في اليوم الوطني للمقابر الجماعية-باقر الرشيد ــ بغداد

Mon, 21 May 2012 الساعة : 16:13

تعددت أساليب الجريمة والبطش التي مارسها النظام البعثي المقبور بحق الشعب العراقي بأشكالها ومسمياتها ، وما المقابر الجماعية إلا صورة معبرة عن حقيقة مشهد من مشاهد القمع الوحشي التي ارتكبها أعتى نظام دكتاتوري عرفه التاريخ وبأبشع صورة من صور القتل والإبادة الجماعية . إن إستذكار وتخليد شهداء المقابر الجماعية يعدّ واجباً وطنياً وتعبيراً حياً عن الوفاء لتلك الأرواح التي مهدت للعراقيين سبيل الخلاص من نظام البعث الفاشي ورسمت لهم طريق الحرية . وبهذه المناسبة لابد من الإشارة إلى أن هنالك تقصيراً واضحاً من قبل المسؤولين في الدولة إتجاه ضحايا المقابر الجماعية ، فخلال السنوات التي أعقبت سقوط النظام المباد وجدنا أن الإهتمام بالأحياء من مضطهدي ذلك النظام طغى على الإهتمام بالمضحين الحقيقيين وهم شهداء العراق وفي مقدمتهم مئات الألوف من ضحايا المقابر الجماعية ، حيث أولت الدولة بسلطتيها التشريعية والتنفيذية إهتماماً واضحاً بشرائح السجناء والمعتقلين السياسيين والمهجرين والمهاجرين وسنت قوانين عدّة كفلت لهم كثيراً من الحقوق والإمتيازات التي يستحقونها . إلا أن البعض من الشهداء وعوائلهم لم ينالوا سوى حقوقاً متواضعة لاترقى إلى مستوى تضحياتهم ودمائهم التي لولاها ما طلع على العراق فجر الحرية وما نال العراقيون فرصة الخلاص من صدام ونظامه المجرم . أما البعض الآخر ممّن ما زالت جثثهم مغيّبة في مقابر لم تول الدولة جديّة وآهتماماً بالبحث عنها وراحت عوائلهم وفي حالة من اليأس والخيبة تبحث عن جثث أبنائها متجاهلة أو منكفئة عن طلب الحقوق . وأمام هذه الصورة نرى لزاماً أن تتحقق العدالة الإجتماعية المطلوبة لشهداء العراق وعوائلهم في وسط وجنوب العراق أسوة بما قامت به حكومة إقليم كردستان من آليات وإجراءات تمكنت من خلالها الكشف عن كل المقابر تقريباً ومنح حقوق إلى 160 ألف عائلة من عوائل الضحايا ، بينما لم يتم التعرف إلا على 42 ألف ضحية فقط من ضحايا المقابر في الوسط والجنوب وهو ما يطابق عدد الملفات في مؤسسة الشهداء ، علماً بأن الإحصاءات التقريبية لأعداد الشهداء يصل إلى مليوني شهيد على أقل تقدير بضمنهم شهداء المقابر الجماعية . كما أن ملف شهداء الوسط والجنوب لم يعترف به دولياً حيث لم تنظم وإلى الآن قاعدة بيانات لهؤلاء الشهداء ، مع أن الأخوة النواب الكرد قد حصلوا على إعتراف من البرلمان العراقي على الشهداء من أبناء الشعب الكردي ، أما النواب الذين يمثلون الوسط والجنوب فإنهم لم ينجحوا إلى الآن في الحصول على إعتراف البرلمان بضحايا المقابر الجماعية .
إن من أولى المهام التي يجب تتكفلها الحكومة العراقية بسلطتيها التشريعية والتنفيذية تفعيل العمل عن طريق المؤسسات المختصة في وزارات الدولة المختصة كوزارة حقوق الإنسان للكشف عن جميع المقابر الجماعية ومواقعها وتحديد هويات الضحايا المغيبين فيها وتشريع قوانين تضمن حقوق عوائل الشهداء (وتحديداً شهداء المقابر الجماعية) وذلك بتخصيص رواتب مجزية ( ليست كحال رواتب الرعاية الإجتماعية البائسة ) تكفل عيشاً كريماً لأرامل الشهداء وأبنائهم الذين يعدون أمانة يجب أن تُكرّم وتصان من قبل الحكومة والمجتمع . فليس من المقبول أو المعقول أن يتمثل إهتمامنا بشهداء المقابر الجماعية من خلال يوم إحتفالي يمر علينا كل سنة تحت عنوان اليوم الوطني للمقابر الجماعية .
إن جرائم البعث طالت أعداداً كبيرة من أبناء العراق ، وما زالت تكتشف يوماً بعد آخر مقابر جديدة لتكون شواهد إدانة لتاريخ البعث الفاشي خلال حقبة مظلمة كان المجتمع الدولي وللأسف صامتاً عنها وغير مبالٍ لفداحة جرائمها وكأنه لم يكن يريد أن يسمع ما كان يحصل لشعب مضطهد من جرائم بشعة على أيدي جلادي البعث . فلم يصدر منه أي رد فعل على تلك الجرائم رغم علمه أن الكثيرين من الشهداء قد دفنوا في هذه المقابر أحياءً لا لسبب إلا لكونهم محسوبين على مذهب معين كما حصل في وسط وجنوب العراق أو كانوا ينتمون لقومية معينة كما حصل بحق الأبرياء من كرد كردستان . وقد عبّر السيد رئيس الوزراء نوري المالكي عن ذلك خلال الإحتفال الذي أقيم بهذه المناسبة وأظهر حزنه وأسفه لصمت المجتمع الدولي أزاء جرائم المقابر الجماعية البشعة حيث أشار إلى أنه [وعلى الرغم من أن تلك الجرائم لم تصل بكاملها الى المجتمعات الدولية ليطلع عليها ، ولكن الذين وصلت اليهم هذه الجريمة لم يتفاعلوا معها ولم يقفوا عندها ، والأنكى من ذلك والأدهى أن الذين قاموا بها من الطغاة في إطار حزب البعث الخبيث إلى الآن لم يعتذروا للشعب العراقي منها] .
 

Share |