قدسية العمل في الإسلام- السيد صباح بهبهاني- ألمانيا

Mon, 30 Apr 2012 الساعة : 15:57

 فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ﴾. الجمعة 10
لقد قدس الإسلام العمل وكرم العاملين والمنتجين واعتبره شرفا وجهادا وصورة معبرة عن ذات الإنسان واستعداداته.. فبالعمل يؤدي الإنسان رسالته الاعمارية في هذه الأرض ..وبالعمل يتطابق مع دعوة القران إلى الأعمار والإصلاح في هذه الأرض ..ولذا قال تعالى : ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها ) هود61
ومن هذه الدعوة الصريحة حث الإسلام على العمل وحارب الكسل والاتكالية ودعي إلى الجد وبذل الجهد من اجل تحصيل الرزق والانتفاع بطيبات الحياة وأعمار الأرض وإصلاحها . وقد ضرب الرسول صبى الله عليه وآله وخلفاؤه رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في الجد وممارسة العمل والنزول إلى ميدان الحياة فلم يستخفوا بالعمل ولم يحتقروا العاملين ، بل كرموا العمل والعاملين واستنكروا الخمول والاتكالية والكسل ، لأن العمل في عرف الإسلام هو بذل الجهد من اجل إشباع حاجة إنسانية محللة .. وهو ضرب من ضروب العبادة وتحقيق لإرادة الله وحكمته في الأرض والسعي لبناء وفق مشيئته تبارك وتعالى ..ولكي يحقق الإسلام فكرته هذه جعل إشباع الحاجات الشخصية واجبة من حيث الأساس على الإنسان نفسه ،لكي لا يتوانى عن الكسب ومباشرة العمل بنفسه ولذلك وضعت الشريعة الإسلامية فروض ..على إعطاء الزكاة للفقراء القادرين على العمل والكسب ..إلا إذا خرجوا للكسب ولم يحصلوا على شئ ..فان هو عجز عن توفير حاجاته كاملة انتقلت مسؤولية إشباع هذه الحاجات إلى الداخلين معه في علاقات النفقة والتكافل كالآباء والأبناء والأرحام فإذا تعذر النهوض بمسؤولية الكفالة هذه وإشباع الحاجات الضرورية انتقلت المسؤولية إلى المجتمع ..أو الضمان الاجتماعي للدولة.
ولكي يتجلى للفرد اهتمام الإسلام بالعمل والإنتاج ..أوضح جملة من النصوص والمواقف التي تؤكد حرص الإسلام عليهما وحثه على تنمية الثروة لأعمار الأرض وإنما الحضارة والاستمتاع بطيبات الحياة وإسعاد الإنسان وربط كل ذلك برباط الأيمان والتوجه الشكور إلى الله سبحانه قال تعالى : كما ذكرت أعلاه من سورة الجمعة 10 وقال تعالى :( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور) الملك15 وقال خير الثقلين حبيب الله صلى الله عليه وآله : ( إن أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم : رجل يدعو على والديه ، ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه ولم يشهد عليه ، ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله عز وجل تخليت سبيلها بيده ،ورجل يقعد في بيته ويقول : رب ارزقني ، ولا يخرج ولا يطلب الرزق ، فيقول الله عز وجل له : عبدي ، ألم اجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة ، فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ، ولكيلا تكون كلا على اهلك ،فان شئت رزقتك وإن شئت قترت عليك ،وأنت غير معذور عندي..وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ( ملعون من ألقى كله على الناس) وعن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : رسول الله عليه السلام (العبادة سبعون جزءا ، أفضلها طلب الحلال)..