مهرجانات للبيع!!! -صلاح بصيص- بغداد

Wed, 16 May 2012 الساعة : 17:09

فتحت الديمقراطية في العراق الطريق لاضفاء شرعية على بعض السلوكيات غير المقبولة من قبيل الاحتفاليات والمهرجانات التي تقيمها المنظمات والمؤسسات غير الحكومية والمؤسسات الصحفية الأهلية، لفت انتباهي مقالة لاحد الكتاب يسلط فيها الضوء على انعدام وجود المبرر لتوزيع الشهادات التقديرية وكتب الشكر والهدايا العينية حسب الأمزجة والعلاقات والمحسوبية، وفعلا تجد الكثير من المؤسسات تعتمد الصفات الانفة معيارا رئيسيا للتوزيع.
مشاريع تجارية وصفقات تقف وراء عقد مثل هكذا فعاليات فبالاضافة الى حصول اصحاب المؤسسات على التبرعات والهدايا النقدية التي لا يصرف منها مقدار الربع بسبب كثرة المتبرعين وحجم التبرعات، فهي امتداد لشبكة العلاقات الاجتماعية مع المسؤولين واصحاب القرار على حد سواء، واتساع الشبكة يقابله فوائد كثيرة لا محل لذكرها الان، اجملها بان هناك خطوطا حمراء لا تتعداه الا باتساع شبكة العلاقات... هناك اسماء غير معروفة، سطحية لا تعرف اي طرفي المستوي اطول نفدت من هكذا بوابات فصاحب مؤسسة غير موجودة على احدى الخرائط، بغض النظر عن نوعها واختصاصها، يتحكم في المشروع الثقافي وينصب بعض الاقزام سادة الثقافة العراقية ورجالها ويمنح كل من هب ودب جوائز الابداع ويمنحهم رصيد يقف الجميع امامه بدهشة، لقد عاب البعض سابقا التسميات التي تطلق كأمير الشعراء وغيره برغم الارضية الصلبة التي يقف عليها المكرم والخزين الفكري والثقافي الذي يملكه، لكن المقاييس اختلفت في العراق وانحدرت فمؤسسة تحصل على دعم مالي مقداره 24 مليون دينار تصرف منها 4 فقط وبعض المؤسسات تحصل على مبالغ خيالية لا تجد ما يقابل تلك المبالغ من فائدة لا على المستوى الثقافي ولا السياسي ولا الاجتماعي، سوى التهريج وكلمات بائسة يلقيها الحضور.
وحتى تتسع موارد الدخل اختلقت بعض المؤسسات الثقافية مسابقات شعرية وقصصية وهو أمر جيد ومقبول شرط ان تكون العلاقة طردية بين ما يقدم من مواد ومنتج وبين جودتها ويكون المعيار خاضعا الى لجنة متخصصة لا تتعرض لضغط من القائمين على المهرجان كما هو حاصل اليوم، فلا ينظر الى النص بقدر النظر الى صاحبه حتى في حال كان النص لا يرتقي الى اي مستوى يصار الى تبويبه وادراجه تحت عنوان معين لغرض منح صاحبه الشهادة والجائزة، وهذا يحصل كثيرا مع النساء، وهو ما يزيد من تلوث البيئة الثقافية ويمرض الذوق ويسهم في ارتفاع معدلات الفقر الثقافي ويعمق من اثره.
لقد ساهمت تلك الفعاليات الهامشية في حرمان الأجيال القادمة من مواكبة المسيرة الثقافية وسيكون حكم الاجيال اللاحقة قاسيا بعد ان تشعر بسخف الاختيار وانحطاط الذائقة ويصعب عليها تقييم الأثر وفرز الجيد من الرديء، ويمتد التساؤل التالي انذاك، فإن كان النص منافسا جيدا يستحق الفوز، لما لم يفز وان كان ضعيفا لماذا فاز؟ عكس الجيل الحالي الذي استمد ارثا ثقافيا واسعا مكنه من ربط سهل وتواصل غير شاذ، ولا اقصد بالجيل الحالي هو القسم المنتقد بالمقال ممن يكرم لغرض ما وليس اكراما لما انتج.
لم تلبي اغلب الفعاليات احتياجات الجيل الحاضر واخلت بمعطيات البيئة الثقافية بصورة عامة ولا بد من صون الابعاد التي نميز من خلالها النظر الى حقيقة تلك المهرجانات ووضعها تحت طائلة المسائلة والنقد المباشر والكثيف كي نستخلص ما يحفظ التوازن في ثقافتنا المبعثرة، ولنبقي الوعي الثقافي وثيق الصلة بين مفهوم الثقافة ذاتها وبالطريقة التي كان ينظر لنا العالم من خلالها.
إن الهدف الرئيس في اقامة المهرجانات هو الفائدة المادية في اكثر الاحيان خصوصا من قبل التجار الطارئين على الثقافة والذين ولجوا بقوة كمستثمرين يبحثون بين ثنايا ثقافتنا عن ما يزيد من رصيدهم المالي.
[email protected]
 

Share |