الانسان والقران -كريم شلال الخفاجي-الناصرية
Mon, 6 Jun 2011 الساعة : 0:49

بسم الله الرحمن الرحيم
ان كلمة إنسان يرجع معناها الى الظهور كما ورد ذلك في كلام العرب ثم ذكر للإنسان معنى آخر هو: النسيان ، فقد ذكر ابن منظور عن ابن عباس قوله: إنما سمي الإنسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسي، إذ يقول القرآن بهذا الصدد: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ) طه/115، وبهذا قال الكوفيون: إنه مشتق من النسيان ، لذا فإن معنى الإنسان في كلام العرب يعني الظهور، والنسيان. ومعرفة هذه النتيجة لها دور مهم، في تحديد ما يجب أن يكون الإنسان عليه، فما دام الظهور أصل معناه، فيفترض به أن يكون الظهور سمته البارزة، فيحقق هذا المعنى في: نفسه، وطريقته، وحياته. فيكون ظاهرا في : مبادئه، وقيمه، وأخلاقه، ودينه الذي يؤمن به، فلا يستخفي، ولا يتوارى، كما يتوارى الجن. لذا كان الانسان بظهوره هذا متطلعا لمعرفة ما يدور حوله فهو يعي ويلاحظ ما حوله من مظاهر طبيعية ويتسائل عن القوى التي خلقت هذا الوجود ، وبهذ بدأت الديانات مع الإنسان منذ فجر التاريخ ومنذ أن بدأ الإنسان في عصور ما قبل التاريخ حين كان البشر يمارسون طقوس وعبادات متعدد مثل عبادة النجوم والأوثان والجبال والاشجار والجمادات والطير والحيوان، بل ذهب الى عبادة النجوم والكَواكب، وهي ممارسة غير واعية بل هي بعيدة كل البعد عن العقل تماما ، فيما ذهب اخرون لعبادة النار وكذلك عبادة الاصنام ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى ) النجم / 19، ثم يقول سبحانه: (وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ) نوح / 23 وان دل ذلك على شيء فانما يدل على ضحالة عقولهم التي تصل الى صناعة اربابهم بانفسهم واذا دعت الضرورة الى اكل الهتهم فيفعلون ولا يتوانون قيد انملة . وتصل السذاجة الى الحد الذي يعتبرونها مصدر القوة فيَعْبدونها .وقد ظهرت مثل هذه الديانات في : العراق وبلاد الشام كالديانة البابلية والسومرية والكنعانية وهي ديانات وثنية وفي مصر ظهرت الديانة الفرعونية أما في الهند فقد ظهرت الديانة الهندوسية والبوذية. وبهذا فالديانات السماوية هي الديانات الثلاث بحسب التسلسل الزمني لظهورها اليهودية والمسيحية والإسلام وتسمى بمجموعها الديانات الابراهيمية نسبة إلى ابراهيم (عليه السلام ) إلى أن جاء الإسلام وحوَّلهُم من عُبَّاد أصنام وأوثان إلى مُوحّدين يَعْبُدون الله وحده لا شريك له وإلى مسلمين ، لكننا كي نكون منصفين فيتوجب علينا ذكر الجوانب الانسانية التي كانت لديهم كي لانسلخهم من ادميتهم ، فهذا الانسان بقدر ما كان يتمتع بصفات سلبية كشيوع الخَمر بينهم، وشيوع القِمار والمَيسر، والأخذ بالثأر. كان يتمتع أيضاً بصفات ايجابية كالتضامن القَبلي، وهذا التضامن يؤثر في حياة العرب؛ فالعرب كانوا يركِّزون على صفات كثيرة وقِيم كثيرة، منها: الكَرم، والوَفاء، وإغاثة المَلهوف، وحماية الضعِيف، والعفو عند المَقْدرة، وغيرها ، وبعد بزوخ فجر الاسلام وبعثة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بالنور المبين والهدى والفرقان، فعلم الناس أن الله هو الحق الأحد، وأن من سواه وما سواه عباد مقهورون بقهره، إذ كان المجتمع الإنساني قبل الإسلام هاويًا في الحضيض الأسفل لم يبلغ رقيه مبلغ كمال بعض أنواع الحيوانات التي تتفاوت كالنمل والنحل والقردة وذلك لأن المجتمع كان يمثل برية يسكنها أنواع كثيرة من الوحوش والغزلان والطير حتى أنقذهم الله بنور الرسالة المحمدية فتحقق كل مسلم أن ما عدا الإنسان مسخر للإنسان، وأن الإنسان هو النوع الوسط الذي خلقه الله تعالى بيديه وجعله خليفة عنه سبحانه، واراد له بهذه الخلافة العزة لكن المسلمين قد تأخروا بإهمالهم أحكام دينهم ولو أن المسلمين حافظوا على ما كان عليه السلف لدام لهم المجد الأول والعزة قال الله تعالى: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) المنافقون/8 وقال تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) النور55/ ، ولم يرتق أهل أوروبا إلا بعد أن تخلوا عن دينهم وقلدوا رجال العلم والعمل في المسلمين في ما جملهم الله به من العلوم القرآنية، وبالعكس فالمسلمون انحطوا قدرًا لما تهاونوا بأحكام دينهم .