التنظيمات الأدارية في بلاد سومر - أباذر الزيدي- كربلاء

Wed, 25 Apr 2012 الساعة : 18:11

شكلت سلالة أور الثالثة ۱ منذ بدايتها أمبراطورية بكل معنى الكلمة أديرت بأحكام ، وأولى الملوك بعض المقاطعات أهتماماً خاصاً لأهميتها ومن أجل تنفيذ مشاريع الدولة الكثيرة في التوسع والأعمار فقد طبق شولگي منذ سنة حكمه الواحدة والعشرين سياسة جديدة لزيادة دخل الدولة لتمكينها من المضي قدماً في خططها فسيطرت الدولة فيها على موارد الإنتاج وصارت المالكة للأراضي والمحتكرة لها وللصناعات إلى جانب المعابد .
وتشير النصوص المتوفرة إلى أن النظام الإداري المركزي الذي أتبعه ملوك أور الثالثة كان على درجة عالية من الكفاءة بل عده البعض أكفاْ نظام أداري قبل العصر الأشوري الحديث وقد أتبع ملوك سلالة أور الثالثة سياسة نقل حكام المدن والمقاطعات من وقت لأخر إلى أماكن أخرى كي لا تزداد روابطهم المحلية وبالتالي قد يتمردون على السلطة المركزية ويعملون على الأنفصال عنه كما تضمنت سياستهم فصل الإدارة المدنية التي أنيطت بحاكم مدني عن الإدارة العسكرية في المدينة التي كان يشرف عليها آمر عسكري يرتبط بالملك مباشرة وبذلك تمكن الملك من ضمان ولاء المدن وعدم حدوث فتن واضطرابات داخلية فيها .
ومن الإجراءات الإدارية التي ابتكرت في عهد سلالة أور الثالثة من اجل تقوية النظام المركزي ، ما يعرف بالزواج الدبلوماسي مع حكام المناطق فالملك اورنمو ۲ كان متزوجاً من ابنة ملك مدينة ماري ( تل الحريري ) ، وزوج خلفاءه بناتهم لحكام المناطق الجبلية . وبالرغم من إن هذه السياسة لها تأثيراً في تقليل ثورات الحكام وتمرداتهم إلا أنها لم تمنع بعضهم من شهر سلاح الثورة ضد السلطة المركزية ۳ .
إن هذا التخصص في السلطات والواجبات لم يأتي بصورة مفاجئة ، فقد سبقته عدة عوامل كان من أهمها ظهور النزاع بين دويلات المدن السومرية وما ترتب على ذلك من اختيار القائد الذي يتولى قيادة الدولة والمواجهة مع بقية المدن فمنحت له صلاحيات واسعة لمواجهة الأخطار المتأتية من بعض المدن ، فأصبحت مهمة القائد حربية بالدرجة الأولى ، وأحيطت المدن بالأسوار خوفاً من تعرضها لهجمات أعدائها حيث أن المدينة التي تستسلم للأعداء يمكن أن تصبح عرضه للنهب أو يتغير نظامها لمصلحة المدينة المستقرة ومنذ حكم شولگي استلزم الكثير من الموظفين في شتى المرافق كالكتبة ومديري المعامل الخاصة بالمعابد والقصور ومديري أملاك التاج وحكام الأقاليم ....الخ وقد أوجد شولگي نظاماً إدارياً موحداً لسومر وأكد مركز مملكته بتعيين حكام مدربين من قبله وإن كانوا من الأسرة الحاكمة في تلك المدن . كما استعان بالقواد العسكريين ( الحكام العسكريين ) والذين كانوا يكتبون تقاريرهم للملك مباشرةً ، وقد تولى إدارة الأقاليم البعيدة عن سومر وأكد قواد عسكريين أيضاً . كما أحكم قبضته على أراضي المعابد ، وأوجد نظماً ضريبية جديدة . وهذا النظام الإداري كان يلزمه عدد غير محدود من الكتبة ٤ ، وهو ما أفرز هذا الكم الهائل من الألواح ذات الطابع الاقتصادي ؛ وكان لابد من إقامة المدارس لهذا الغرض ؛ وقد وصف نفسه بأنه محباً للأدب السومري٥ ؛ ووصف شبابه في المدرسة وأنه حاز كل العلوم ؛ وصار كاتباً ماهراً . واهتم شولگي بطرق الموصلات وراحة المسافرين عليها ، حيث وسع الطرق وجعلها مستقيمة ؛ وعمل على تأمينها ؛ وبنى عليها استراحات كبيرة زرع حولها الحدائق ليستريح المسافرين في ظلها ؛ وهو أمر هام لكثرة الطرق وانتشارها ؛ والتي كانت تشكل تهديداً كبيراً للتجار المسافرين عليها . كما ربط شولگي الأقاليم بعضها ببعض بتنظيم حاملي البريد من العدائين ، مع تجهيز محطات لضمان وصول تعليماته إلى حكامه عليها ٦ .

