الحيوان في حضارة وادي الرافدين- أباذر الزيدي- كربلاء

Sat, 28 Apr 2012 الساعة : 23:47

ان نشوء الزراعة في العراق القديم قد ساعد الإنسان القديم على الاستقرار وتوسيع ثروته الزراعية التي كانت تعتبر أساس الحياة الاقتصادية وقد اعتمد توسيع تلك الثروة عن طريق الاعتماد على الحيوان الذي استخدم في عمليات الحرث بعد ان كان يستعمل في عملية الصيد بالإضافة إلى الاستفادة من منتجاته كالصوف والجلود والحليب واللحم.
هناك عدة نظريات حول ما الذي دفع الإنسان القديم إلى استخدام الحيوان وتدجينه منها انه قد أباح بوجود أنواع صغيرة من الحيوانات الصغيرة قرب محل سكناه واعتبرها محببة إليه لذلك أخذت تلك الحيوانات تالف الإنسان حتى أصبحت تقترب إليه ولذلك دجنها ولهذا نرى إن حفظ الحيوانات المدللة من قبل الإنسان كان عاملا في تدجين الكلب ۱.
إما النظرية الاخرى فتقول بان التدجين قد أوجده الإنسان لكي يؤمن الاحتياجات الاقتصادية كالحصول على اللحوم والجلود ۲.
والنظرية الثالثة تذكر بان عملية التدجين قد تمت نتيجة وجود علاقات ودية بين الإنسان وبعض الحيوانات وتؤكد على ان الحيوانات الطوطمية(التي اتخذت كرمز الهي) والتي لها تأثيرات خاصة عند الإنسان غالبا ما يكون قتلها محرما، لهذا صارت أليفة ۳ إن دراسة النصوص المسمارية قد عرفتنا عن الكثير من المعلومات عن الحيوانات في حياة الإنسان القديم فقد ذكر فيها العديد من أسماء الحيوانات وأصنافها وكذلك الأشخاص القائمين على تربيتها بالإضافة إلى الحظائر التي كانت تحفظ فيها واهم الحظائر التي وردت في سلالة أور الثالثة هي حضيرة دريهم، نفر، أور وكذلك حضيرة تومال ٤.
سوف أعطي نبذة مختصرة عن الحيوانات التي ورد ذكرها في النصوص المسمارية :
اعتبرت الأسماك في حياة العراقيين القدماء رمزا للحياة والخلود أيضا ٥ وقد ارتبط وجود الأسماك مع إله المياه انكي (أيا) كما ظهرت الأسماك في نصوص الفال والسحر٦ وكذلك ورد ذكرها في التراتيل الملكية والأغاني وطقوس الزواج المقدس ٧ وفي المراثي مثل مرثية أور ٨.
إما بالنسبة للحيوانات البرية فقد كانت لها أهمية كبيرة في حياة الفرد العراقي من خلال الاستفادة منها سواء من ناحية لحومها والبانها وجلودها أو من ناحية الاستفادة منها في ترحاله بالإضافة الى استخدامها في تقديم القرابين ومن اكثر الحيوانات التي استفاد منها الإنسان القديم هي:
الأغنام: حيث عرف الخروف من بين الحيوانات المدجنة منذ أزمان مبكرة وقد ورد ذكره في نصوص الفال مثل فال الولادة وفال المدن٩ وقد اعتبر الحيوان الأمثل في القرابين خصوصا في فؤول الأحشاء التي تجري خلال طقوس معينة ۱۰ كما كان له دور في طقوس السحر والتعاويذ المعدة لرفع الشر .
كما ورد ذكر الماعز حيث استخدم لحمه ولبنه وجلده بالإضافة إلى استخدام أجزاءه في العلاجات الطبية ۱۱ .
إما الثور والبقرة فهما الحيوانان اللذان استفاد منهما العراقي القديم في حياته المعيشية وقد استخدم الثور أول الأمر في جر العربات كما ظهر ذكر ذلك في الاثار الفنية ۱۲ ثم بعد ذلك تطور استخدامه في حرث الأرض وسقي الزرع ولم يكن لحم الثور مادة غذائية مهمة اهتم بها العراقي القديم بل استخدم لحمه أكثر في تقديم القرابين ۱۳ إما بالنسبة للبقرة فقد استفاد منها الإنسان من حليبها ومنتجاتها بالإضافة إلى استخدامها بالحراثة ووصفت البقرة عند العراقيين باعتبارها رمزا للخصب الذي يتجسد بشخصية الأم لذلك ظهرت في فصول فال الولادة ۱٤ وازدياد إعدادها وخصبها دليل على الازدهار الاقتصادي وقلتها وقلة خصوبتها دليل على الفقر والتدهور الاقتصادي .
إما الخنزير فانه ورد بكثرة في النصوص الاقتصادية وقد ظهر بشكل واضح انه كان محرما لدى الناس فمن خلال النصوص الأدبية ظهر لحم الخنزير انه من اللحوم الغير مرغوب بها حيث ذكر كيف ان لحمه لا يصلح إلا للإماء ۱٥ .
إما طير الحمام والذي ورد ذكره في احد النصوص فقد عرف عند العراقيين القدماء في كتاباتهم بسبب طيب لحمه حيث كان يقدم في الولائم والقرابين ۱٦ واقترنت الحمامة بحالات الحزن والخوف في الكتابات لذلك جاءت الحمامة في اوصاف آلهة العاطفة مثل الآلهة اينانا حيث شبهت الآلهة اينانا بالحمامة عندما رثت الإله دموزي بسبب حزنها ۱٧ .
الهوامش والمصادر العربية والأجنبية :-
) Charles Sikger, A History of Technology 1955, Vol. 1, P. 327.
2) F. F. Zeuner "Domesticatin animals" A History of Technology, 1955, Vol. 1, P. 329.
٤) المتولي، نوالة احمد،مدخل لدراسة الحياة الاقتصادية لدولة اور الثالثة،مطبوعات الهيئة العامة للأثار والتراث ،۲۰۰٧ م ،ص۲۰٨.
4) Bolle, Sara, D. Wisdam in Akkadian Litreature, Nether lands, 1992, P. 52.
٥) كريمر، صموئيل نوح ، السومريون، ترجمة فيصل الوائلي، الكويت، ۱٩٧۳، ص۲۳٩.
6) Thompson, K.G. M. 1904, Vol. 1, P. 149.
7) Pritchard, ANET, 1969, P. 641.
وبخصوص الاسماك العراقية وانواعها ينظر:
الدهام،نجم قمر، اسماك العراق والخليج العربي، بغداد، ۱٩٧٧، ج۱، ۲، ۳ .