وتاسيسا على هذا يتبين فضل السماء على الانسان ، حيث اراد الله سبحانه وتعالى السمو والرفعة للانسان من خلال اتباع ما ورد في كتابه المحكم (القران ) الذي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) فصلت/42 ، حيث يظهر لنا التاريخ كيف كان يعيش الانسان وكيف تدنت رتبته حتى وصلت الى منزلة اقل من منزلة البهائم الراتعة لأن البهائم لا تنقاد مذللة إلا بالقوة القاهرة، والإنسان قبل القرآن انقاد بقوة فكره وعقله مختارًا لإنسانٍ مثله فجعله إلهًا يعبد، أو لصورة صنعها بيده واتخذها إلهًا هذا ما كان عليه الإنسان قبل القرآن .
من هذا يتضح ان القرآن الكريم هو النجاة من الهول في الدنيا والآخرة ، والقرآن هو سبيل الحظوة بالحسنى في الدنيا والآخرة فلا تعملوا عملا حتى يظهر لكم من القرآن الحكيم حكمه فإن أحل فاعملوا وإن حذر فامتنعوا اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون. لذا اصبح من الضروري استنطاق بل قراءة جديدة للتاريخ بل للحياة برمتها بدس مجسات تحليلية واعية الى خبايا تلك الحياة وما ارسلته السماء لايقاظ هؤلاء من سباتهم الطويل فكان لابد من الاستعانة بآيات القرآن الكريم، والتعمق باغوارها وفهم تفسيرها ليتسنى لنا التعرف على طبيعة ذلك المجتمع وتكوينه النفسي والاقتصادي والثقافي والعقائدي والاجتماعي، وستنطق تلك السور المباركة عن أوضاع العرب وطبيعة أصحاب الديانات السماوية والوثنية، وما وصلت إليه من تردّ وسقوط، والى ما الت اليه اوضاعهم بل صورهم المأساوية واوضاعهم المتخلفة التي كانوا يعيشهونها، ومقدار التخلف والانحطاط بكل معانيه، وكيف كان الجهل والأمية والخرافة تسيطر على الجزيرة العربية وتعبث بالعقول والمعتقدات، مع التذكير أن مكة كانت بلد التوحيد، ومنطلق الإيمان أيام إبراهيم وإسماعيل (ع)، اللذان بعثا قبل بعثة نبينا محمد (ص) بأربعة آلاف سنة تقريباً. فقد دعا إبراهيم وولده إسماعيل (ع) بدعوة الإصلاح والتوحيد، وأسّسا البيت الحرام، وجعلاه بيتاً للتوحيد وعبادة الرحمن. لقد حكى القرآن هذه الحقيقة ووضحها بقوله: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) الحج26/ . كما صوّر لنا القرآن الكريم كيف هاجم أصحاب رؤوس المال الجشعين، بقوله تعالى : ( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً ) الإسراء31/ ، وإذا كانت هذه هي عقيدة العرب السائدة آنذاك، وصيغة دياناتهم، فإن الأمم الأكثر حضارة وتقدماً منهم، وهم اليهود والنصارى والمجوس، كانوا أيضاً يعيشون حياة الجاهلية والضلال والانحراف العقائدي والظلم والاضطهاد السياسي والاجتماعي، ويخضعون لتسلط الطواغيت . إن أثر القرآن الكريم على الإنسان أثر عظيم وظاهر لمن تأمل التاريخ والحاضر، وعظمة القرآن من عظمة قائله -جل جلاله- وهو الذي يقول: ( لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ والملائكة يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ) سورة النساء/166 ، فهو شفاء ورحمة ومصدر هدى ونور وسعادة للبشرية كلها. والقرآن يبعث السعادة الكاملة التـي تبعث الأمل والرضا، وتثمر السكينة والاطمئنان، وتحقق الأمن النفسي والروحي للإنسان فيحيا سعيداً هانئاً آمناً مطمئناً.
