عراقنا الجديد..عراق الأقوال لا عراق الأفعال - سمير القريشي- بابل
Tue, 29 May 2012 الساعة : 10:55

من السهل واليسير أن ينكشف الحق أو الباطل من حوار أو نقاش أو جدل أذا كان المتلقي أو الحاكم أو المستمع ذي قدر معين من الثقافة والمعرفة والاطلاع على تفاصيل موضوع الخلاف .. هذا أذا كان احد طرفي النقاش حقا والأخر باطلا ..لكن من العسير أن تنكشف الحقيقة حين يكون كلى طرفي الجدل أو النقاش بعيدون كليا أو نوعيا عن الحق والحقيقة والشفافية أو أنهم يحاولون أيهام المتلقي بمعلومات محدده من اجل غايات معينة ..وتزداد حيرة المتلقي أكثر وتتسع مساحة الضبابية بشكل مريب حين يعمد احد طرفي الحوار إلى بيان وجه من الحقيقة تاركا الوجوه الأخرى لأن في كشفها خسارة معينة ..إذ المهم ليس الحقيقة فالمهم هو إلصاق التهم بالخصوم وتعريتهم وفضحهم أمام الرأي العام في أطار يخدم إطراف الحوار وان لم يخدم جزاء أخر( دائما وأبدا وما زال الطرف الذي يدفع فواتير الخلاف رغم أهميته ) مهما كان كبيرا وعظميا كمصلحة بلد وشعب مظلوم ومحروم ومعرض إلى اضطرابات قد تأتي على كيانه...ما تقدم من المغالطات الحوارية ينطبق جملة وتفصيل على الحوار المكشوف بين النخب السياسية أو غير المكشوف في دهاليز السياسية المشبعة بتجارة الصفقات والمسومات في عراقنا خصوصا وفي العالم العربي عموما ..فالديمقراطية المتعالية في العالم العربي مع تعالي وسائل الأعلام وفرت مساحة كبيرة لمعرفة خفايا ما يطبخ في مطابخ السياسية لكنها في ذات الوقت إحاطة عيون المتلقي بضبابية كثفيه إلى درجة لم يستطع مع تناميها أن يرى اقرب الأشياء أليه !!! ما يهمنا في المقام هو الجدل المعروض على وسائل الأعلام والذي يعد جزء أساسيا في صناعة القرار العراقي السياسي رغم انه أي الأعلام يجب أن يكون جهة رقابية لا جهة صناعية .لكنه في العراق تحول إلى صناعة ذات نفوذ كبير ..ومن ساعد أو شارك في وصول الأعلام العراقي خصوصا إلى هذه ( الدكتاتورية ) هم رجال العراق الجديد ..هم من اختارهم الشعب العراقي ليكونوا نوابا عنه في السلطة التشريعية ورقيبا على السلطة التنفيذية لكن عجزهم عن أداء ما عليهم من واجبات دستورية وقانونية ( وأخلاقية وشرعية ) جعلهم يلجئون إلى وسائل الأعلام لعرض بطولاتهم والتي لا تؤدي إلى أكثر من خلط الأوراق وزيادة الاحتقان الشعبي وغضب الشارع
أن وسائل الأعلام الخبرية اقرب ما تكون في عالم اليوم إلى مؤسسات صناعة أبطال السينما كما في هوليود
فما على السياسي آلا أن يحفظ بعض الشعارات والمصطلحات والكلمات الفارغة ويملئ بها فمه وجيبة ويأتي بها إلى استديو الأخبار لياتخم أذان المستمع بها. لكنه في الجانب الأخر من العمل الفعلي الذي يمس حياة المواطن لا يقدم شيء من عمل الخير ولا يؤخر شيء من عمل الشر كل الذي يملكه لقاءات إعلامية وخبرية فقط ...
على كل حال لقد ساهم الأعلام الفضائي الواسع الانتشار والاستماع والتأثير والتأثر في الواقع العراقي بدرجة كما أظن كمواطن عراقي في ترقي الفضائيات إلى مقام السلطة الأولى لا السلطة الرابعة كما تعبر وسائل الأعلام عن نفسها بهذا التعبير . ومن اجل ذلك .اعتقد أن السياسي الوطني والمعتدل والساعي إلى مصلحة وطنه وأبناء شعبة يجب أن يبتعد ما يستطيع فيه الابتعاد عن التصريحات النارية وغير النارية وعزل نفسه عن الدخول في ممارسات لا يمارسها عرابي السياسية وصناعها بقدر ما تمارسها الأبواق السياسية والصائدين في الماء العكر والأصوات التي تعتاش على موائد القادة السياسيون ..فإذا ابتعدت النحب السياسية عن الظهور المتكرر في وسائل الإعلام فليتيقن الجميع أن الاحتقان الشعبي سيخف إلى درجة كبيرة الآمر الذي سينعكس إيجابا على الواقع السياسي والاجتماعي والأمني وحتى الخدمي والاقتصادي ..وليكن في علم الجميع أن من يتذرع بكثرة الظهور في المؤتمرات الصحفية أو الحوارات السياسية بذريعة كشف الحقيقة أمام الشعب العراقي فهو كاذب مخادع لان كشف الحقائق لم تزد العراق آلا ضعفا وفسادا وانهيارا للنسيج الوطني دون أن تمس إرادة المفسدون والمتنفذون بشيء وتجربة العقد الأول الطويل بعد دخول العراق عالم الديمقراطي الوردي شاهد على ما نقول ..
دعونا نسير باتجاه التهدئة في مرحلة التأسيس والوصول إلى دولة القانون وحينها ليكشف من يريد الكشف عن الحقيقة .. أما الأمر المهم من ابتعاد السياسيون عن وسائل الأعلام هو أننا لا نريد إبطال إعلاميون فقط بل أن من يصنع العراق الجديد أذا كان صادقا يجب أن يكون فمه مطبق والجماهير تقيم وفق العمل لا وفق القول.. والاهم من ذلك في عدم ظهور سياسيو العراق أمام شاشات الفضائيات هو الحيلولة دون غطرسة القنوات الفضائية والإخبارية أكثر مما هي علية الآن وبالتالي أعطاء الأعلام موقعه المناسب في حياة الشعوب لان إعطائه أكثر من ذلك يحوله إلى دكتاتور باغي مجرم لا يتورع عن شيء من عمل النفاق والكذب والتأزم في سبيل بقائه ضمن القنوات التي تشاهدها الجماهير
سمير القريشي