تشريع قانون التجسس والتخابر مع دولة أجنبية أو عربية-مهدي الصافي
Wed, 30 May 2012 الساعة : 11:23

قلما نجد إن شخصا يدعي انه يفهم اللعبة السياسية ويشترك في صراعاتها المشروعة بشرف,ويفتخر إن لديه علاقات كثيرة مع عدد من أجهزة المخابرات الدولية,ففي حين كانت مصيدة الحرب الباردة توقع بالكثير من طرفي القوى المتصادمة(أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق)في شراك أجهزة مخابرات كلا البلدين,ويعده القضاء خرقا وإساءة وخطرا يتهدد الأمن القومي والوطني للأمة,
نجد انه كان مقصلة لرقاب السياسيين الشرفاء في بلدان الاستبداد والظلم,وكان قبل ذلك يعد وصمة عار تلحق بالشخص الساقط في وحل العمالة ,وتمس حتى أسرته على المدى البعيد,من الدول العربية التي اشتهرت بوجود خلايا تجسس نائمة فلسطين ولبنان ومصر,ولكن بفعل الحصار الاقتصادي وحروب الخليج الثلاث,التحق العراق بالقائمة العربية,
فصارت عمليات الاغتيال المركزة للأستاذة والعلماء والمفكرين العراقيين بعد عام 2003 دليل على وجود شبكات تجسس تعمل انطلاقا من قواعد ثابتة لها في بعض الدول المجاورة ومنها تحديدا الأردن وتركيا,
المخيف في الأمر إن بعض الحركات والكتل السياسية العاملة في العراق لديها ارتباطات علنية وصريحة مع دول أجنبية وعربية بما فيها اسرائيل,استفاد هؤلاء من الميزانية التخريبية المفتوحة لهم ,لإثارة المشكلات والنعرات والفتن السياسية والاجتماعية,دون ان تواجه أو تحاسب هذه الجماعات المشكوك بوطنيتها وولاءها لبلدها عن علاقاتها المشبوهة هذه,
فلم نشهد أو نلاحظ ان القضاء العراقي قد استجوب أو استفسر أو اعتقل جاسوسا عراقيا تعامل مع أجهزة المخابرات الدولية,هذه القضايا جمدت في فترة الاحتلال الأمريكي,ولكن بعد استعادة السيادة الكاملة على جميع أراضينا وسمائنا ومياهنا وجب علينا ان نسأل عن القوانين الخاصة بحماية الأمن القومي ...فإذا كانت موجودة فأين هي ولماذا لاتطبق؟
هناك مخاوف شرقية عربية موروثة حول طرح فكرة هكذا تشريع ,لأنها سلاح ذو حدين,ممكن ان يستخدم لحماية الأمن القومي,ويمكن ان يكون أداة قمعية بيد السلطات الرسمية والأجهزة الأمنية(في الأنظمة الاستبدادية-أو الديمقراطية الحديثة أو الشكلية)تستهدف المعارضين السياسيين للحكومة القائمة,
ولكن بناء دولة المؤسسات الرسمية المنفصلة السلطات(التشريعية التنفيذية القضائية) سوف تمنع وتبدد مثل هكذا مخاوف مشروعة,فعندما يكون القضاء العراقي مستقلا قادرا على تطبيق القانون دون النظر إلى خلفية الجرم وطبيعته السياسية,فهذا يعني إننا لن نسمح بتكرار وجود محاكم الثورة أو الشعب (أو استنساخ تجربة محاكم التفتيش الأوربية),بل هي جريمة طبيعة يعاقب عليها القانون وفقا لنوع الجريمة
(على سبيل المثال إذا كانت نتائج التجسس والتخابر عمليات إرهابية تستهدف أرواح العراقيين الأبرياء فتكون عقوبة التجسس أشبه بعقوبة القتل العمد أو وفقا لنصوص قانون الإرهاب-وان كانت مجرد جرائم اقتصادية أو تجارية أو اجتماعية فعقوباتها بالطبع اخف,اي بمعنى ليس كل قوانين التجسس تعني الإعدام,ولكنها ستحد من الانفتاح الرهيب لبعض أجهزة المخابرات للدول المجاورة على العراق واستقطاب بعض الشباب المغرر به,وكذلك الجهات السياسية التابعة لدول الجوار)
إن العراق عليه ان يسد ثغرات الاختراق الأمني عبر الإسراع بطرح مشروع قانون التخابر والتجسس مع دول أجنبية أو عربية داخل قبة البرلمان(وقبيل الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات والدورة البرلمانية القادمة),وكذلك الاهتمام بتشريع قانون الأحزاب المعطل,وقوانين جمع الأموال والتبرعات الخارجية واستخدامها في الحملات الانتخابية الوطنية,إضافة إلى قانون من أين لك هذا؟
كل هذه الأفكار هي مطروحة على طاولة مجلس النواب,ليتسنى للشعب من الإطلاع على حقيقة بعض الكتل والحركات والإفراد الذين قبضوا الملايين من الدولارات لتنفيذ أجندات أسيادهم,من اجل وضع العقبات وخلق الأزمات السياسية بوجه التجربة الديمقراطية العراقية الحديثة,
ماذا يعني كل يوم يخرج علينا مسؤول بتصريحات متشنجة متناغمة مع رغبات هذه الدولة أو تلك,متجاهلا الموقف الرسمي لحكومة بلاده,
من أين كل هذا الدعم والإسناد الذي يدفع ببعض الإرهابيين إلى التواجد في قمة بعض المواقع السياسية, (في كل مرة نكتشف إن الإرهابي المحسوب على هذه الفئة أو القائمة سواء كان وزيرا أو نائبا برلمانيا أو عضو في مجلس محافظة هو أمير لجماعة إرهابية,ماهذه القوة التي تجعله يعمل دون اكتراث بالعواقب,هل يعلم إن خلفه كتلة برلمانية أو دولة مجاورة يلجأ إليها عند الحاجة وتحميه عندما يقع في مصيدة الامن,ولنا وقائع واضحة في قضية نائب رئيس الجمهورية السابق الهاشمي والذي اثبت من خلال جولاته لبعض الدول المجاورة -قطر السعودية تركيا -التي استقبلته قد دعمته ضد التوجه الرسمي لحكومة بلاده ومصالح شعبه).
الحاجة الوطنية تحتم على الجميع ان يساهم في حماية بلده وثرواته ومواطنيه من العابثين بأمنه واستقراره,قد يكون الجاسوس موظفا في دائرة ,أو ضابطا في الجيش ,أو نائبا برلمانيا أو حتى سفيرا أو وزيرا الخ.
ولكن المشكلة تكمن في تركه يعمل بحرية دون رادع قانوني أو أخلاقي يوقفه عند حده,
مرة أخرى نؤكد صحيح إن تشريع مثل هكذا قوانين تحتاج إلى صلابة في الموقف القضائي الذي يتوجب عليه ان يبعد اللون والهدف والغاية السياسية التي قد يتحملها هذا التشريع,بل يجب ان يكون في خانة الجرائم الخطرة التي تهدد الأمن القومي
(ولكن دون الحاجة لترديد شعارات خائن وجاسوس بحق المتهمين,لان المادة والحاجة هي دائما سبب هذا المرض المزمن,)
ولكن سوف يعمل على إيقاف صورة الارتماء الرخيص لبعض العاملين في الساحة السياسية في أحضان المخابرات الدولية والإقليمية وحتى العربية.