التعصب ومخاوف التغيير-صالح الزيدي

Mon, 16 Apr 2012 الساعة : 12:59

إن الممارسة الدينية حاجة ملحة لدى الإنسان رافقته منذ الأزل كضرورة حياتية لابد منها، لان بني البشر بطبيعة الحال انشدوا انشدادا فطريا إلى القوى الغيبية حتى غير الموحدين منهم وهذه القوى متمثلة لدى الديانات السماوية بالله سبحانه, أما الغير سماوية فتبحث عن مضامين علوية للارتباط بها كعبادة الشمس والقمر والنجوم أو تقديس الأشياء المرعبة والمخيفة كالبرق والزلازل وكل الكوارث الطبيعية أو اعتبار بعض المخلوقات واهبة لفيض الحياة ، ولكل مجتمع فهمه الخاص في هذا المضمار، وما أن يدخل عنصر التعصب في الممارسة الدينية يصبح الدين بركانا يحرق الأخضر واليابس يقذف حمم الكراهية والانحدار الإنساني على كل حاملي رؤى التصحيح والتحرر ، وبذلك تستباح حرمة النفس البشرية وتنتهك كرامة الإنسان ويسلب حق الاختيار ، و تؤول النفس المتحجرة المتعصبة مظلمة لا تميز بين الحق والباطل فهي أسيرة لقيود وأغلال اصطنعتها مفاهيم اللاعقلانية في الممارسة الدينية .
وفي ظل الجدل القائم بين الفر قاء وتقييم الحركات ( الاسلاموية ) الراديكالية المعاصرة بقيادتها ثورات أدت إلى تغيير أنظمة حكم مستبدة حكمت الشعوب بالحديد والنار على مدى عشرات السنين مازال الغموض يلف هذه الحركات من ناحية نظرتها لباقي أطياف المجتمع ومدى التزامها بحق حرية الممارسة والاختيار والتعبير والدين والمذهب وغير ذلك من الخيارات الإنسانية والدينية للآخرين و فهمها للحداثوية والثورة المعلوماتية وتعاطيها مع التواصل الإنساني الهائل عبر النوافذ الاجتماعية على الشبكة العنكبوتية  ومخاوف تكريس مفاهيم التحجر والركود العقلي مثلما جرى مع تجربة حركة طالبان وفصائل تنظيم القاعدة ، ووصول هذه الحركات إلى السلطة يزيد من هواجس جميع شرائح المجتمع ذات الرؤية الليبرالية والذين يفهمون الدين فهما غير متعصبا، وإذا أخذنا بالاعتبار طوائف غير المسلمين  -كأقباط مصر حيث يبلغ عددهم 12مليون مواطن مصري- تزداد المخاوف ويزداد المشهد تعقيدا خاصة بفوز الاسلامويين في المجلس النيابي مما يفرض وضع قواعد الدستور وإرساء دعائمه برؤية مختزلة للمشهد العام وانحسار آفاق الديمقراطية الواعدة ، والميل إلى بناء دولة غير مدنية يبقى هاجسا مرعبا للمتخوفين مثل سعي حزب سلفي إلى ذلك وتحالفه مع الإخوان المسلمين في مصر، كذلك الحال في تونس وبروز (حركة النهضة ) ذات الصبغة السلفية يثير القلق من مخاوف الممارسات المتحجرة ،  والمخاوف تنسحب على سوريا من استقتال المجموعات الدموية للانقضاض على السلطة بسطوة السلاح خاصة إذا لاحظنا دعم الدول ذات التوجه الطائفي والمتأخرة عن ركب الحضارة  لهذه المجموعات  وتأثير ذلك على الجوار العراقي الذي مافتئ يكافح شراسة القاعدة والحركات المتشددة (المتحجرة) ومحاولة الخلاص منها لبناء دولة مدنية ينعم فيها الجميع بنفس الحقوق .
 إن هذه المخاوف مبنية على تجارب سابقة لهذه الحركات بعدم فهمها الصحيح للإسلام  الحقيقي وركوبها الإسلام السياسي لاستلام السلطة ليس إلا ، وعدم تميزها بين ثوابت الإسلام  ومتغيراته، فقد وصلت ممارسات الحركات المتحجرة في العراق  إلى حد قتل بائعي الثلج بدعوى  عدم وجوده  في عصر النبي واصحابة من السلف الصالح !؟ أو قتل الحلاقين وتفجير دكاكينهم  ومعاداة كل مظاهر الحداثة .
و في أفغانستان سحق طالبان أجهزة التلفاز بالدبابات فكيف بهم مع الانفتاح الهائل في مجال (الانترنت ) والثورة المعلوماتية  والتواصل الاجتماعي والثقافي العالمي ؟!
 فالخوف إذن له ما يبرره من استنساخ تجربة إسلام طالبان  في مصر وتونس  وسوريا وغيرها لعدم وجود رؤية واضحة لبناء دولة عصرية ولا وجود لإمكانية مغادرة عقلية التحجر والانتقال إلى عقلية التحرر وفهم الإسلام بمنطق القران والنصوص الواضحة وترك الوصاية المزعجة على الآخرين بشكل تعسفي وبث روح الأخوة الإنسانية وثقافة التغيير للأصلح .
ولا بد من بناء دولة مرنة تتلائم مع حاجات المجتمع الإنساني الحديث ومع متطلبات العصر يراعى فيها مصير الأقليات العرقية والطوائف الأخرى وضمان حقوق متوازنة للمرأة والمجتمع المدني .

Share |