علة الاحزاب العلمانية في العراق - صلاح بصيص - بغداد

Sun, 13 May 2012 الساعة : 11:06

 الاحزاب العلمانية تحبو بحذر صوب اهدافها، ليس على مستوى العراق فحسب، بل اغلب الدول العربية، وذلك لتمدد الاحزاب الدينية الشعبية، فقد أقر الواقع بنوعين من التبعية للدين، نخبوي، يعتمد العقل ويقدمه، وهم القلة، وشعبي يعتمد العاطفة، وهم الاغلب، والأخير سبب شرخا في عموم المنظومة الاسلامية، فالأحزاب الدينية الشعبية تضيق المساحات امام الاحزاب الأخرى دون كد او تعب، وأقصد بذلك سرعة التأثير وقبول المؤثر، فإمام المسجد، مثلا، باستطاعته ان يوجه الحدث بخطبة بسيطة من على منبر، يتحول الى قنبلة او حزام ناسف، خلاف غيره الذي يعاني الأمرين في سبيل طرح مشروع نهضوي تقدمي، او فكرة مشروع قد تودي به احيانا حد التصفية الجسدية، وهذا يعود الى ذهنية الشعوب التي تتعاطف مع تلك الاحزاب وتتعامل معها بصورة عقائدية، ما تفرضه العقيدة يلتزم به الفرد، فالإطار الفكري والبنيوي للفرد ينبذ جميع التوجهات غير الاسلامية، لذلك فإن الأخطاء محسوبة وان صغرت بالنسبة للاحزاب غير الاسلامية لصعوبة تصحيحها او تجاوزها، فهي تحت المجهر مرصودة الحركة والقرار ، ليس بالاعتداد بها انموذجا عند مطابقتها للواقع العربي، بل للبحث عن كيفية نقضها وبيان ضعفها، وان وجدنا ضرورة حتمية في تطبيقها وجب عليها ان تصطبغ بصبغة اسلامية، بعكس الاحزاب الاسلامية التي يغض الطرف عن أخطاءها لما تحمله من تبريرات مقنعة مهما كانت بسيطة وسطحية... وما يؤكد هذا الرأي، ما بعد الثورات العربية ضد الدكتاتور، ما يعرف بالربيع العربي، وتربع الاحزاب الاسلامية على زمام الأمور.
فرزت الساحة العراقية ما بعد 2003 احزاب اسلامية كثيرة، ناغم بعضها العلمانية واقترب منها، نظرا لمقتضيات الضرورة بعدما نفرت شريحة غير قليلة من المجتمع عن الاحزاب الاسلامية –وهو نفور حذر لا يخرج عن حيز التسليم والربقة- بسبب الاعتقاد بعدم قدرتها على لعب دور بارز في تغيير الخارطة السياسية بجميع مفاصلها، كذلك فإن بعض الشخصيات الدينية المشتركة في العملية السياسية شوهت الصورة الحقيقة للاسلام، أو على الأقل لم تحقق ما كان مطلوبا منها، اغلب الناس كان يعتقد بأن رجال الدين سيصلحون ما فسد وسنكون ازاء دولة يسودها العدل والنظام الاجتماعي المتميز، يعطى لكل ذي حق حقه، ويتساوى فقيرها مع غنيها، بعد ان تجر القوانين والقيم الاسلامية ، ولكن جاءت الريح بما لا نشتهي، فبعد ان اصطدمت تلك الشخصيات بالمصالح الدنيوية والمادية، اصبحنا نلتمس العذر لهارون الرشيد الذي نبذه الجميع، وفي الطليعة تلك الشخصيات لحرصه على التملك والتفرد وعدم ملامسته لحاجة الرعية... ولكن هل عزوف الناس افرغ الاحزاب الاسلامية من جمهورها؟ وهل كان اللجوء للاحزاب غير الاسلامية ردة فعل عما صدر من متصديها؟ الجواب، كلا، بل كان الناس يدورون في فلك الاحزاب الاسلامية الرديفة، اشبه بالتقليد، عندما يخرج مقلدا عن قيد مجتهد يذهب الى قيد مجتهد اخر، اذا لم يكن تقليد السيد (س) متوافقا ومطمئنا يذهب الى تقليد مجتهد اخر وهكذا... حتى الاحزاب الاسلامية التي ناغمت العلمانية واقتربت منها ما زالت دون رصيد يعتد به وتجد ان هذه الاحزاب مضطرة في النهاية الى النقر على المذهبية ونصرة المذهب وضرورة حصر الأمور في كنف الجهة التي ينتمون اليها، لانها البضاعة المرغوبة، التي تجعل التغاضي عن العيوب واردا...
وعندما نطرح تساؤلا، هل افلست الاحزاب الاسلامية فعلا؟ واصبح من الضروري اللجوء الى احزاب اخرى؟ الجواب على ذلك، نعم ولكن البديل ان تخلق احزاب اسلامية اخرى، وهو ليس تدوير بقدر ما هو أمر بديهي، فالشارع لا يدور بغير فلك هذه الاحزاب، وان عكس لك البعض رغبتهم في العزوف، فهي لا ترتقي لأكثر من ذلك، اي انها تبقى رغبة، حتى وان دعم رجل دين معروف وله جمهور، حزب غير اسلامي، فهنا يقع المحضور، وأمر يتجاوز الخطوط الحمراء، يعزف حينها الجمهور عن رجل الدين، ولا ينجذبون لاحزاب لا تحمل صبغة اسلامية، لانها احزاب خاسرة كافرة، وتبقى احزاب (الله) هي من تملك الغلبة والنصرة...وهذا واقع حال النخب والاحزاب السياسية التي حاولت ان تستقطب رجال دين من مذاهب متعددة لاضفاء صبغة دينية تغري الجمهور، ولكن اللعبة انكشفت، وسقط رجل الدين وقل جمهوره بسبب انتماءه لمثل تلك الاحزاب، وهو تأييد لما ذكرنا.
انفتاح المؤسسة الدينية ورفع القيد الواجب للولوج اليها انتج دخولا سهلا لهذه المؤسسة وخروجا سهلا، فلا توجد جهة ما تحاسب رجل الدين، انت مثلا، بامكانك ان ترتدي لباس الدين وتخرج الى الشارع والسوق بحرية، حتى ان كنت لا تمتلك وعيا كاملا بتفاصيل الدين حلاله وحرامه ومعاملاته، فمن يسأل؟ ومن يحاسب؟ اغلب رجال الدين اليوم منقطعون عن الدرس ولكنهم ما زالوا مصرين على ارتداء الزي لما يحمل من وجاهة ويعده الكثير مصدر رزق، فمن حاسبهم؟ أما ان سألتهم قالوا نحن وصلنا الى امكانية الدرس دون معلم، وبينهم من درس المقدمات والسطوح ولا يستطع حتى تفكيك العبارة؟ والناس بطبيعتهم يميلون الى صاحب الزي الديني، وهذا ينطبق على الاحزاب، كلما أطرت الاحزاب بالاسماء والصفات الدينية كلما كانت قريبة من القرار والموافقة، والعكس صحيح.
اكثر من دورة انتخابية جرت، انتصر فيها الاسلاميون، ورغم انهم لم يحققوا ما يشار اليه، الا انهم اختيروا مرة ثانية وستكون هناك مرة ثالثة ورابعة، ليس لضعف الاحزاب العلمانية، انما لقوة الاحزاب الاسلامية في اذهان الناس واعتقادهم ان رجل الدين يحمل التعاليم الكلية التي تحتاج الى ظروف غير ما نعيش لتطبق، ولا نملك الا انتظار هذه الظروف.
[email protected]
 

Share |