مُخَيِّس الكوفة !!-محمد جواد شُبّر- النجف الأشرف

Thu, 19 Apr 2012 الساعة : 10:56

اشتهرت في الأوساط الشعبية عبارة "تخيَّس في السجن" يطلقونها على من ألقيَ عليه القبض و زُُجّ في السجن..
هذه العبارة واستخدامها -خصوصاً في العراق- لم تأتي اعتباطاً بل لها أصل قبل أكثر من ألف سنة..
كلمة مُخيِّس أطلقها الإمام علي بن أبي طالب على سجنٍ بناهُ بمدينة الكوفة في العراق، وهو أوّل سجنٍ مُحصّن بُنيَ في تاريخ الإسلام.
يقول أحد الراوين: (رأيتُ علياً "ع" أسس مَحبَس الكوفة إلى قريب من طاق الزيّاتين قدر شبر)، قال: (ورأيت المحبس وهو خصٌ -أي بيتاً من قصب- وكان الناس يفرجونه ويخرجون منه. فبناه علياً بالجص والآجر)، قال: (فسمعته يقول: (أما تراني كيِّساً مُكيِّساً... بنيتُ بعد نافع مخيِّسا)).

ونافع هو مَحْبَسٌ بناه الإمام علي قبل سجن المخيِّس المُحصّن.

وكان المخيّس انطلاقة لبناء السجون المُحصنّة، فقد أُسّست من بعده الكثير من السجون في العهد الأموي والعباسي والفاطمي والعثماني وإلى يومنا هذا.

كان الإمام علي يُراعي جميع حقوق الإنسان في داخل المُخيّس، فكما يُروى أنّه كان يتابع بنفسه طعامهم وشرابهم وكسوتهم للصيف والشتاء والعلاج لمن يحتاج إليه، حتّى أنه كان يأذن لهم بالخروج -تحت المراقبة- لأداء فريضة الجُمعة والعيدين، ويسمح لأهلهم وذويهم بزيارتهم، كما قد وضع لهم دروساً في القراءة والكتابة والأحكام الإسلامية، وكان يصرّ على القائمين عليه بمعاملة المسجونين معاملة جيدة.

من العجيب أن النبي "ص" والخلفاء الثلاثة من بعده لم يؤسّسوا سجناً –كما يذكر التاريخ- ولمّا حان دور الإمام علي في الخلافة أسس ذلك السجن وتحديداً بالكوفة، هذه المسألة تُثير الكثير من التساؤلات التي ليست من اختصاصي ولا أريد الخوض في دهاليزها..

ربما أهل الكوفة كانوا بارعين في الفرار وتسلّل بيوت القصب مما اضطر الإمام لتأسيس المخيس المحصن بالجص والطابوق ليخيّسهم بداخله.

واستمر التخييس من بعده على مر العصور وأصبح التخييس ليس للمجرم أو الأسير فحسب بل طال كل من ينتقد أو يعارض سياسة الدُوَل القائمة أو من يمس الحاكم بكلامٍ غير لائق.

يُقال أن الحجاج بن يوسف الثقفي حاكم العراق في العهد الأموي سجن ثمانون ألفاً بينهم ثلاثون ألف امرأة!! أكثرهم سُجنوا لانتقادهم السياسات الأموية والمروانية، ربّما قد خاسوا جميعهم في المخيِّسِ نفسه.. لاتخاذ الحجاج الكوفة عاصمة لولايته في العراق..

يروي الطبري في تاريخه أنّ الشاعر المعروف كميت بن زيد الأسدي كان أحد نُزلاء المخيِّس في عهد المروانيين؛ الكميت رثا الشهيد الثائر زيد بن علي بقصيدة طويلة فقرأها هشام بن عبد الملك فكتب إلى خالد بن عبد الله القسري –والي العراق آنذاك- يقسم عليه أن يقطع لسان الكميت ويده.. يقول الراوي: (فلم يشعر الكميت إلا والخيل محدقة بداره فاُخِذَ وحُبسَ في المُخيِّس..).

وللشاعر الفرزدق كذلك ذكريات عن المخيِّس وهو القائل:

فلم يــبقَ إلا داخـــر في مخــيّسٍ ومنجحرٍ في غير أرضك في جحر

ذهب سجن المخيِّس واندثرت آثاره كباقي آثار الحضارة الكوفية –مع شديد الأسف- و ربما لا يعلم أحد أين موقعه الجغرافي في مدينة الكوفة الآن..

[email protected]
 

Share |