ألذاكرة ألانسانية و( ما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره )- ابراهيم عفراوي-بغداد
Mon, 23 Apr 2012 الساعة : 9:45

كل فعل او عمل يقوم به الانسان في حياته اليومية ومنذ ولادته وحتى مماته يعتمد اعتمادا كليا على الذاكرة ذلك الجزء الحيوي والمهم في الدماغ الذي اكرم الله تعالى به بني الانسان والقى على عاتقه مهمة جمع المعلومات وخزنها واستدعائها عند الحاجة , فهي الوحدة التي تقوم بخزن كل التجارب والانطباعات والخبرات التي اكتسابها من بيئته الاجتماعية والعالم المحيط حوله وعن طريق حواس جسمه المختلفة , وليس هذا فحسب بل هي الوحدة التي يمكنه من خلالها التعايش والتعامل والتفاعل مع ابناء جلدته . ولذلك يمكننا اعتبار الذاكرة عقلا مستقلا بذاته وفي حالة تجريد الانسان منها فانه سوف يفقد كل ارتباط له بماضيه ويعيش حاضره فقط ويصبح غير قادرا على التعامل مع العالم الخارجي بصورة طبيعية وصحيحة . والذاكرة ترتكز على ثلاثة خطوات اساسية في خزن المعلومات الواردة اليها عن طريق حواس الجسم المختلفة , فالخطوة الاولى التي تقوم بها هي عملية تجهيز وتجميع المعلومات والبيانات من العالم المحيط حولها وهي تستوجب الانتباه والتركيز فبدونهما لايمكنها القيام بوظيفتها بشكل صحيح وفعال , ثم تقوم بخطوتها الثانية الاوهي انشاء سجل دائم لتلك المعلومات التي قامت بتجميعها وبمختلف اشكالها وصورها اما المرحلة الاخيرة التي تقوم بها فهي استدعاء المعلومات المخزونة واستحضارها في الذهن عند الحاجة اليها . وتنقسم الذاكرة البشرية الى ثلاثة اقسام رئيسية , هي :-
1 ) الذاكرة الحسية : - وهي بوابة الذاكرة الانسانية ونافذتها الاولى التي تطلها على العالم الخارجي و التي تقوم على الاحتفاظ بانطباع قصير المدى عن المؤثر الحسي الذي ينتهي بزوال تاثيره على الحاسة , كرؤية العين لصورة او منظر معين لفترة قصيرة ثم اختفائه وزواله من امامها , وهي تقوم بمهمة تمرير ونقل المعلومات الى الذاكرة قصيرة المدى وباعتمادها على التركيز و الانتباه اللذان هما ركيزتان اساسيتان في عملها . وتتصف بعدة خصائص منها سعتها الهائلة في تلقي المعلومات والبيانات المتعددة من حواس الجسم المختلفة مع كونها لاتحتفظ بها لفترة طويلة من الزمن الا في حالة اتخاذ الاجراءات المناسبة بشأنها لتنقل الى من يضمن لها الاحتفاظ بها طويلا , واغلب المعلومات التي تتلقها تكون مشفرة وغير مفسرة وواضحة الا في حالة مقارنتها بما هو مخزون في الذاكرة من معلومات سابقة عنها تساعد على تفسيرها وفهمهما وادراكها , وعلى الرغم من تفرع الذاكرة الحسية فروعا عديدة الا ان معظم الابحاث والدراسات العلمية قد ركزت على الذاكرة السمعية والبصرية والاجهزة المتعلقة بهما وذلك لاهميتهما البالغة في مسيرة الانسان وحياته لان السمع والبصر هما العضوان الاكثر استخداما في ميدان الحياة . والذاكرة بصورة عامة تعتمد اعتمادا كليا على الذاكرة الحسية التي بدورها تعتمد على حواس الجسم المختلفة في استقطاب المعلومات وتجميعها , ومن البديهي ان لكل عضو او حاسة من حواس الجسم وظيفة وعمل يقوم به وقد اختص به دون غيره فلابد ان يكون له في الذاكرة مكاننا مخصصا لخزن المعلومات والبيانات الواردة عن طريقه , فللسمع جزء وللتذوق جزء وللعواطف جزء ولاسماء الاشخاص الذي نلتقي بهم في مسيرة حياتنا جزء منها ...... الخ فياترى كم قسم ستكون عليه تلك الذاكرة العظيمة في خلق خالقها .
