السوس ينخر في بيضة القبّان!-رياض الحسيني- الناصرية
Sun, 29 Apr 2012 الساعة : 12:58

كثيرا ماسمعنا وقرأنا في وسائل الاعلام العراقية خصوصا مايسمى "بيضة القبّان" في وصف القائمة الكردستانية باعتبارها مكوّن لايمكن تجاوزه في الخطوط العريضة فضلا عن الجزئيات الدقيقة سواء في تشكيل الحكومة او في تشريعات البرلمان. في الاونة الاخيرة وبعد بروز الخلاف وتطوره بين قائمة أئتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء السيد نوري كامل المالكي والقائمة الكردستانية التي بدت برئاسة السيد مسعود البارزاني وعلى غير العادة طبعا، تبيّن ان "بيضة القبّان" ليست كذلك وان التسمية مبالغ فيها كثيرا؟!
الرحلات المكوكية التي قام بها السيد مسعود البارزاني الى امريكا واوربا وتركيا وحتى السعودية كلها لم تستطع ان تزحزح المالكي عن موقفه الرافض لاستغلال الثروة النفطية العراقية لصالح جهة دون اخرى من مكونات الشعب العراقي. أيضا تحركات البارزاني نحو القائمة العراقية، العدو والغريم الازلي لقائمة ائتلاف دولة القانون لم يجني منها شئ البتة، فالعراقية هي الاخرى كانت تراهن على "بيضة القبان". ذات النتائج السلبية حصل عليها البارزاني في تحركاته نحو التيار الصدري وبعض مكونات الائتلاف الوطني الذي يشكل ائتلاف دولة القانون القلب فيه وحجر الزاوية في محاولة لاستمالتهم عبر وعود ومغانم. لذلك لم يتبق امام البارزاني ومن ثم القائمة الكردستانية الكثير من المناورة وطلب الدعم من الاخرين غير المضي بما بدءه البارزاني من تصعيد غير مبرر اتجاه الحكومة بشكل عام وائتلاف دولة القانون بشكل خاص او الحضور الى بغداد خالي الوفاض من اية اوراق ضغط.
الجدير بالذكر هنا ان ائتلاف دولة القانون يعد الداعم الاكبر للتوجهات الكردية بالمجمل حتى وصل الامر الى الوقوف سندا مع الاكراد اذا مااتخذوا قرارهم بالانفصال عن العراق شريطة اعتماد الحدود الادراية لاقليم كردستان قبل التاسع من نيسان 2003. هذه الورقة التي طالما لوّح بها القادة الاكراد للضغط على الحكومة والبرلمان لكسب المزيد من الدعم والتنازلات هي الاخرى لم تعد ذات جدوى! هنا يبرز حجم االحرج الذي وضع فيه رئيس اقليم كردستان نفسه وقائمته وجميع الاكراد من ورائهم ماعدا قائمة التغيير طبعا التي اثرت اعتماد الحوار الهادئ مع بغداد وعدم الانجرار وراء التصريحات المتشنجة والضغط باوراق لن تأتي بنتيجة فبدت اكثر واقعية من الاخرين. بالامس وقفت قائمة التغيير بالضد من توجهات السيد مسعود البارزاني حول توحيد الخطاب الكردي التصعيدي بمواجهة الحكومة الاتحادية في بغداد وهو مايعطي انطباعا طيبا حول عدم قناعة بعض الاطراف الكردية حول مااوصلها اليه الخطاب البارزاني المتشنج والغير مبرر من تأزم فيما لو استمر اكثر من هذا الحد فانهم سيفقدون اكبر حليف لهم في بغداد بل وفي عموم العراق فضلا عن فقدانهم لاحقا الدعم الدولي الذي يقف الى جهة المالكي وخطواته الاصلاحية ووقوفه ضد الارهاب.
بعد انكشاف هشّ التحالف العربي الكردي واستخدام البارزاني لكل اوراق الضغط المتوفرة لديه على الطاولة الداخلية والدولية صار بامكان رئيس الوزراء نوري المالكي التحرك بحرية وبدون قيود، ففي الوقت الذي كان يشدد فيه البعض على انه لايمكن تجاوز "بيضة القبّان" نجد المالكي قد تجاوزها بل وعلى استعداد لتقبل اي قرار تتخذه ولو ادى ذلك الى فض "التحالف الستراتيجي" بين القائمتين. في ذات السياق اولى تحركات المالكي كانت باتجاه (مفوضية الانتخابات) التي كانت وعلى طول الطريق خطا احمر نظرا لسيطرة الاكراد عليها وعلى مجلسها وهو مااثار حفيظة البارزاني اكثر وجعله يدافع عن مواقع متقدمة كانت محسوبة له انكشف لاحقا انها كانت متقدمة بفضل دعم قائمة ائتلاف دولة القانون لها. تحركات المالكي الواثقة تنذر بامتلاء جعبته باوراق ضغط اكثر مما يتوقعه مناوؤه وهذا ليس بغريب على المتابع للنهج الذي يتبعه الرجل مع خصومه طوال الفترة الماضية حيث يبقى تحديد الزمان والمكان من اختصاصات المالكي والدائرة المقرّبة منه فقط.
كل الاوراق التي لوّح بها السيد البارزاني للضغط على المالكي والحكومة وكل الفعاليات التي من وراءه لم تستطع ان تغيّر مسيرة الخلاف ولم يتبقى الا (الحوار الوطني) الذي سيكون فيه الموقف الكردي اضعف بغياب اسناد دولة القانون والائتلاف الوطني. بيد ان السيد البارزاني قد حاول نسف الدعوة التي اطلقها رئيس الجمهورية جلال الطالباني لعقد الاجتماع الوطني في بغداد في الخامس من نيسان الحالي وذلك من خلال دعوته للكتل السياسية للاجتماع في اربيل الذي لم يجد هو الاخر صدى طيبا ولم يتفاعل معه الائتلاف الوطني. بذلك احترقت كل الاوراق ولم يبق كما اشرنا امام البارزاني الا المجئ الى بغداد وحل خلافاته معها وفقا للدستور وليس لاي اعتبار اخر. البارزاني اظهر عداوة لاكثر الاصدقاء حرصا وتأييدا ولم يعطي اي اعتبار لاي علاقة تربطه بالاصدقاء وتحوّل من موقع المشارك في الحكومة والداعم لها الى الناقم عليها وهو مااثار حفيظة المالكي وائتلاف دولة القانون وحتى الائتلاف الوطني وهو ماسيؤدي حتما الى قراءة مختلفة لمستقبل العلاقة بين الكتلتين وواقع مغاير لن تفرضه التصريحات بقدر ماستفرضه نتائج الانتخابات القادمة وهو مايتخوف منه اعداء المالكي واصدقاؤه على حد سواء. ويبقى السؤال، هل أبقت السوسة شئ من بيضة القبّان؟!