تظاهرة عراقية في مدينة تركية

Mon, 28 May 2012 الساعة : 16:06

جاسم ألأسدي/مهندس استشاري/منظمة طبيعة العراق
مذ كنا صغاراً في ستينيات القرن الماضي، ومعلمونا يشحذون أسماعنا أن حرب المياه قادمة في القرن الحادي والعشرين ، وستكون شرسة وعابرة للحدود،وكنا نضحك من أعماقنا نحن أبناء الأهوار المهؤوسيين بالماء والذين لانعرف صلاة الاستسقاء ،أنه يغمر اليابسة دوماً ويدخل صفوفنا المدرسية أحياناً بلا أستاذان يوم كانت الفيضانات لا تجد أمامها سوى أعمدة الأنهار عارية من الإنشاءات الكونكريتية من سدود وخزانات .لكننا أدركنا بعدئذ خطورة الموضوع يوم كبرنا وازدادت قناعاتنا حين رأينا جفاف الأهوار واقعاً مريراً،وأصبحت للماء طقوس جديدة ويوم عالمي واحتفالات مهيبة في قارات العالم أجمع.
المياه من أجل الأمن الغذائي
احتفت الأمم المتحدة باليوم العالمي للمياه في آذار 2012، تحت عنوان (المياه من أجل الأمن الغذائي) لان نقص موارد المياه العذبة ستتسبب بنقص الغداء في العالم ، حيث إن هنالك 7 مليارات نسمة في العالم ، ويتوقع إن يضاف لهم ملياري نسمة أخرى، وحسب الإحصائيات يستهلك كل شخص ما معدله من 2 إلى 4 لتر من الماء يوميا، لكن اغلب المياه العذبة المتوفرة تذهب إلى المصادر الغذائية ، حيث كمثال يتم استهلاك 15000 لتر من الماء لإنتاج كيلو من اللحم البقري بينما يستهلك 1500 لتر لإنتاج كيلو من القمح. وإذا علمنا بان هناك مليار شخص حاليا يعيشون في جوع مزمن وموارد مياه محدودة، وبالإضافة إلى النمو السكاني المتوقع ، فان كل هذا يحتم علينا اتخاذ إجراءات جدية لحل هذه الأزمة.
لمعرفة الكمية المطلوبة من المياه لإنتاج الغذاء لدينا يجب إن نعرف إن 70٪ من استهلاك المياه على المستوى العالمي يوجه إلى الري، الزراعة المروية تمثل 20٪ من مجموع الأراضي المزروعة ولكنها تسهم بنسبة 40٪ من إجمالي إنتاج الغذاء في جميع أنحاء العالم، كما إن أنتاج محاصيل العلف للماشية، والذبح وتجهيز اللحوم والحليب ومنتجات الألبان الأخرى أيضا تتطلب كميات كبيرة من المياه ، وهذا يجعل لأثر المياه في المنتجات الحيوانية أهمية خاصة.
بالإضافة إلى إنتاج الأسماك من الأنهار وتربية الأحياء المائية تسهم بنحو 25٪ لإنتاج الأسماك في العالم وبصورة متزايدة ، وتربية الأحياء المائية هو قطاع الأغذية المنتجة الأسرع نموا، ومصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية كلاهما تتطلب كمية معينة ونوعية المياه في الأنهار والأراضي الرطبة والبحيرات ومصبات الأنهار، وبالتالي فهي من مستخدمي المياه الهامين.
لمعرفة تأثير هذا الاستهلاك للماء في الطلب العالمي على الغذاء الآخذ في التطور، فيجب إن نعرف إنه بحلول عام 2050. سيكون هناك ارتفاع للطلب على المواد الغذائية يصل الى70٪، بينما يصل إلى 100٪ في البلدان النامية إلى جانب ذلك ، مع التوسع الحضري السريع وزيادة المداخل وتغير الوجبات الغذائية حيث من المتوقع أن يرتفع استهلاك اللحوم على وجه الخصوص من 37 كلغ للفرد الواحد سنويا في عام 2001 إلى 52 كجم في عام 2050 (من 27 إلى 44 كيلوغراما في البلدان النامية)، مما يعني أنه سيتم استخدام جزء كبير من إنتاج المحاصيل إضافية كعلف لماشية الإنتاج. على سبيل المثال، سيستخدم 80% من 480 مليون طن الإضافية من الذرة التي ستنتج سنويا بحلول عام 2050 للأعلاف الحيوانية.
ان ندرة المياه تؤثر على أمننا الغذائي، حيث أن شح المياه يؤثر بالفعل على كل قارة وعلى أكثر من 40% من الناس على كوكبنا، بحلول عام 2025، 1.8 مليار نسمة سيعيشون في بلدان أو أقاليم تعاني من ندرة مطلقة في المياه، وثلثي سكان العالم يمكن أن يعيشوا تحت ظروف نقص مياه شديدة ، نقص المياه يحد من قدرة المزارعين على إنتاج الغذاء ما يكفي من الطعام أو كسب لقمة العيش جنوب آسيا وشرق آسيا والشرق الأوسط على سبيل المثال هي بالفعل قريبة من حدود مواردها، وتعداد سكانها لا يزال ينمو

