نحن شعب أمتهن كل صنعة إلا مهنة السياسي!!!- باقر عبدالرزاق السعداوي- الشطرة

Thu, 17 May 2012 الساعة : 13:38

 عندما تسمع كلمة عراق فأنك تستدرج في ذهنك تاريخ يمتد الى 5000سنة قبل الميلاد ، ليسرد لك التاريخ دون ملل او كل عن حضارة بلد شغل الدنيا ماضيا وحاضرا،(شغل الرحالة ، وأهل الفكر ، والمؤرخون ، والغزاة ، ورجال السياسة) .. والكل يكتب عنه في مؤرخاته صورا لهذا البلد ، الذي يبدو استثنائيا بين بقاع العالم من حيث جغرافيته ، وحضارته ومواده الأولية،وتعدد أنبيائه ، واكتشافه أول الحرف والصناعات في التاريخ ، فكانت لكل بقعه منه صناعتها الخاصة ، فأمتهن صناعة النسيج والحياكة التي يعود تاريخها الى ما قبل الميلاد ، وصناعة الذهب التي ذكرها الكثير من الرحالة الذين زاروا العراق ونخص بالذكر منهم البرتغالي ( تكسيرا ) في عام ( 1604 م ) قال : إن هناك في بغداد صناعا مهرة اختصوا في أمر هذه الصناعة من المسلمين الى جانب قسم كبير من الصابئة وكان لهم سوق كبيرة خاص بهم.وكانت صناعة الفخار في الموصل وكركوك ،وصناعة الخشب ، ناهيك عما ذكره المؤرخون القدامى أمثال هيرودتس الذي كتب الكثير عن أحوال العراق ، وإشارته الواضحة الى وجود قارب صغير دائري كان مستعملا في انهر العراق القديم .
وهناك الصناعات الجلدية والنحاس والبرونز والحديد بعد ان اكتشفت النار هنا ،فكان العراق عبارة عن قطعة اثرية نادرة ، غطى بريقها على سياسة الاستعباد والاضطهاد والقتل، اما في العصر الحديث ونتيجة لسوء تصرف حكامه وكونه لا يريد ان يندثر ويتحجر فقد امتهن الشعب حرفا جديدة تناسب متطلبات المعيشة فكان الشعب هو نفسه المصلح حتى (تسير القافلة ولا يهمها نبح الكلاب) فكانت مهنة بائع القهوة وبائع الثلج وعمال المجرشة ، والدباغ وبائع الفرارات المتجول وبائع الخبز ، والأسكافي وعمال الصفافير والحلاق (المزين) والمصور الشمسي ، اضافة للمهن الرسمية (الطبيب المهندس والمعلم وغيرها) .وكلنا فخر بهذه المهن التي حافظت على أجيال العراق ، ولكن وللأسف لا نجد بينها مهنة السياسي ، حتى إننا لازلنا نتحسس من كلمة السياسي لما عانته مختلف أجيال العراق في القديم والحديث ، فكان الاستبداد والظلم والقتل وسلب قوت الشعب .
في الوقت الذي نعترف بكل صنعة لتاريخها وجذورها (الدباغ ، الأسكافي) لا نجد اليوم هناك سياسي حقيقي يكون محترف سياسيا وذلك لعدم وجود جذور سياسية عميقة تمده كيف يمكن ان يبني وطنا ،اليوم السياسي أسير لأجندات خارجه عن إرادته وأحيانا تتكلم عواطفه أو عصبيته دون الالتفات الى مكانته ومسؤوليته ، يبدو انه ينسى نفسه ويتصور وجوده السابق فيصرح صباحا ، ويعتذر عن كلامه مساءا!! تصريحات قاتله في الداخل ومخجلة بالخارج نظرته السياسية لا تتعدى حدود مكتبه فكيف يمكن ان يمد خيوط الحرير الى سور الصين او حدود المكسيك وكيف له ان يعرف ان برج بيزا الايطالي مائل ليس بسبب غش المقاول!! وأنما لغرض استقرار مركز الثقل ، وأكيد لا يعلم ان دولة منغوليا قد وضعت قواطع الخشب عند اكساء الطرق قبل 700عام لغرض التغلب على ظاهرة التمدد !! وهل وصلهم خبر مانديلا عندما ارجع حقائب الرجال البيض الى عملهم في القصر حين قال لهم (هذا بلدكم ايضا) .
الكثير من ساستنا قد ترك إيديولوجية حزبه ومنهجه على رفوف غمرتها التراب وبدأ يلمع إيديولوجيات خارجية تريد ان تدمر البلد ،والبعض ينظر الى عمر سياسته هو عمر دورته الانتخابية وكأنه يعد الأيام فيسابق الزمن في كسب المزيد من الجاه والمال وضمان العيش له حتى لو كان خارج البلد وينسى انه يمثل شعب حضارته أكثر من خمسة آلاف سنة !!! فنرى التخبط والفوضى في مسير الكثير من ساسة البلد يوما ابيض الوجه ويما احمر وتارة أخرى تطغى صبغة الميلانين فتجعله اسمرا داكنا لا حرقة على شعبه وإنما على منعه من الحصول على العربة المصفحة !! ولهذا تبقى مهنة السياسي حسرتا في قلوبنا لأننا دائما نحلم (نريد سياسيا نحبه)!!!
 

Share |