وعن الإمام الصادق عليه السلام: ( لا خير في من لا يحب جمع المال من حلال ، يكف به وجهه، ويقضي به دينه ، ويصل به رحمه) وروى الإمام أبو الحسن علي بن موسى عن أبيه (رضوان الله عليهم قال: (قال أبي لبعض ولده : إياك والكسل والضجر فانهما يمنعانك من حظك من الدنيا والآخرة) وقال الإمام الصادق عليه السلام: (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله) وقال أبي الحسن كرم الله وجهه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت ) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله(ما من مسلم زرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه الإنسان أو دابته إلا وكتب الله له به صدقة) ولم تكن يا أعزة هذه الأقوال الرائعة التي تقدس العمل وتدفعه إلى مستوى الجهاد والعبادات وأقوالا قيلت لتحفظ في بطون الكتب أو في أذهان الحفاظ ..بل هي أسس ومبادئ تشريعية وأخلاقية تقوم على قواعد عقائدية إيمانية وضعت ليقوم عليها بناء الحياة المعاشية ، وتشاد على هديها حضارة الإنسان المسلم ويتكون على هداها مفهومه عن العمل والمال والثروة وأعمار الأرض وإصلاح الحياة وملئها بمظاهر النشاط وعطاء الخير المثمر ..لذا يجب على كل فردا أن يقاوم فكرة البطالة وحث أصحابه وإخوانه وأرحامه على العمل ويد بيد لبناء الوطن..وقد جسد عظماء الإسلام هذه الأفكار حقيقة عملية في ساحة العمل فمارسوا الأعمال والأشغال بأيديهم ، فحرثوا الأرض وسقوا وزرعوا واحتطبوا ومارسوا الكثير من الأعمال ، فما أنفوا من عمل حلال وما ترفعوا عليه وان كان متواضعا بسيطا في أعين الناس ، لأن هؤلاء العظماء لم يعدوا نوع العمل أو ضعته ، بل عرفوا قيمة الإنسان في ذاته ، وفهموا العمل المباح وسيلة للكسب زاد أمة الحياة وإنعاشها ..ليكونوا قدوة للأمة المسلمة التي أراد الله لها أن تكون أمة منتجة معطاءة لا تعرف الكسل ولا تركن إلى الاتكالية والخمول لئلا يتدهور كيانها وتضعف مكانتها .. والفت نظرك عزيزي إلى شواهد تاريخية ..والاقتداء بها والكل يعرف سيرة الرسول صلى الله عليه وآله من عمل التجارة ورعي الغنم في حياته قبل النبوة ..و مارس الزارعة وغرس النخيل في المدينة أيام النبوة ، ومثلها أيضا ما رواه القران الكريم عن تأجير النبي موسى عليه السلام لنفسه يشتغل فيها أجيرا في بيت شعيب عليه السلام ..وكان الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أيضا وكان الصديق رضوان الله عليه أيضا عمل والفاروق رضوان الله عليه أيضا عمل وعثمان رض عمل وكان تاجرا وانفق ماله فيها وعلي كرم الله وجهه كان فلاحا وقد روي ) أن أمير المؤمنين علي بن إ بي طالب كان يخرج ومعه أحمال النوى ، فيقال له : يا أبا الحسن ، ما هذا معك ؟ فيقول : نخل إن شاء الله فيغرسه فلم يغادر منه واحدة) وان داود عليه السلام كان حداد والنبي نوح عليه السلام اشتغل نجار والكل يعرف قصته في القران . ومرة أخرى يدا بيد لبناء الوطن.ونعم ما قيل:
وضع من الأوقات شطرا تعمل .. فيه ، وما علمك لولا العمل ؟
واقتف في الطاعة أثار الحجج .. ولج في الخير ، فمن لج ولج
ونور القلب يذكره الحسن .. ودم عليه فهو من خير السنن
وصل في أوقاتها ، وواظب .. على المتمات من الرواتب
واعرج إلى الله بها واستقبل .. بخالص النية وجهه العلي ..وبعد أن فهمنا ما هي منزلة العمل في الإسلام وما قال الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام بأن الجهاد الأكبر هو العمل ؛إذن يداً بيد لتعاون والتآخي وشد السواعد للإلحاق بالعمل وأحياء أكبر الشعائر الدينة وكما قال القدماء زرعوا فأكلنا نزرع ليأكلوا ..ولنحتضن اليتامى والأرامل والمطلقات ظلماً وبناء الوطن والسعي لحياة أفضل ورفع مستوى الوطن عالياً ومشرفاً بين الشعوب العالم المتقدمة والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .ولي رجاء هو إهداء ثواب سورة المباركة الفاتحة مقرونة بالصلوات على محمد وآل محمد لأرواح المؤمنين ولروح أمي وأبي وكان سعيكم مشكور.
 

Share |