المنطقة العربية وتحديات شحه المياه
يكتسب موضوع المياه أهمية خاصة في المنطقة العربية بالنظر لمحدودية المتاح منها كمياه الشرب، وطبقاً للمؤشر الذي يفضي إلى إن أي بلد يقل فيه متوسط نصيب الفرد من المياه سنوياً عن 1000- 2000 متر مكعب يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية، وبناءً على ذلك فان 13 بلداً عربياً تقع ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية. وهذه الندرة في المياه تتفاقم باستمرار بسبب زيادة معدلات النمو السكاني العالية، ويوضح تقرير البنك الدولي لسنة 1993 إن متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد في الوطـن العربي (مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض) سيصل إلى 667 مترا مكعبا في سنة 2025 بعدما كان 3430 مترا مكعبا في سنة 1960، أي بانخفاض بنسبة 80%. أما معدل موارد المياه المتجددة سنوياً في المنطقة العربية فيبلغ حوالي 350 مليار متر مكعب، وتغطي نسبة 35% منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة، إذ يأتي عن طريق نهر النيل 56 مليار متر مكعب ، وتحصل الزراعة المروية على نصيب الأسد من موارد المياه في العالم العربي، حيث تستحوذ في المتوسط على 88%، مقابل 6.9% للاستخدام المنزلي، و5.1% للقطاع الصناعي، وقد حدد معهد الموارد العالمية منطقة الشرق الأوسط بالمنطقة التي بلغ فيها عجز المياه درجة الأزمة ويطلق على هذا العجز تسمية (الفجوة المائية)، وعندما يصل العجز المائي إلى درجة تؤدي إلى أضرار اقتصادية واجتماعية تهدد بنية الدولة فإنه يكون قد وصل إلى ما يسمى بالأزمة المائية، وأصبحت قضية سياسية بارزة، خاصة على امتداد أحواض الأنهار الدولية

سد أليسو
يقع سد أليسو في جنوب الأناضول في تركيا ويبعد 65 كيلو متر عن الحدود السورية العراقية ، السد من الناحية التصميمية بارتفاع 135 متر وطول 1820 متر ومساحة سطحية 313 كم مربع , ويولد 1200 ميغاواط من الطاقة الكهربائية تقدر كلفة إنشاءه بملياري يورو وانجازه بثماني سنوات.
ابتدأت الأعمال الأولية في السد عام 2008 بتمويل متعدد الجهات (بريطانيا،ألمانيا،النمسا،ايطاليا والسويد....الخ)،لكن العمل أوقف عام 2009 لتوقف التمويل الدولي نتيجة ضغوطات دولية قادها الألماني أوولي ودووا وهي منظمة مجتمع مدني تركية مهتمة بالمحافظة على الطبيعة لكن تركيا عازمة على أنشاء السد ولذا ومنذ مطلع عام 2010 عادت وسارعت خطواتها في التنفيذ وبوتيرة عالية وعن طريق شركات تركية ومصادر تمويل مختلفة.
مر أنشاء السد بمراحل متعددة ابتداء من عام 1950 والذي شهد أول قراءة مناقشة للتقرير الخاص بإنشاء وعام 1971 أكملت الدراسة التمهيدية له، وفي الفترة 1997- 2000 بدأ التحضير للمشروع من قبل ائتلاف شركات دولية متعددة تخضع لتوجيه شركة سويسرية مختصة بالإنشاءات الهيدروليكية.
عند اكتمال هذا السد سنواجه عجزاً مائياً كبيراً في دجلة وبهذا سينخفض معدل إيرادات المياه إلى العراق من عمود نهر دجلة بمقدار (11) مليار متر مكعب ، أن خفض مناسيب مياه نهر دجلة الداخلة إلى العراق من 20,93 مليار متر مكعب في السنة إلى 9,7 مليار مكعب في السنة يشكل ما نسبته 47% من الاحتياج السنوي للنهر، مما سيجعل العراق يخسر جراء ذلك 40% من أراضيه الصالحة للزراعة والتي تقدر مساحتها بـ 696 ألف هكتار.
سيؤثر السد على الأهوار العراقية بشكل كبير وستتحول الى حطام بيئي وستصبح جزءاً من الصحراء كما ستغرق مدن وقرى تركية عديدة لعل أكثرها أهمية مدينة حسنكييف.