2 ) الذاكرة العاملة او قصيرة المدى :- هي جسر العبور الذي تسلكه كل المعلومات التي قامت بتجميعها الذاكرة الحسية لتوصلها الى الذاكرة الدائمة , وتتميز بمحدودية سعتها وقدرتها على خزن المعلومات والتي تكون خاما وتزول وتتلاشى فيها و كما يحدث هذا الامر في الذاكرة الحسية لان الفترة الزمنية التي تتلقى فيها المعلومات فترة قصيرة نسبيا اذا يمسح حدث او صورة ليستبدل بحدث اخر وصورة اخرى , فالمعلومات تنتهي فيها بعد زوال العمل المسبب والمؤثر لها الا ان تنقل وتخزن في الذاكرة الدائمية . وهذه الذاكرة هي الاكثر استخداما في الحياة اليومية ولذلك تم اطلاق تسمية العاملة عليها .
3 - الذاكرة طويلة المدى :- تتميز بقدرة تخزين هائلة وطويلة المدى تفوق كل التصورات فهي المخزن الرئيسي لكل المعلومات والخبرات والمعارف والعلوم واسم الانسان وعمره ونشاته وغيرذلك مما يتلاقاه الانسان طيلة حياته , وحفظ المعلومات فيها يجعلها اكثر مقاومة للتلاشي وللنسيان فهي على العكس من الذاكرة القصيرة المدى التي هي معرضة لزوال المعلومات الورادة اليها ونسيانها بعد زوال العامل المؤثر لها , اضافة لهذا فانها تتميز بميزة فريدة اخرى الا وهي ان المعلومات المخزونة فيها تكون مترابطة جدا واي اضافات لمعلومات اخرى تتلاقاها تضعها في المكان المخصص لها دون تاثير على بقية المعلومات والبيانات والخبرات الاخرى . وهذه الذاكرة على صلة وثقية ومتبادلة ومستمرة مع الذاكرة القصيرة في تلقيها للمعلومات فهي مصدرها الرئيسي وتبقى تلك العلاقة مستمرة فيما بينهما في حالة الشخص الاعتيادي .
النسيان واثره على الذاكرة :-
ويعتبر النسيان من اخطر الامراض التي تصيب الذاكرة وتفقدها قدرتها ودورها ووظيفتها المهمة في حياة الانسان , والنسيان هو عدم تذكر المعلومة المخزونة في الذاكرة و استحضارها بشكل طبيعي وصحيح كما لو ان هنالك من يقف حاجزا امامها . توعز العلوم والدراسات الطبية النسيان الى اسباب عدة منها الامراض والاصابات المختلفة التي يتعرض لها الدماغ او تعرض الانسان للضغوط النفسية والحياتية والاجتماعية ... الخ والهرم والشيخوخة وغيرها , وحسب تصورنا ان العلوم والدراسات العلمية مهما بلغت من تطور وقدرة فانها لن تصل ابدا لماتحتويه طيات الكتب السماوية كالقران الكريم مثلا من علوم ومعارف واسرار والغاز حيرت العلم والعلماء لم تكتشف لحد الان في حين انها موجودة بين طيات صفحاته المباركة الشريفة . انني لست الا عبد من عباد الله المستضعفين في الارض ولاامتلك مؤهلات علمية ضمن هذا الميدان والتي تؤهلني لاعطاء هذا الموضوع حقه ومكانته , ولكنها افكار تدور في العقول وهي تنظر بعمق الى كلام رب الارض والسماء وتبحث عن سره ومغزاه وتتمنى ان تجد من يراعها ويهتم بها للوصول الى حقيقتها , فان رجعنا الى الكتب السماوية وبحثنا عما ورد عن النسيان الذي يتعرض له الانسان واسبابه لوجدنا بانها تنسبه الى تاثيرات ذلك المخلوق الخفي والعدو الاول للانسان الا وهو الشيطان فقد اقترن النسيان به دون الاسباب الاخرى التي اشارت البحوث والدراسات العلمية , يقول الله تعالى :- (وقال للذي ظن انه ناج منهما أذكرني عن ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين ) يوسف 42, ثم يقول :- ( قال أرأيت أذ اوينا الى الصخرة فأني نسيت الحوت وما أنسانيه ألا الشيطان أن أذكره وأتخذ سبيله في البحر عجبا) الكهف 44 , ان الكلام الذي يتلقاه شخص من شخص اخر يصل الى دماغه عن طريق اذنه ومن ثم يتم نقله ليخزن في ذاكرته حتى ياتي الوقت المحدد والذي يتطلب منه استحضاره وتطبيق ماورد فيه , الا في حالة تعرضه للنسيان الذي يجعله غير قادر على تذكر واستحضار ماوصي به ومن ثم القيام بما اوصي به . وعند تعمقنا في الايتين المباركتين نجد ان النسيان الذي اصيب به الانسان كان سببه الشيطان وهذا كلام رباني وسماوي ولاياتيه الباطل ولايدخله الشك , فهل ياترى ان الشيطان هو السبب الرئيسي في تعرضنا للنسيان وفق ما اشارت اليه تلك الايات المباركات ؟ و ان اسلمنا بتلك الفكرة هل تاثيره هذا الذي كان سببا في نسياننا تاثيرا خارجيا ام انه يؤدي فعله هذا بعد دخوله وتاثيره على الدماغ والذاكرة بصورة خاصة ؟ وهنالك اية مباركة اخرى لها اهميتها في هذا الموضوع الا وهي قوله تعالى : ( أستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ) المجادلة 19 , فالاستحواذ الشيطاني هنا بمعناه الاستملاك والسيطرة الكلية على النفوس والعقول والتي اوصلتهم الى مستوى نسيان ذكر الله تعالى , وذكر الله ينشا ويترعرع في ذاكرة العقول التي هي حجة الله تعالى خلقه مع حجته الاخرى التي هي الانبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين . وهنالك اية تتحدث في هذا الاتجاه لابد لي من ذكرها للاطلاع عليها دون الخوض في مضمونها لانني لست مؤهلا من جميع النواحي لتفسيرها الا وهي قوله تعالى : - ( وأذا رأيت الذين يخوضون في اياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره واما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) . فاذا كان الشيطان ومن بعده اتباعه وجنوده لديهم القدرة على نسيان المرء ما هو مخزون في ذاكرته , فهل باستطاعتهم مسح ذاكرته وادراج معلومات اخرى تسير وفق اهدافهم وتخدم مصالحهم ؟ وهل من الممكن ان شبيه هذا الامر يحدث في اعمال السحر التي يستعين بها السحرة الذي هم اتباع الشيطان وجنوده من بني البشر خاصة وان الكثير من اعمالهم الشيطانية تعتمد اعتمادا كليا على الاستعانة بالجن والشياطين ؟ ولتوضيح المسالة لابد لنا من اتخاذ مثال على هذا الامر فسحر التفريق بين المرء وزوجه , والذي اشار اليه الله تعالى بقوله :- ( ويتعلمون منهما مايفرقون به بين المرء وزوجه ) لابد وان يكون ميدان عمله ضمن مجال الذاكرة , اذ ان كل المعلومات والانطباعات والمشاعر والاحاسيس وغيرها المتعلق بالزوجة تكون في ذاكرة زوجها والعكس كذلك , وبلاشك ان التعامل فيما بينهما خلال مسيرة حياتهما يتم عن طريق الذاكرة دون غيرها , فبعد تعرضهما للسحر لابد وان هذا المخزون الفكري قد تعرض للتاثير او انه قد الغي وادرجت معلومات وبيانات ومشاعر واحاسيس اخرى من اجل ان تؤدي هدفها المنشود في البعد والتفريق فيما بينهما عند التقاء احدهما بالاخر. واود الاشارة الى ان من الامور الغريبة التي ظهرت بعد اصابة اخي المرحوم التشكيلي اسماعيل عفراوي ( شهيد السحر ) هي ان ذاكرته قد الغيت تماما وبكل المعلومات والخبرات المخزونة والتي تم تجميعها على مدار السنين الطويلة وحلت محلها ذاكرة اخرى كلفت بالعمل لفترة قصيرة من الزمن وهي ذاكرة غير ناضجة وطفولية في قدرتها واستيعابها للعالم المحيط حولها فكل المعلومات والخبرات المخزونة فيها لاتتعدى مايمتلكه الطفل الصغير , واصبح هذا المبتلى المظلوم يعيشه حاضره دون ماضيه وبذاكرة ذلك الطفل المسخر وبكل ماتحتويه من اسماء واشكال وصور وعواطف ومشاعر واحاسيس .... الخ , وانعكس هذا الامر في تصرفاته وسلوكياته واقواله وافعاله وفي تعامله مع نفسه والعالم المحيط حوله ونجده واضحا بينا وبما لايقبل التشكك في ( رسومات عالم ماوراء الطبيعة ) التي قام بها بعد تلك الاصابة التي تعرض لها على يد السحرة المجرمين لعنة الله عليهم اجمعين , ولكم ان تتصوروا كيف كانت حياة هذا الانسان وهو بهذا الشكل وتلك الصورة وكيف به اذا استمر على تلك الحال لسنين عديدة , واود التنبيه الى ان هؤلاء السفلة البغاة يمتلكون الجزء الاكبر والمهم ممايتعلق بقضية هذا الانسان البرئ وماحصل له والذي قتل ظلما وعدوانا وطغيانا وفسادا في الارض . بل انني استطيع القول انها محفوظة في ذاكرة صبي صغير لازال على قيد الحياة . http://www.youtube.com/watch?v=GGtEYJBX7sY