الهوامش والمصادر العربية والأجنبية
۱ ) تعد سلالة أور الثالثة (۲۱۱۲-۲۰۰٤ ق.م) آخر سلالة سومرية تولت السلطة السياسية في بلاد الرافدين، وبانهيارها في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد ينتهي دور السومريين السياسي، إلا أن هذا لا يعني نهاية الدور الحضاري لهم، بل أن تأثيرهم الحضاري ظل واضحاً في مختلف جوانب الحياة الأخرى.
ومع كثرة النصوص المسمارية المكتشفة في عهد هذه السلالة إلا أن غالبيتها ذات مضامين اقتصادية وإدارية، إذ أن النصوص التي تتطرق إلى الأحداث التاريخية قليلة ومختصرة الصيغ، ومع كثرة تلك النصوص تبقى معلوماتنا قليلة عن هذا العصر الذي دام زهاء مائة عام. ينظر :
الصراف ، عشتار سمير ، " دراسة نصوص مسمارية غير منشورة من عصر سلالة أور الثالثة (۲۱۱۲-۲۰۰٤ ق.م) " ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة بغداد ، ۲۰۰٧ ص ۱ وما بعدها .
۲) تولى أورنمو (Ur-Nammu) (۲۱۱۲-۲۰٩٥ ق.م) العرش في مدينة أور بعد أن تمكن من إزاحة اوتوحيكال حاكم الوركاء وانتقلت بذلك السلطة من مدينة الوركاء إلى مدينة أور كما ورد ذلك في جداول إثبات الملوك السومرية "ضربت الوركاء بالسلاح وانتقلت ملوكيتها إلى أور"، وقد استمر حكمه ثمانية عشر عاما إذ سعى في سنوات حكمه الأولى إلى تثبيت سلطته وبسط نفوذه على بلاد سومر وأكد وإعادة الأمن وحفظ النظام وتطهيرها من اللصوص وقطاع الطرق وإعادة الوحدة السياسية بعد طرد الكوتيين من البلاد. ينظر :
جورج رو، العراق القديم، ترجمة حسين علوان حسين، بغداد، ۱٩٨٤، ص۲۲٥.
Speiser, E. A., Mesopotamian Origins, Philadelphia, 1930, p.87-119.
۳) سامي سعيد الأحمد : نظام الحكم والأدارة ، حضارة العراق ، ج۲،۱٩٨٥ ، ص ۲۳.
٤ ) كانت الكتابة وما زالت أساساً مهماً لتسجيل التاريخ وتدوين المعلومات وترجمه المصادر والمراجع ، وبمعرفتها بدأ الإنسان تسجيل مفردات حياته العامة ، إذ أبتكرت لأول مرة في بلاد الرافدين تلك المفردات التي تنوعت بأغراضها المتعددة مثل الشؤون الإدارية و تصنيف القوانين و التقاليد الاجتماعية والطقوس الدينية وتسجيل التواريخ المهمة والبيانات والمقاصد العلمية . ينظر:
ليو أوبنهايم ، بلاد مابين النهرين ، ترجمة سعدي فيضي ، (بغداد: دار الشؤون الثقافية ،۱٩٨۱م ) ،ص۲٩۳.
٥) اندريه ايمار : تاريخ الحضارات العام ، (الشرق و اليونان القديمة) إشراف موريس كروزية، ج۱، ط۱ (بيروت ، ٩٩٦٤) ، ص۱۳٩ .
6) PIOTR STEINKELLER, THE ADMINISTRATIVE AND ECONOMIC ORGANIZATION OF THE UR III STATE: THE CORE AND THE PERIPHERY, SAOC,46, USA, 1987, P.22 ff.

أباذر راهي سعدون الزيدي
باحث في الدراسات السومرية
[email protected]
 

Share |