أمواج النيل الانتخابية-ناصر عمران الموسوي

Tue, 29 May 2012 الساعة : 10:56

‏منذ البدء ،تمخضت أحداث التغيير في مصر بعد ‏الثورة عن ظهور علائم صراع بدا واضحا ًبين ‏الجزء الحي من النظام السابق وهو المجلس ‏العسكري الذي ادار البلاد بعد سقوط نظام مبارك ‏واعتبر جزءاً من متبنيات مخاض الثورة ،وبين ‏الطرف الاخر المنظم في المعارضة والذي كان ‏يتابع الامور عن كثب وساعد في دفع الامور الى ‏الثورة وهم الاخوان المسلمين ،وبمجرد حدوث ‏الانتخابات حصد الاخوان مقاعد البرلمان المصري ‏بذراعيه (الشعب والشورى)، وكانت ستراتيجية ‏الاخوان تركز - حسب ما اوصلته للشارع والقوى ‏السياسية المعارضة - على انها تؤمن بالمشاركة ‏السياسية وإنها لن ترشح لانتخابات رئاسة ‏الجمهورية.‏
لكن التجربة البرلمانية والمرحلة التي عاشتها ‏مصر منذ الثورة وحتى الانتخابات شهدت صراعا ‏واضحا بين الاخوان والمجلس العسكري تمثل ‏بالخلاف حول البيان الدستوري وطريقة ادارة ‏البلاد، واتضح البعد الماضوي في الخلاف بين ‏المرجعيات الخاصة بطرفي النزاع وهما المجلس ‏العسكري الحاكم لمصر منذ سقوط الملكية ‏والإخوان المعارض الشرس لحكم العسكر، وبلغ ‏الخلاف اشده في الصراع حول اقالة حكومة ‏الجنزوري بعد احداث السويس وإبعاد خيرت ‏الشاطر مرشح الاخوان القوي من منافسة على ‏الرئاسة ودخول ترشيح عمر سليمان وإبعاد ‏وإعادة احمد شفيق المحسوب على النظام السابق ‏واحد رؤساء حكومة مبارك ،هذا الامر الذي جر ‏الشارع المصري والقوى السياسية الى مرتكزات ‏مهمة، رشح منها وجود قطبي الصراع في الجولة ‏الثانية لانتخاب الرئيس بالرغم من دخول ‏مرشحين حصدوا اصوات لا بأس بها وشكلوا ‏مفاجأة الانتخابات (كحمدين صباحي) إلا ان ‏الصراع بين الاخوان والعسكر كان اقوى فهيمن ‏على المشهد الانتخابي وصناديق الاقتراع ،وبات ‏السؤال الكبير والصادم في احيان كثيرة للشارع ‏المصري بين هيمنة اخوانية اسلامية تجد ‏معارضة كبيرة من الشارع المصري والقوى ‏السياسية الليبرالية والعلمانية وأنصار النظام ‏السابق وكثير ممن لم يرق لهم التغيير الذي ‏ابعدهم عن الاستقرار الذي كانوا يعيشونه ،وبين ‏عودة لتأهيل النظام السابق عبر الفريق احمد ‏شفيق وهيمنة العسكر على رئاسة الجمهورية ‏وهو الامر الذي يثير حفيظة شباب الثورة ‏ويعتقدون بان الثورة سرقت بوجود شفيق في ‏رئاسة الجمهورية لكنهم بالمقابل غير مقتنعين ‏بهيمنة الاخوان على السلطات في مصر.‏
ان التكهن بما ستؤول اليه نتائج الجولة الثانية، ‏ليس بالأمر الهين ،فالإخوان المسلمين لهم ‏خبرتهم السياسية ويمتلكون الكثير من مفاتيح ‏الضغط على الناخب والقوى السياسية وهاهم ‏وبعد نتائج الانتخابات يدعون لمؤتمرات ‏ومشاركات حوارية سياسية تحت مسمى الخوف ‏من سرقة الثورة والتي حذروا منها، حيث جاءت ‏حساباتهم دقيقة فقبل فرز الانتخابات اكدوا بان ‏هناك جولة اخيرة بين مرشحهم (محمد مرسي) ‏و(احمد شفيق) وهم يستشعرون خطر موقفهم في ‏الجولة الثانية وبالرغم من انهم استمالوا السلفيين ‏إلا ان المرشحين الاخرين حمدين صباحي وأبو ‏الفتوح امتنعا عن المشاركة في الدعوة الى ‏الحوار السياسي الداعم لانتخاب مرشحهم محمد ‏مرسي لرئاسة مصر ،بالمقابل شفيق حاول ‏استمالة الاخوان وتطمينهم بأنهم سيشكلون ‏رئاسة الوزراء عند فوزه في الانتخابات وان لا ‏عودة لمرحلة ما قبل الثورة وهو من باب خلق ‏مناخات لتقبل فوزه من قبل الاخوان في ‏الانتخابات.‏
ان علائم الوجوم والحيرة بدت واضحة في ‏مواقف القوى السياسية المصرية والشارع ‏المصري بعد نتيجة الانتخابات حيث وجدت هذه ‏القوى نفسها امام خيارين احلاهما مر، فوجود ‏رئيس جمهورية اخواني سيغير خريطة مصر ‏السياسية حيث سيشكل هيمنة واضحة على ‏السلطات في مصر، الامر الذي سيجعل بحسب ‏خصوم الاخوان، الاخوان يتغولون وبخاصة ان ‏تجربتهم البرلمانية اعطت صورة واضحة عن ‏طبيعة الدولة في اجندات الاخوان غير البعيدين ‏اصلا عن الشارع المصري الذي يتطلع الى بناء ‏دولة عصرية حديثة، وخوفهم ان يستنسخ ‏الاخوان صورة الحزب الوطني في الهيمنة ‏والنفوذ، بالمقابل فان فوز شفيق سيعطي انطباعا ‏واضحا بان منجزات الثورة راحت ادراج الريح ‏وان انتاج نظام العسكر يعود مرة اخرى، اضافة ‏الى ان الصراع سيكون على اشده بين رئيس ‏الجمهورية ووراءه العسكر وبين البرلمان بقيادة ‏الاخوان وسيتم انتاج صراع سلطوي غير محمود ‏العواقب مؤثر بشكل كبير على الشارع المصري ، ‏وتبقى الامور القادمة من الايام حبلى بالكثير لكنها ‏لابد ان تلد رئيسا ً جديدا لمصر اخوانيا اسلاميا او ‏عسكريا قوميا.. وهو الموقف الذي لم يكن يحب ‏ان يراه الكثير من المصريين.‏

 

Share |