اجتماع النجف ..والمرجعية الدينية -سمير القريشي
Mon, 21 May 2012 الساعة : 15:56

لا شك بان المرجعية الدينية في العراق شريك أساسي ومحوري في صناعة عراق ما بعد 2.. 3.. لكن هذه الشراكة المميزة لم تأخذ باعتبارها الآليات الضامنة والكفيلة لأخذ الموقع المناسب في العلمية السياسية ..
لقد تميز دور المرجعية الدينية في عهد العرق الجديد بمعالم جوهرية لا بد من الوقوف عليها وتحديد ملامحها بشكل دقيق ومفصل حتى يتسنى للمرجعية مواكبة التطورات وملاحظة المضاعفات الناشئة والمنبثقة من التداعيات السياسية التي مر ويمر فيها العراق ..مع ما يتعرض له من هجمات في شتى الاتجاهات .. لكن ومع الأسف الشديد لم تنل شراكة المؤسسة الدينية في العملية السياسية حقها الكافي من الدور المحوري والرئيس في صناعة الواقع الجديد.. الأمر الذي انعكس سلبا على العملية السياسية برمتها وبالتالي على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولا أريد القول بأكثر من ذلك...
انتقال المرجعية من صوب المعارضة والرفض إلى صوب المولاة والتأيد بعد 2003 فرض عليها لونا جديدا من التعاطي مع المؤسسة الحاكمة تطلب وضعا آليا مبرمجا وفق سياقات الواقع الجديد ..هذه الآليات التي لم توضح إلى اليوم تفاصيلها وملامحها فرضت على المرجعية الدينية لأنها احد أهم المتغيرات التي تلت احتلال العراق ولأن الجماهير العراقية لم تكن على استعداد بوضع ثقتها في الأحزاب السياسية آلا حين وجهت المرجعية أبناء العراق إلى المشاركة في الانتخابات بما فيها التصويت على الدستور ..
الجميع يعلم كم كانت العقبات كثيرة أمام العلمية الانتخابية وهي تجري تحت وطأة احتلال مشرعن من قبل الأمم المتحدة, وفي ظل تداعيات أمنية لم يكن للانتخابات معها أي أهمية ..هذه حقيقة لا
نستطيع أن نميل عنها وجوهنا . وهي أن الجماهير العراقية وضعت ثقتها بالمرجعية الدينية قبل أن تضع ثقتها في الأحزاب السياسية أو العملية السياسية ..الشيء الذي يستدعي الكثير الكثير من العمل والتحدي وتجاوز الإخفاقات لان الإخفاق لا ينسحب على الأحزاب السياسية فحسب بقدر ما ينسحب على المرجعية الدينية المباركة ..ومن هنا يعد الموقف الداعم للعملية السياسية أو الموقف الرافض من التخبط السياسي والخدمي والاقتصادي من قبل المرجعية السياسية صوب المؤسسة الحاكمة غير كافي بنظر الجماهير على الإطلاق هذا أولا ..ولان الجماهير تطمح إلى شراكة حقيقية من المرجعية الدينية في صناعة القرار السياسي وعدم الاكتفاء بتصحيح المسارات عبر بيانات أو عبر خطب الجمعة والتي يصعب تصحيحها حين تتجه صوب الانحراف كما علمتنا تجربة العقد الأخير في العراق..
موقف رفض المرجعية الأخير من المجتمعون في النجف وان عبر عن شجب واستنكار المرجعية آلا أن هذا التعبير بوجهه الأخر يكشف عن موقف سلبي يعود بنا إلى حقبة العهد البائد والذي لم يكن يواجه سياسيات النظام البعثي بأكثر من الرفض أو التقية أو المواراة..
من نافلة القول لا بد من ذكر الأسباب التي وقفت خلف الحراك السياسي الأخير في العراق والذي يأتي من اجل عرقلة مساعي الحكومة العراقية في استضافة مؤتمر واحد زائد الخمسة المزمع عقده هذه الأيام في بغداد ..فعرقلة ملف المفاوضات الغربية مع إيران سوف لا ينعكس على العراق بقدر ما ينعكس على الشرق الأوسط .لان فشله يعني الدخول في نفق مظلم كما تدل الكثير من المؤشرات على ذلك .. فضلا عن ذلك يعد نجاح حكومة بغداد في تقريب وجهات النظر بين طهران والغرب عودة بغداد إلى واجهة الحدث الدولي بعد بروزها على الحدث العربي والإقليمي في مؤتمر القمة العربية.. وبالتالي يكون نجاح مفاوضات الخمسة زائد واحد ذي نتائج مهمة تصب في مصلحة العراق والشرق الأوسط الذي توجد عليه اليوم معركة إقليمية بعد (الربيع العربي) ..وفي هذا السياق يتضح وبشكل جلي وللجميع المستفيد الحقيقي من فشل المفاوضات الإيرانية مع الدول الكبرى ..
ومن اجل ذلك..
اعتقد أن المرجعية في مواجهة هفوات العلاقة الغير مبرمجة مع النظام السياسي الجديد والتي لو أسست على مبدءا الشراكة الحقيقية في صناعة القرار لما وصل الوضع إلى ما وصل إلية اليوم والذي سمح برجال دين من الصف الثاني في الحوزة العلمية بالتصدي إلى العمل السياسي ورعاية المبادرات والصفقات للخروج من الأزمة الحانقة ..وكل ذلك يجري على بعد عشرات الأمتار من مكاتب المرجعية الدينية في النجف الاشرف
وبعد ..ما زالت الكرة في معلب المرجعية الدينية المباركة وما زالت قادرة على أماطة رجال الدين ( الطلبة ) من المشهد السياسي.. وما زالت قادرة إلى إسكات الأصوات ( المتمرجعة ) والتي ما فتأت تخرج لنا في كل يوم ببيانات لا تغني من فقر ولا تسمن من جوع ..ومازال في العراق مرجعية بمستوى الواقع وبمستوى التحدي كمرجعية السيد السيستاني ومرجعية الشيخ الفياض.. ومن هنا فإننا واثقون بان المرجعية ستتجاوز هذه المرحلة الخطرة من جودها في الأمة ..هذا الوجود الذي تطلب وبإلحاح جماهيري لم يسبق له مثيل على تغير المرتكزات الفكرية وحتى الفقهية والنزول إلى ساحة الصراع السياسي عبر شراكة فاعلة مع المؤسسة الحاكمة ومع السلطة التشريعية ..مشاركة تضمن فيها الجماهير العراقية حقها المهدور المغيب بفعل أقبح وأخس مهاترات وتجاذبات شهدها تاريخ العراق السياسي القديم والحديث...