ظاهر الدنيا و..2 -معد البطاط- استراليا

Mon, 6 Jun 2011 الساعة : 0:46

بسم الله الرحمن الرحيم
لترابط الموضوع نضع وصلة الحلقة الاولى
http://www.nasiriyah.org/ara/post/1510
مثال للتوضيح
ذكرنا أنَّ لكل شيءٍ باطناً، فللقرآن الكريم باطن بل بطون وكذا للكون ولتقريب المعنى نقول:
إننا نرى في هذا الكون هذه الكائنات من جماد ونبات وحيوان ونشاهده بأعيننا متناسقاً بهذا الشكل, ولكن هناك عالماً آخر مخفيٌ، عنا وهو عالم الجراثيم والمكروبات وما شابه وحينما نسلط المجهر يخرج لنا هذا العالم الغير مرئي.
وهناك عالم آخر وهو عالم الذبذبات والقوة الكهربائية والبث وما شابهه , فنحن نرى سلكا كهربائيا هادئا ولكنه طافح بالقوة الكهربائية بمجرد أن تلمسه يصعقك صعقة قاتلة, ومثل هذه الذبذبات والبث لا نراه ولكن حينما نضع اللاقط (Receiver) والتلفزيون تظهر لنا هذه الأصوات والصور
وهناك عالم الجن والملائكة والشياطين وهكذا.
وبما يخص الرؤية والسمع والتعقل القلبي يمكننا أن نمثل له بالاحلام والرؤى، فنحن في عالم الأحلام نشاهد ونتعقل ونسمع ونركض وغير ذلك، بينما أعضاءنا الخارجية في معزل عن ذلك، أي أننا نرى بغير البصر ونسمع بغير الأذن وهكذا. أما اذا وصل الانسان الى اليقين فهو يرى بقلبه حقائق الاشياء من غير شك ولا شبهة.
فإن كان عالم المكروبات لانراه الا بالمجهر، وعالم البث لانراه إلا بالأجهزة الملائمة فعالم الباطن وارتباط الموجودات بالله سبحانه وحقيقة قبح الذنوب لانراها الا بأدوات خاصة و إليك البيان .

