محنة الشاعر عيسى الياسري الذي حمل اسمه أول مهرجانات النور في العراق-لطيف عبد سالم العكيلي

Thu, 3 May 2012 الساعة : 14:41

انا طفلك يا حقول بلادي البعيدة
على شواطئك ِ تركتُ آثار أقدامي ... عيسى الياسري
شكل مهرجان النور الثالث الذي أقامته مؤسسة النور للثقافة والإعلام للمرة الأولى في العراق على قاعات بغداد وكربلاء المقدسة فيما تأخر من أيام العام 2008 م اللبنة الأساسية الأولى لانطلاق جائزة النور للإبداع التي حملت في نسختها الأولى اسم شاعر العراق الكبير المغترب في كندا منذ أواخر القرن الماضي عيسى حسن الياسري الذي يصنفه النقاد والمهتمين بالشأن الثقافي في طليعة الشعراء العراقيين والعرب على وفق بصمته المميزة التي تركها في الشعر العراقي والعربي منذ بواكير سيرته الشعرية التي مضى عليها ما يقرب من نصف عقد من الزمان .
ولعل من المناسب ان نقتطف بعض مما سطره شاعرنا الجنوبي في رسالته التي بعثها من منفاه إلى المشاركين بمهرجان النور الثالث للإبداع / دورة الشاعرعيسى حسن الياسري التي قراها نيابة عنه الشاعر جواد الصالح مفتتحا بها فعاليات المهرجان الذي أقيم على قاعة المسرح الوطني في 21 كانون الأول 2008 م :
كم هو بسيط ومسالم وبريء حلم هذا الكائن .. بيده غصن زيتون .. على كتفه تستريح حمامة .. وعلى شفتيه أغنية تبشر بإطلالة نهار يحمل بيده منجلا ّ تبرق كخيوط شمس نظيفة .. منجلا ًتمسك بها يد معروفة اعتادت أن تحصد برابرة الظلام و الكراهية والشر لتفتح للكائن الإنساني دروب الحرية والحب والسلام ..
كم هي جميلة وصغيرة أحلامك أنت َ يا من تنثر بذور قصائدك .. ومطر موسيقاك ..
أنت يا من تحب أن تجلس فوق أعلى قمة لتمسك فرشاتك وترسم حلم مدن شبيهة بقلب أم حنونة ..وحقول يتجول فيها المطر ..والضوء .. وشعر امرأة يسرحه النسيم .
هذه الأحلام الصغيرة كجناح فراشة .. الساحرة كضحكة طفل .. المباركة كمحراث .. والبيضاء كورقة تنتظر من يدون عليها أغنية دافئة كموقد كوخ دافئ .. أحلام كهذي والتي لايمكن لها أن تدحرج كرسيا نخره ( العث ) أو ( صولجانا ً ) مقوسا ً كظهر يجيد الانحناء .. لماذا تطرد عصافيرها العاصفة ...... ؟ ويطاردها العسس حتى الحافات القطبية من الأرض .... ؟ ، حيث الظلام بكثافته التي تعصر القلب .. والرياح الحزينة التي لا تتعب من النحيب .. والثلوج التي تطمر آخر عشبه لم تذبل بعد .
لكن هل يمكن لكل ظلام العالم ..وقراصنة تكميم فم الأغنية أن يطفئوا أصغر حلم .. فكيف وقد نمت في حقل( النور ) الذي يحرسه رغم البرد والظلام واحد من طيورنا المغتربة .. هل ( أسميته أحمد الصائغ )...... ؟
في حقل ( النور) هذا ..والذي يضيئنا أحياء ً.. نمت شتلات من أحلام لاحصر لها .. أحلام تردد أغنية ( عراق ) يولد فيه الإنسان ببراءة طفل .. وبأصابع عاشق شبيهة براقص( باليه ).. ومتى اقترب من عصافير الحقل لا تهرب منه فزعة ً .
ما يبعث على الحزن والأسى ان ما وردنا من أخبار الشاعر عيسى حسن الياسري تتمحور حول تداعيات المحنة الحقيقية التي يعيشها في الوقت الحاضر بمنفاه في كندا بعيدا عن الأهل ؛ بفعل اشتداد أزمته الصحية التي جعلته يرسم في سطور رسالته التي أرسلها إلى احد الأحبة الأوفياء ونشرت في بعض الصحف المحلية تخوفه من احتمال تجفيف مصدر تسجيل منجزه الثقافي الرئيس ؛ نتيجة تنامي علامات المرض الذي يمكن أن يعرض يديه إلى الشلل التام .
الأستاذ عيسى الياسري الشاعر والإنسان المتيم بحب بلده العراق الذي غادره مجبرا ، لم يركن إلى السكون في عالم الغربة الواسع ، حيث كان حريصا على مد جسور المحبة والمودة مع الوطن والأحبة وأمه الكبيرة ( العمارة ) عبر مجموعاته الشعرية التي انجزها في بلاد المهجر وأضافها إلى منجزه الشعري الذي بدأه عام 1973 في بغداد ، فضلا عن روايته التي الموسومة ( ايام قرية المحسنة ).
قراك القصبية تنقرض كسلالات نادرة
اثنان فجعت بهما
أنت ..., وشيء يقال له الشعر
ماذا لو قلت لأطفالك
أن يقفوا عند جميع الأبواب عدا باب الحلم....?
وها أنذا آهرب ..وأعود ..وأهرب ثانية
في اليوم ..ألعنك ..وأبكيك أكثر من مرة
وعلى وفق ما تقدم ، فان المؤسسة الثقافية بجميع مفاصلها الحكومية والنقابية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني ، تترتب عليها التزامات وطنية وإنسانية ومهنية وأخلاقية تجاه ما يمر به شاعرنا الجنوبي الأستاذ عيسى حسن الياسري من وضع صحي صعب يتطلب مبادرة إدارة القطاع الثقافي العراقي إلى اتخاذ خطوة جريئة تنصف قاماتنا الثقافية والعلمية والفنية . إنها دعوة إلى جميع الأخوات والإخوة المهتمين بالشأن الثقافي والمتابعين لمسيرة الحركة الثقافية لإبداء مايرونه مناسبا من الآراء حول الموضوع ، فمن غير المعقول أن تتكرر صور الماسي التي عاشها السياب وعقيل علي وفؤاد سالم وكثير غيرهم ، ولنا عودة ثانية بإذنه تعالى .
بي حاجة أن أغمض عينيّ
أريد أن أرى ( بغداد )
وقد نفضت عن وجهها الغبارْ
وأن أراكِ وقد أشعلتِ شموعكِ في..
طريق جلجلتي
المهندس لطيف عبد سالم العكيلي / باحث وكاتب صحفي [email protected]

 

Share |