المحافظ المثقف...!-نعيم عبد مهلهل

Mon, 6 Jun 2011 الساعة : 11:09

( محافظ ذي قار طالب الحسن أنموذجا.......)
لفت انتباهي مقالاً للصديق سرمد الطائي رئيس تحرير جريدة العالم إن ظاهرة المحافظ المثقف شملت بصورة غير مقصودة ثلاث محافظات محافظيها من حزب الدعوة حصريا ( بغداد والبصرة والناصرية )..!
محافظ البصرة دفعته التظاهرات وزلة لسان حول ما اعتبر في رأي علني له على انه استهتار بالشخصية البصرية إلى أن يستقيل ويقال أن إيماءة من رئيس حزب الدعوة السيد نوري مالكي ( رئيس الوزراء ) دفعته ليستقيل ويخمد بذلك فتنة كادت تعصف بالبصرة إلى ما لايحمد عقباه......!
وشلتاغ أستاذ جامعي وأكاديمي عمل في المجال التدريسي في الجامعات العراقية والليبية وله نشاطا في المجال الثقافي ويمتاز بمسحة الخجل والبراءة وعدم ارتسام أي عريكة حادة على ملامحه ويتحدث ويتصرف بهدوء مما افقده الكثير من زمام المبادرة في حكم مدينة منذ أن وضع أسسها عتبة بن غزوان وحتى اليوم وهي تعج بالتلون الكوني والتناقضات والأهمية وكانت مكانا لاقسى الثورات العربية دموية هما ثورة الزنج وثورة القرامطة وهي أيضا مدينة عانت ولم تعاني من ويلات مكانها الاستراتيجي لتصبح مصدا لكل حروب العراق وخاصة مع بلاد فارس وأهل الجوار من العرب كما حدث في غزو صدام لجارته الكويت وبالتالي من زلة لسان لهذا الرجل تم دفعه ليستقيل ويرتاح في بيته بعيدا عن إشكالية مدينة لايريد احد ليرحم تناقضاتها واستلابها التاريخي ويمنحها شمسا لأمل ينقلها من حال إلى حال..!.
محافظ بغداد الدكتور صلاح عبد الرزاق لا أعرفه .ولكنه كما افهم قد مارس دورا كتابياً للتنظير لمفاهيم حزبه ودعوته . وتابعت لأكثر من لقاء تلفازي معه .فخرجت باستنتاج شخصي أن الرجل له عريكة المجابهة والتشدد فيما يؤمن فيه وربما هذا يعود إلى نمط رؤاه الثقافية والحزبية واحتراما لمشاعره وموقفه وإيمانا أقول أن بغداد كعاصمة أقلمت تواريخها على تأسيس حضاري متنوع لاتحتاج إلى رؤية تراها من خلال فهم ثقافي واحد فهي من المدن التي يُراد لها أن تديم وجدها اليومي من خلال تنوع المظاهر والممارسات الحضارية المتعددة الأوجه  ...!
المحافظ الثالث هو السيد طالب الحسن محافظ ذي قار ...ما عرفته عنه ..انه وريث بساطة أهله وفقرهم وإيمانهم بما ينتمون إليه في عشق المذهب وعاش طفولته في بيئة الأهوار .تلك البيئة التي تعلم ساكنيها الانتماء إلى الطبيعة وقناعتها وتمنحهم حضورا روحيا قويا في مساحة الانتماء إلى عقائدهم .. ولهذا حين قويت ذاكرة الرجل وشب عوده حمل منفاه وقضيته وهاجر عن البلاد..إلى سوريا وثمة شهادات من معارف له وأصدقاء في السيدة زينب تؤكد دماثته وطيبته وسهولة أسلوبه وثقافته التاريخية القائمة على التحليل المجتمعي وأثاره ورموزه ومرجعياته ليكتب كتابه الذي قرأته بعد عام 2003 والمسمى ( حكومة القرية ) وربما هو الأشهر بين تصنيف مؤلفات الرجل القليلة والتي لم تمنعه ليتواصل حتى وهو محافظ مع ثقافة المدينة ويقيم برعاية الاتحاد العام للأدباء والكتاب الندوات والمحاضرات .ورغم هذا لم المس من الرجل دعما كبيرا ولافتا للنظر للاتحاد كمؤسسة ثقافية تكافح من اجل إعلاء شأن الكلمة وإبراز ثقافة المحافظة التي هي امتداد أصيل لكل ثقافات الحضارات العظيمة لأور واريدو ولكش وسواها.!
إذن من حق طالب الحسن أن يفتخر كونه مثقفا ليكون محافظا لمدينة كل مساحات جسدها مطعونة بخناجر قصائد الحب والأغاني والمواقف الوطنية العظيمة ورهطا كبيرا من العشاق وكتاب الرواية والقصة والمسرح.
وعلى الناصرية أيضا أن تنظر إلى هذا الرجل بمعيار يختلف تماما عن نظرتها إلى أي مسؤول يأتي وفي يده العصا والفرمان وأفواج الحماية ولنتركه في مساحة اختبار أوسع مما هي الآن مدركين انه بسبب وعيه وما عرف عنه عن خلق وبساطة يحس تماما بمعاناة الناس ليس في حاجتها لثقافة الكتب والجرائد بل الناس تحتاج إلى خدمات ..( غذاء .كهرباء .دواء ....وأشياء وأشياء ) .
فالبطالة مستوياتها عالية والعواصف تنخر في نهارات المدينة طواعين ربو وسعال والشوارع تعج بزحمة السير والأحياء لاتحتاج أرصفتها إلى بنتلايت المقاولين الرديء بل تحتاج إلى تأسيسا حضاريا يبدأ من الصفر وليس من الترميم والترقيع والوعود وردود الفعل بتغير مدراء البلديات والكهرباء والمجاري والماء..!
كذلك اشعر تماما إن طالب الحسن يدرك تماما مع ذاته وحلمه تعاسة الواقع التربوي وانتشار مدارس الطين وإصرار المحاصصة على إبقاء الرموز الإدارية معمرة .وهذا وبصراحة خارج حدود صلاحيته مادامت رؤية البناء المحلي لسلطة الأقاليم والمحافظات تعج بذوي المصالح والأقارب والتحزب...!
قبل أشهر أجرت قناة الرشيد الفضائية لقاءً على مدى يوم مع محافظ ذي قار طالب الحسن .
أرانا اللقاء سريرة الرجل وبساطته ومستويات طموحه.وحتما هذا الطموح يقع في مواجهة الشجار مع الروتين وعشرات الدينا صورات حتى المقربين منهم إليه.
ودائما اليد الواحدة لا تصفق ..لهذا سنرى الرجل يعلن معركته بطموح ذاتي قد يشاركه في القلة من المعية .وكان على المحافظة كمجتمع مسؤول وأداري أن تستفاد تماما من حالة الهدوء والسلام التي تعم المحافظة مقارنة مع الكثير من المحافظات الساخنة...
محافظ مثقف لمدينة تأن من إشكاليات كثيرة ...أنها محنة للرجل وتحدي ..فهل يبقي روحه معلقة بين خواطر الكتابة والأحلام ، أم يمسك سيف الحجاج ويتجول في أزمنتها المتعبة ويحاسب المقصرين ..!
طريقان أمام طالب الحسن ..والمرحلة القادمة تحدد الكثير من رؤى هذا المقال وحتما الرجل لقادر أن يكون مثقفا ومحافظا في آن واحد ...وكما يقول هوشي منه : حينما أوفر الخبز لشعبي اذهب سعيدا لأدون قصائدي الجديدة..!

دوسلدورف 2011

Share |