الطريق الموصِل إلى رؤية الباطن:
لقد بيَّن لنا القرآن الكريم أن لهذا الكون باطناً، و بيَّن لنا أيضا الطرق الموصلة إليه، و بيَّن كذلك الموانع التي تمنع العبد من الوصول إلى الباطن.
فما هو المانع الذي يجعلنا بمعزل عن حقائق الاشياء؟
وما هو الحاجب الذي يحجبنا عن رؤية الملكوت؟
يجيبنا سبحانه على ذلك بقوله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( 14 ) كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( 15 )... كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين ( 18 ) وما أدراك ما عليون ( 19 ) كتاب مرقوم ( 20 ) يشهده المقربون )22 المطففين
تبين الايات الكريمة-وهي تتكلم عن الفجار والأبرار والمقربين - أنَّ اكتساب الذنوب يسبب ريناً على قلب الإنسان فيمنعه من الرؤية. والرين في اللغة هو صدأ يعلو الشيء الجليل والنفيس، وقبال هؤلاء يكون الأبرار وكتابهم في عليين في ذلك المكان العال، ولكن المقربين الذين طهروا قلوبهم من الرين ورجاسة الذنوب يُكشف لهم فيرون كتاب الأبرار والذي هو في العالم العلوي و قد فسِّر الكتاب بالقضاء الذي فيه أعمالهم .
وإذا عرفنا من خلال هذه الآيات الكريمة أن قسما من الناس يكتسبون الذنوب فتسبب حجاباً بينهم وبين الله، وأنَّ قسما آخر -بسبب ابتعاده عن المعاصي واكتسابه الطاعة- يُقرَّبُ منه سبحانه، فيُكشف له، و يرى كتاب الأبرار الذي هو في عليين, نعرف أن الذنوب حاجبة عن رؤية الباطن و أن الطاعة كاشفة ورافعة للحجب
الآية الثانية التي نذكرها قوله تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)الحجر 99
في هذه الآية يأمرنا الله بالعبادة والعبودية لله حتى يأتينا اليقين
واذا جمعنا بين هذه الآية وقوله تعالى: (كلا لو تعلمون علم اليقين ( 5 ) لتروُّن الجحيم ( 6 ) ثم لتروُّنها عين اليقين)التكاثر 7
يتبين أن الذي يصل إلى اليقين يكشف له ويرى الجحيم, قبل الآخرة كون الاية اللاحقة تذكر: ثم لترونها، أي أن هذه الرؤية غير الرؤية الأخروية, ففي الآخرة لا تختص رؤية الجحيم بأهل اليقين.
وهو نظير قوله تعالى: (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) الانعام 75
فإبراهيم عليه السلام كُشف له ملكوت السموات والأرض حتى يكون في زمرة الموقنين
واذا كانت السماء الدنيا المزينة بزينة الكواكب تقاس بالسنين الضوئية لسعتها نعلم عند اذ عظمة رؤية ملكوت السموات.
وبهذا يتضح أن الذي يصل إلى اليقين برفع حجب المعاصي و الإخلاص في العبادة، يُكشف له ويرى باطن الأشياء، كلٌ حسب درجته , ولنذكر جوانب أخرى للإيضاح:
قال تعالى: (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما). الكهف 65
الاية الكريمة تتحدث عن الخضر و أن علمه ليس علما عاديا بالتعلم بل هو (من لدنا) علمٌ لدنّي
يهبه الله لمن عشقه واتقاه.
قال تعالى: (..واتقوا الله ويعلمكم الله..)البقرة 282
هذه الآية تقرر لنا أمراً غير عادي وهو: إن لتعلم العلوم الظاهرية طرقاً معروفة، و هي التي بنيت لأجلها المدارس والجامعات , ولكن هناك طريقاً آخر للتعلم و لرؤية الباطن وحقائق الاشياء وهو طريق التقوى باجتناب المحرمات و إقامة الواجبات و إليه أشار الحديث المنسوب الى النبي(صلى الله عليه و آله): (ليس العلم بكثرة التعلم ، إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه ) فكلما تقرب العبد إلى مولاه، فتح الله له بابا من معرفته (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) العنكبوت69
وهكذا خطوة خطوة (ومن عمل بما علم علمه الله ما لا يعلم) حتى يكشف الله له الباطن حسب درجته
فبالتقوى يعلمنا الله –كما تشير الآية والحديث –و إليه يشير الإمام زين العابدين(ع) فيما روي عنه في مناجاة العارفين:
(..إلهي فاجعلنا من الذين ترسخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم ، وأخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم، فهم إلى أوكار الأفكار يأوون، وفي رياض القرب والمكاشفة يرتعون ومن حياض المحبة بكأس الملاطفة يكرعون، وشرائع المصافاة يردون. قد كُشف الغطاء عن أبصارهم، وانجلت ظلمة الريب عن عقائدهم وضمائرهم، وانتفت مخالجة الشك عن قلوبهم وسرائرهم، وانشرحت بتحقيق المعرفة صدورُهم..)
وهناك قصص كثيرة لمكاشفات العرفاء - حتى من غير أهل العلم - ولكنهم عادة يتكتمون، فقد كان لي قريب صغيرٌ مع أبيه في الأهوار، وبعد الانتفاضة انتقل الى إيران فأدخله أبوه في الحوزة، فهو جاء من صفاء الهور قبيل بلوغه ثم دخل الحوزة وكان والده متدينا فساعده ذلك على الابتعاد عن الذنوب وأخذ العلم –وخصوصا علم الأخلاق –مثل كتاب جامع السعادات، بصدق وتطبيق فكان ينقل لي بعض ما يفيض الله عليه في تلك الفترة .
وصديقٌ آخر أعدم صدام أباه و أعمامه الثلاثة، وكان هو في المتوسطة، فوجد من يرشده إلى الطاعة و حب الله, نقل لي امراً عجيبا من هذا النوع من العلم حصل له في ليلة كان هو قد نذر أن يصلي فيها خمسين ركعة, وآخر كشف له قبل النوم وهو يهلل الله أن الموجودات بأجمعها تهلل معه من لحافه المتدثر به إلى عنان السماء ومثل هذا كثير.
الغفلة:
قال تعالى: (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )ق 22
والغفلة لا تكون إلا عن شيءٍ موجودٍ قابلٍ للالتفات إليه, و سبب الغفلة انشغال القلب بأمرٍ، يجعله لا يلتفت مع هذا الانشغال إلى الأمر الآخر، حتى لو كان هذا الأخير أهمَّ من الأول، فمن اشتغل بالذنوب يغفل عن الله سبحانه، و الطريق إلى رفع هذه الغفلة هو تخلية القلب من الذنوب وتحليته بالطاعة والحب الإلهي، فقد روي عن الصادق(ع) : (وهل الدين الا الحب). و هذه التخلية و التحلية، تجعل المرء واعياً لما غفل عنه العصاة ولم يروه الا بعد كشف الغطاء بالموت وقد روي عن النبي(ص): (موتوا قبل أن تموتوا)
و قد روي عن الصادق عليه السلام : (لولا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لرأوا ملكوت السماوات والأرض)

يتبع ان شاء الله
 

Share |