جماهيرية الفن وحدود الموقف -عبد الكريم ابراهيم - بغداد
Sat, 4 Jun 2011 الساعة : 15:17

منذ عصور الفجر الاولى للتاريخ عبر الانسان عن علاقته بالفن من خلال الرسومات والمنحوتات التي وجدت على جدران الكهوف ،لتتطور هذه العلاقة بتطور المجتمع ورقيه ،حتى وصل الفن من القدرة والتأثير على تغيير انظمة وحكومات بكلمة او مسرحية او ضربة فرشاة .
هنا اصبح للفن مفهوما جماهيريا ؛ لانه استطاع ايصال مشاعر الشارع بطريقة ما .من اجل الحد من تأثير هذا الاسلوب الحضاري وتحجيمه ،لجأت بعض الانظمة الحاكمة الى ايجاد قوة مضادة هي فن الدولة لضرب المقابل بنفس السلاح ، وبهذا التوجه انقسم الفنانون الى فريقين ،الاول محسوب على السلطة ويتلقى اوامرها منها وينفذ تطلعاتها ،وفريق انصهر مع الشعب اوحاكى رؤاه وامنياته في الحرية والديمقراطية والنقد المثمر .
المنطقة العربية وبعض حكامها من اكثر مناطق العالم تأسيسا لمفهوم فن الدولة ،للحيلولة دون خروج الامور في غير صالحها ،لذا عمدت على شراء نجومية بعض الفنانين وتجميد اخرين ،وحيانا اعتماد اسلوب صناعة الفنان من الصفر ،ولعل مصر من اكثر بلدان المنطقة لوعة في صناعة النجوم بحكم ما تملكه من ماكنة اعلامية استطاعت خلال قرن من الزمن من تصدير انتاجها الى بقية الشعوب العربية ،بل وصل الامر بها الى فرض لهجتها الدراجة على مواطني المنطقة برمتها ،واتخاذها لغة للتفاهم بينهم . ضخامة الانتاج وتصديره الى خارج حدود البلد ساهم في رفع الشأن الفن المصري وبالتالي انعكس ذلك على مدخولات الفنانين بفعل وجود هامش من الحرية البسيطة الذي كان يؤطر الساحة الفنية المصرية ،ولكن تبقى هناك ثوابت لايمكن تخطيها وهي مصلحة النظام القائم او كما يحب ان يطلق عليها البعض الامن القومي ،لذا سعت الدولة الى جذب بعض الفنانين بصفها من اجل الاستفادة منهم في تحسين صورتها امام الشعب والعالم ،كما في افلام ( زواج بقرار جمهوري ، طباخ الريس ، السفارة في العمارة ، الارهابي وغيرها ) .هذا الاسلوب ظهر منذ ثورة 1952 وسيطرة العسكرعلى الحكم وتامين الشركات الاهلية الكبرى ووضع قيود على القطاع الخاص ، ما جعل الامور تدور في فلك الدولة ،ومن يخرج عن هذا المحور ،تكون نتيجته العزلة والمحاربة . بعد ثورة 25 يناير تغير الموقف واصبح الفنانون على المحك ماجعلهم ينقسمون الى فريقين :الاول عليه رد الجميل والوفاء لولي النعمة وان يندد بثورة الشباب ويعدها من امور البلطجة والعمالة الخارجية وغيرها من شعارات النظام الجاهزة ،اما الفريق الثاني فقد امتلك الجرأة في مساندة الشارع المصري في مطالبه ،بل شارك المتظاهرين احداث ميدان التحرير .
مشكلة الفنانين لم تتوقف عند رحيل مبارك عن السلطة ،بل زادت تعقيدا وحدة ، تراجعت جماهيرية فئة وارتفعت اسهم بورصة فئة اخرى ،تبعا للموقف الذي حدد حجم شعبية الفنان عند شباك التذاكر ، حيث الغت شركات انتاجية عقودها مع فنانين بعد ان ضاقت بهم السبل ونبذتهم الجماهير ،لايمكن ان تتساوى شعبية محمد منير وخالد الصاوي ويوسف خالد مع طلعت زكريا وعادل امام وغادة عبد الرزاق ؛لان الموقف هو الذي احكم قبضته على مشاعر المشاهدين ،وكيفية تمييز بين فنان الدولة وفنان الجماهير .