الرصيف من الكتب ,وذكر المؤلف كيف ظهرت ثقافة الاستنساخ للكتب الممنوعة وكيفية تداولها بشكل سري بعيدا عن عيون الرقيب,والاستنساخ ظاهرة لم تشهدها أسواق الكتب العربية سابقا ,إضافة إلى تأثر الشارع بقانون السلامة الفكرية الذي صاغته العقول المريضة لمصادرة كل ما يمت بصلة للفكر والمعرفة المناهضين للنظام الدكتاتوري ,وهو قانون لا مثيل له في كل بلدان العام حتى الفاشية منها , وكشف المحاضر عن اكبر عمليات اللصوصية الثقافية في العصر الحديث والتي تمت في هذا الشارع وذلك من خلال تهريب أنفس المخطوطات والدوريات العراقية عن طريق مافيات عربية وأجنبية بالتعاون مع أقطاب النظام الدكتاتوري وعلى وجه الخصوص ( ارشد ياسين ) والعقيد جبران . لقد بدا المؤلف مشواره منذ بداية عام 2010 وما زال مستمرا حيث شد الرحال حيث يود رمز من رموز الثقافة والفن والأدب السياسة لاستنطاق ذاكرتهم كي يضعوا بصمتهم في تاريخ هذه البلاد,لكنه كان يصطدم فيكل مرة ومن خلال لقاءاته هذه بافتقاد الوثيقة التي تعزز شهادة كل رمز من هذه الرموز,لأسباب مختلفة منها الخوف الذي تجذر في نفوس البعض حتى بعد إحالتهم على التقاعد أو تقادم العمر للبعض الأخر, او بسبب عدم التحلي بالشجاعة في قول الحقيقة , حيث ان اغلب الذين قابلهم قد طلبوا منه عدم ذكر ما رووه له إلا بعد وفاتهم ,وهذا يعني ان هنالك وجوه غير مكتشفة في تاريخنا او تاريخ شخصياتنا الوطنية ,وأكد المحاضر على ان المقابلة الصحفية لا يمكن الاعتماد عليها لأنها لا تعرض إلا الجانب الجميل وتخفي الجانب القبيح وأوعز ذلك إلى عدم وجود ثقافة الاعتذار. أما من ناحية مجانيين شارع المتنبي فقد وصفهم التميمي بأنهم كانوا يمثلون المعارضة الحقيقية للنظام الدكتاتوري البغيض وذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر صباح العزاوي وهادي السيد .. كانت في ختام الاصبوحة مداخلات من قبل الأستاذ حميد المختار والدكتور علي الشمري والزميل محمد إسماعيل ,حضر حفل الاحتفاء بتوفيق التميمي العديد من الأدباء والمثقفين .