تلوث الفرات-جاسم محمد جابر الساعدي
Sat, 12 May 2012 الساعة : 0:44

قال الله تعالى في كتابه العزيز: ((و أسقيناكم ماءاً فراتاً)).
نهر الفرات كان يسمى من قبل شعوب المنطقة بالنهر الكبير أو النهر، كما كان الحد الفاصل بين الشرق والغرب بين بلاد آشور وبابل وبلاد شمال أفريقيا، وكانت كل من هاتين القوتين تسعيان لامتلاك الأراضي الواقعة بين وادي النيل والفرات. أيضا كان الفرات الحد الفاصل بين الشرق عن الغرب في عهد الفرس. كما كان أحد حدود المملكة السلوقية وكان يعتبر الحد الشرقي للإمبراطورية الرومانية. وكانت بابل أعظم مدينة على شواطئه وكركميش المدينة الحثية شمال الجزيرة السورية (الفراتية). وقد شهدت ضفاف هذا النهر معارك عديدة أشهرها المعركة التي انتصر فيها نبوخذ نصر الكلداني على فرعون نخو المصري 605 ق.م. ذكر الفرات مرات عديدة في الكتب المقدسة لما له من دور حيوي في حياة سكان بلاد ما بين النهرين قديما وحديثا,,,
ويقال أن المندائية أشد الأديان تقديساً لنهر الفرات حيث يتم التعميد لدخول المندائية في ماءه وأنه من أنهار الجنة ،وجاء في نص من (كنزا ريا):((صغيراً أنا بين الملائكة الأثريين طفلاً أنا بين النورانيين ولكنني شربت من ثغر الفرات )).
وفي المسيحية كما جاء في (سفر التكوين 2:14)أن الفرات أحد أنهر الجنة .
وفي الإسلام ورد الكثير عن فضله وأنه من أنهر الجنة .وجاء في (المسند الصحيح /2894):((يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا)).
وفي آثار الشيعة ورد الكثير من الروايات في فضله منها ما ورد في كامل الزيارات الحديث (581)عن الإمام الصادق (ع)أنه قال :(إذا اغتسل من ماء الفرات وهو يريده –أي الحسين (ع)-تساقطت عنه خطاياه كيوم ولدته أمه)).
كما وردفي نفس المصدر (ح582)عن الإمام علي بن محمد العسكري(ع):((من خرج من بيته يريد زيارة الحسين (ع) فصار إلى الفرات فاغتسل منه كتب من المفلحين ،فإذا سلم عليه كتب من الفائزين ..)).
وقد أنعم الله تعالى علينا بهذا النهر العظيم الذي كان من أهم الأسباب في نشوء أقدم الحضارات في العالم وعلى ضفافه عرفت الزراعة واهتدى الإنسان الكتابة والتدوين ،وكان وما زال هذا النهر يمر علينا فيحيينا ويطهرنا من العلائق المادية ويغمرنا بنفحات معنوية ثم يودعنا إلى شط العرب ونحن لا نعرف حجم نعمته، بل على العكس تماماً؛فبدلاً من تقديس وإكرام هذا النهر الكريم ؛بدلاً من تزيين شواطئه وتطهيره من كل ما قد يشوبه والاستفادة الأكبر من عطاءه وإذا بنا نبني المشاريع التي تقضي علي مقومات الحياة فيه ونطرح مياه الصرف الصحي وغيرها لنجعله ينصرف حين ينصرف عنا وهو يشكو كفر النعمة منا.
إن الكثير من الدول تعاني أو تتخوف من شحة المياه فتراها تفكر بجدية وتعمل جاهدة للحفاظ على مصادر المياه وقد وضعت القوانين الكفيلة لحماية المياه العامة منها معالجة مياه الصرف الصحي قبل تصريفها إلى جوف الأرض كونها تلوث المياه الجوفية .وإمام هذا وغيره فإننا نطرح المياه الملوثة في أنهارنا لنساهم في قتل أبناء شعبنا ومتعلقاتهم ونحول أرضنا إلى خراب .
محطة مجاري السديناوية القريبة من الجسر السريع على نهر الفرات واحدة من الأمثلة على ذلك فلا زالت تبعث بكميات كبيرة من الملوثات إلى نهر الفرات والغريب الملفت للنظر أن منفذ التصريف إلى النهر مكشوف أمام الأنظار كي لا يبقى عذر لمعتذر .ولا نعلم هل أن السادة المسؤولين في دائرة المجاري وفي مجلس المحافظة ودوائر البيئة والصحة ؛هل يهتمون بمستقبل العراق وهل يتحدثون عن مواقف الدول المجاورة مع العراق بخصوص المياه وهم يرون هذه الكارثة البيئية الكبيرة.وما موقف السيد وزير البيئة المحترم عندما أقام حفلاً بيئياً في المحافظة ؛ألا يعلم الجميع أن الطيور المهاجرة لن تنعم طويلاً في مناطق الأهوار بل سوف ترحل إلى الديار الأخرى تئن من آثار التلوث تاركة خلفها طيوراً وبهائم ونبتاً وفوق ذلك بشراً يعانون من تلك الآثار .
لا ننكر التقدم الحاصل في بلادنا على اختلاف المستويات –مع التحديات والمعوقات- إلا أن طرح ما يسبب الموت لبلدنا ينبغي أن يكون في الصدارة كون أبناء شعبنا يعانون من الأمراض المستعصية . وقد وضعت القوانين الكفيل بالاهتمام بالمياه منها ما ورد إستناداً إلى أحكام الفقرة (ب) من المادة الثانية والستين من الدستور ،والفقرة (ثانياً) من قانون مجلس الوزراء المرقم ب لسنة 1991 ،والمادتين (19)و(24)من قانون حماية وتحسين البيئة المرقم ب/3 لسنة 1997 وحسب القرار بتاريخ (4/جمادي/1422)الموافق(25/تموز/2001) المادة -3-((يمنع تصريف أو رمي المخلفات من المحل إلى المياه العامة أياً كانت نوعيتها أو كميتها أو طبيعة التصريف سواء أكان التصريف مستمراً أو متقطعاً أم مؤقتاً ولأي سبب كان إلا بترخيص من دائرة حماية وتحسين البيئة أو من تخوله)).
وورد في المادة -9-((يمنع القيام بما يأتي .................ب-إلقاء جثث الحيوانات أو إفرازاتها أو فضلاتها أو أي مادة أخرى أو عامل آخر في مجاري المياه العامة أو على ضفافها)).
فيرجى من كافة المسؤولين القيام بواجبهم في الالتفات إلى هذا الأمر الخطير وتحويل مياه الصرف الصحي عن نهر الفرات وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح.
اعداد: جاسم محمد جابر الساعدي