من هي مدينة حسنكييف؟!
مدينة حسنكييف مدينة تركية تاريخية نادرة تبعد عن الحدود العراقية بحدود 200كم يقطنها حاليا 2300 نسمة من أعراق مختلفة من بينها الكردية حيث تمثل الأكثرية والتركية والعربية ، وتضم منارة تاريخية جميلة وجسر قديم يربط ضفتي دجلة وعمره يتجاوز 1000 سنة و6000 كهف كانت مسكونة من قبل السكان المحليين حتى عام 1970 وهي كهوف حجرية جميلة جدا يطل عدد كبير منها على حوض نهر دجلة الذي يخترق المدينة باسطاً هيبته وجمالية جريانهكما تضم قبر عبد الله بن جعفر الطيار، ومعالم كثيرة ذات أهمية تاريخية وحضارية.
في عام1987 قامت وزارة الثقافة التركية بإصدار أمر تاريخي للحفاظ الصارم لمنطقة حسنكييف فيما يخص تغيير البنى التحتية أيضا" المحرمة أو المقيدة بشدة.
هذه المدينة القديمة العريقة التي يناهز تاريخها 10000 سنة مع الأصالة والقدم تقع في مركز منطقة أثرية ذات أهمية قصوى للتاريخ, الباحثون كشفو تقريبا" 300 منطقة أثرية في المنطقة المحيطة لحسنكييف ويعتقد أن يكون هناك المزيد ليكتشف، و طبقا" للتقديرات سوف تأخذ من 30 ألى 50 سنة أخرى من التنقيب لكشف كل الكنوز الحضارية التي لا تزال مدفونة في المنطقة
الفيضانات غطت أكثر من 300 هكتارطبقا" للبروفسور أدولف هوفمان المدير الألماني السابق للمعهد الأثري في أسطنبول. ما لا يزيد عن حوالي 5% من المواقع الموجودة قد تم تنقيبها و احتمالية مزيد من النتائج ذات أهمية كبيرة الى تاريخ باكر للغاية.
رحلة الألف ميل

أدركنا نحن العاملون في منظمة طبيعة العراق أهمية الصوت الشعبي والسكان المحليين في الضغط على ملفات إدارة النزاعات المائية ، ونظمنا بالتعاون مع الصحفي المعروف على صعيد الأراضي الرطبة الألماني أوولي ومنظمة دووا التركية للفترة من 20-24 أيار الجاري، رحلة لعدد من ممثلي القطاعات الاجتماعية في مناطق الأهوار الى مدينة حسنكييف التركية ،حيث نظمنا هناك تظاهرة عراقية وأجرينا حوارات ولقاءات واجتماعات مع سكان محليين وصناع قرار مثل عمدة مدينة ديار بكر،عمدة مدينة حسنكييف ومعاون مدير بلدية باتمان.
لقد كانت المباحثات واللقاءات مثمرة جداً وكان مايوحدنا هو الرؤية المشتركة لمخاطر سد أليسو على العراق وعدد من المدن والقرى التركية الواقعة في مقدم السد وعلى رأسها مدينة حسنكييف التركية،آخذين بنظر الاعتبار أن الهدف الأساسي للسد جيوسياسي إضافة إلى تأثيراته السلبية البيئية وأضراره الاقتصادية على مستقبل أهوار جنوب العراق من جهه ومستقبل السياحة في حوض دجلة في منطقة جنوب الأناضول من جهة أخرى أنه سيدمر النشاط البشري والتنوع الإحيائي وسيخلق وجها كالحاً صحراوياً في مدن وقرى وأهوار العراق تلك التي تعتمد عليه في مواردها المائية.
أن مخاوف الأخوة الأتراك الذين أاتقيناهم لا تقل عن مخاوفنا وهواجسنا، نحن نرى في الأفق شحه في مياه دجلة وهم يرون غرقا لمدنهم،أنه استنزاف لقدرتنا على الحياة وتهديداً لأمننا الغذائي ، وخرق لاتفاقياتنا المشتركة في المياه.
أن الوجهاء والشيوخ الذين انطلقوا من ذي قار وميسان كانوا مدركين لخطورة سد أليسوا على أهوار جنوب العراق وكانوا على معرفة لما سيؤول أليه المستقبل في حال اكتمال السد والمباشرة بالخزين المائي وقد تبادلوا الأحاديث بكثير من الود مع المسؤليين المحلين الأتراك الذين عبروا عن إعجابهم بالوفد وثمنوا وقفتهم الشجاعة ضد بناء السد.
لقد اتفقنا مع الجانب التركي على برنامج عمل قادم للوقوف معا ضد أنشاء سد أليسو وستشهد الأشهر القادمة مزيد من الاتصالات الجانبية ،وسنهيأ لمؤتمر كبير لا يفوتنا دعوة المنظمات الدولية المعنية أليه.
هذا وقد غطت الصحافة التركية نشاطاتنا وأجرت لقاءات مع أعضاء الوفد وكانت زيارتنا تتصدر الصفحات الأولى من عدد كبير من الصحف التركية .
والصور المرفقة تعكس جانبا من نشاطنا هناك، وجانبا من مدينة حسنكييف حيث دجلة الخالد والجسر التاريخي وكهوف تتحدث عن تاريخ طويل وثقافة ثرة.
 

 تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية تظاهرة عراقية في مدينة تركية
Share |