8) TCS, 4, P. 73- 83.
٩) اوبنهايم،ليو، بلاد ما بين النهرين، ترجمة سعدي فيضي، بغداد، ۱٩٨۱، ص۲٦۰- ۲٦٨، وقد ظهرت الاغنام كبقية الحيوانات في النصوص الادبية من مسؤولية العديد من الآلهة مثل الإله انكي والاله انليل في مناظرة الماشية ينظر:
ANET, P. 575.
10) CAD, E, P. 181.
وكان للماعز دور في الفكر العراقي في عقائد ما بعد الموت من خلال (حلم الامير كوما) حينما يصور احد ارواح الموت براس عنزة في العالم السفلي ينظر:
Ebeling E., Tud und lieben, (Tul), Leipzig, 1931, P. 17.
۱۱) رشيد،فوزي، وسائط النقل المائية والبرية، مجلة النفط والتنمية ٧- ٨، ۱٩٨۱، ص۱۱۳.
۱۲) كونتينيو،جورج، الحياة اليومية في بلاد بابل واشور، ترجمة سليم طه وبرهان التكريتي بغداد، ۱٩٧٩، ص۱٤۲.
حيث يذكر جورج ان اللحم لم يكن يؤلف مادة مهمة في الطعام وان النصوص المسمارية التي تسجل الرسوم الواجبة الدفع عن احد الثيران تشير الى ان الحيوان لم يجري دبحه عمدا وانما مصادفة.
13) CAD, A, P. 263.
4) Gorden E.I., Sumerian Proverbs Phildelophia(1959), P. 144.
اما من خلال الكتابات التاريخية فانه وصف بانه حيوان غير محترم حيث ان الملك دائما يصف اعداءه بالخنازير أو ان يرعوا في وصيته على من يخالفها ان تاكل الخنازير لحمه ينظر:
15) Wisemen, 1973, P. 43.
16) Wisemen, Ibid., P. 35.
17) Jacobsen, Ibid., P. 69.

أباذر راهي سعدون الزيدي
باحث في الدراسات السومرية
[email protected]

 

Share |