إن القرآن منهج الحياة، وليس كتاب دين أو كتاب فقه فقط، إنه كتاب معجز جامع، جمع بين دفتيه كل صنوف الحكمة والعلم، وجميع دروب المثـل والأخلاق العليا والأدب، كما قال تعالى: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) الأنعام/38والله يقول: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا ) الرعد /31 فالقرآن له تأثير قويّ على نفوس المؤمنين بالله تعالى، ولقد ضرب لنا الله -عز وجل- مثلاً لذلك، فقال: ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الحشر/21 . من هذا كان يتبين ان الانسان في ذلك الوقت كان مقفرا جافا فهو كالارض الجرداء ، كان فطريا وساذجا الى الحد الذي يحتاج فيه الى صياغة جديدة وتربية وتهذيب جديد ، لذا ورد قوله تعالى : في سورة الرحمن(عَلَّمَ الْقُرْآنَ) قبل (خَلَقَ الْإِنسَانَ) ، والسؤال : لماذا ذكر في سورة الرحمن : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) قبل (خَلَقَ الْإِنسَانَ) ، وعلمه لمن ؟ والجواب : في هذه السورة العظيمة من سور القرآن الكريم يبين الله سبحانه وتعالى إلى خلقه نعمه ، وآلائه التي ملأت أرجاء السماء والأرض ، يذكرهم بها ، ويلزمهم طاعته وابتغاء مرضاته بل عبوديتهم له عز وجل. ولما كان القرآن الكريم النعمة الكبرى والآية العظمى التي أنزلت على الإنسانية جمعاء ، بدأ بها الله عز وجل ، وقدمها على كل شيء ، حتى على خلق الإنسان نفسه ، ليوحي بذلك إلى الغاية التي خلق الإنسان من أجلها ، وهي معرفة وحي الله والالتزام به ، فلا يشتغل الإنسان بالخلق عن الخالق ، ولا بالوسيلة عن المقصد . وذكر الله تعالى خلق الإنسان بعد ذِكْر تعليم القرآن ليبين أن الإنسان هو المقصود بتعليم القرآن . قال الله تعالى : ( الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الإنْسَانَ . عَلَّمَهُ الْبَيَانَ الرحمن/1-4. قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله :"ولما عدّد نعمه تعالى ، بدأ مِن نِعَمه بما هو أعلى رتبها ، وهو تعليم القرآن ، إذ هو عماد الدين ونجاة من استمسك به.ولما ذكر تعليم القرآن ولم يذكر المعلَّم ، ذكره بعد في قوله : (خَلَقَ الإنْسَانَ) ، ليُعلم أنه المقصود بالتعليم" ."البحر المحيط" (10/187) . وقال الألوسي رحمه الله : "ثم أتبع سبحانه نعمة تعليم القرآن بخلق الإنسان فقال تعالى : (خَلَقَ الإنْسَانَ) ؛ لأن أصل النعم عليه ، وإنما قدم ما قدم منها لأنه أعظمها ، وقيل : لأنه مشير إلى الغاية من خلق الإنسان ، وهو كماله في قوة العلم ، والغاية متقدمة على ذي الغاية ذِهْنًا ، وإن كان الأمر بالعكس خارجا".
وانطلاقا من هذه الرؤية اصبح علينا لزاما التدبر والتفكر في سور القران الكريم والايغال فيها للافادة مما ورد فيها ، ولاتقتصر الافادة من احترازه للتبرك او ان تكون في احسن حالته "القراءة " ، بل قراءة التدبر والتفحص لاستقاء المعلومة من نبعها الصافي " القران " والا فسنحشر مع الذين قال عنهم القران : "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " الجمعة /5 .