العمال وخرافة الشيوعية -نعيم كرم الله الحسان -الناصرية

Sun, 6 May 2012 الساعة : 9:06

بعد منتصف عقد الثمانينات وبعد سلسلة من الرؤساء المسنين والمرضى الذين تعاقبوا على زعامة الاتحاد السوفيتي ابتدائاً من اليونيد برجينيف مروراً بأندربوف وتشرنكو وقف صانع الرؤساء في الاتحاد السوفيتي ورئيس الدبلوماسية السوفيتية اثناء الحرب الباردة اندريه غروميكو ليقول اثناء حفل تنصيب ميخائيل غرباتشوف رئيساً للاتحاد : اليوم لدينا زعامة شابة ورجل له ابتسامة جذابة ولكن لديه اسنان حديدية واعتقد ان كلام غروميكو هذا جاء على نحو النبوءة فتلك الاسنان التي وصفها بالحديدية قد مزقت الاتحاد السوفيتي بعد سبعين عاماً من دكتاتورية البروليتاريا .
فما أن بدء عهد غرباتشوف حتى اعلن عن ستراتيجيته الجديدة والتي اسماها بالكلاسنوست وتعني المكاشفة لأنه حسب تعبيره جاء ليعتلي مرجلاً يغلي فاما ان يكشف غطاءه او يدعه لكي ينفجر .
ولكي لا ينفجر المرجل والذي هو الاتحاد السوفيتي قال علينا ان نبدء بالبيروسترويكا وتعني إعادة البناء والحقيقة التي اثبتتها الايام انها لم تكن عملية اعادة بناء وانما موكب كبير واحتفالي لتشييع جثمان الاتحاد السوفيتي وموت الخرافة التي ابتكرها خيال ماركس وناضل من اجلها لينين وجماعته البلاشفة الذين استولوا على الثورة الروسية في مطلع القرن العشرين .
فمنذ ان ظهر ماركس وماديته التأريخية وما نظٌر في كل ادبياته ابتداءاً من رأس المال الى المانفستو الشيوعي الاول كان يطغى عليها الحرب على الرأسمالية وحتمية اندحارها على يد الطبقة العاملة حيث كان يعتقد بأن الرأسمالية لا تستطيع ان تجدد نفسها وان مستقبل العالم سيكون شيوعياً من خلال حتمية الصراع الطبقي وصولاً الى المرحلة الاخيرة التي تختفي فيها الطبقات والبنى الفوقية للمجتمع كالدولة والاسرة وغيرها .
والحقيقة ان تنظيرات الشيوعية النهائية اشبه بالفانتازيا ومع ذلك كله ومما لا يسع المجال لشرحه وتفصيله ابتدأ البلاء الحقيقي للعالم بالخرافة الشيوعية منذ مطلع القرن العشرين وقيام الاتحاد السوفيتي المكون من سبعة عشر دولة اصبح في حقيقة الامر امبراطورية الشر القائمة على إلغاء اي معلم من معالم الانسانية وتطلعاتها الروحية .
وفي عهد ستالين تجسد البعد القاسي لهمجية الشر وظهرت مرحلة جديدة من تأريخ عذابات الانسان على هذه الارض .
مرحلة تجسد فيها السحق التوتالتاري ومحو انسانية الانسان حيث معسكرات الاعتقال ومنافي سيبيريا وفضاعات الحروب الداخلية والخارجية .
بالأضافة الى هذا كله كبرت الخرافة ونمت دول وحركات يسارية في العالم يقودها ويغذيها الاتحاد السوفيتي وذهب الملايين من ابناء البشر ضحايا من جراء الانظمة الشيوعية الشمولية احادية النظرة .
وقد جسد أدباء روس السحق الذي عانى منه المجتمع الروسي على يد هيمة الشيوعية وسلطتها المطلقة بروايات زخر فيها امل الانسان وكفاحه من اجل التخلص من العذاب الذي سببته له الشيوعية مثل (روايه الدون الهادئ , ورواية وداعاً غولساري وغيرها من الروائع التي ذاع صيتها كوثائق حية تدون الكفاح المرير من اجل الخلاص من الحياة الفجة التي فرضتها الشيوعية .
كل هذا التاريخ الحافل بالموت والدمار وانهار من الدماء وتدمير مجتمعات برمتها وبعد سبعين عاماً من الجو الخانق وما حفل به وقف بوريس يلسن الساعد الايمن لغرباتشوف وعندما سؤل عن مستقبل الشيوعية شطب على التاريخ الشيوعي الحافل بالدم برمته بعبارة صغيرة اختصرت عشرات العقود من الزمن قائلاً (نحن نريد العودة الى اقتصاد السوق) .
فماذا جنى العمال من خرافة الشيوعية .

Share |