الأقراص الطينية ( التوكن ) في حضارة العراق القديم-أباذر الزيدي- كربلاء
Sun, 15 Apr 2012 الساعة : 12:59

لقد أُستخدم نظام الأقراص الطينية لخزن المعلومات المتعلقة بالبيانات الأقتصادية والتعامل معها ببراعة يدوية متميزة التي ظهرت في الشرق الأدنى نحو حوالي (8000 ق.م) وهي تمثل أقدم الرموز للتفاهم قبل إختراع الكتابة ، وقد فتح هذا الأختراع البسيط والرائع لمرحلة ما قبل التاريخ الخاص بتحويل المفاهيم إلى رموز طينية 1 قنوات جديدة لنقل المعلومات التي أثرت بشكل فعال على الوضع الإنساني الذي رافقته تطورات عديدة منها 2 :
أولاً : لقد طورت نظام الرموز الكتابة السومرية على نحو واضح وهو النظـام
الكتابي المعروف .
ثانياً : هيأت تلك العلامات الفرصة لابتكار الأعداد المجردة التي استند عليها تأسس علم الحساب .
ثالثاً : دفع استخدام الرموز في الحساب ( العَّد) إلى تطوير أنماط اقتصادية
واجتماعية جديدة .
الأقراص الطينية ( التوكن ) نتاجات صُنعية :
أن الاقراص ماهي إلا نتاجات صُنعية يبلغ حجمها من جانب إلى جانب آخر مابين (1-3 سم) . ويتم صنعها من خلال ضغط أو تكوير قطعة من الطين بين أصابع راحة اليدين وتكوينها بأشكال خاصة .
وقد أوضحت الأختبارات باستعمال المجهر الإلكتروني وهي من قبيل التحليل الحراري بأن الأقراص منذ البداية قد تم تحميصها بشكل مناسب وعند درجة حرارة واطئة للحد الذي فُسرَ ألوانها المختلفة التي تتراوح من اللون الأصفر البرتقالي ـ الوردي إلى اللونين المُخضر والأسود 3 .
وهناك (16) ستة عشر نوعاً من الأشكال وهي: المخروطيات و الأجسام الكروية و الأقراص و الأسطوانات و الرباعي السطوح و الاشكال البيضوية والمستطيلات و المثلثات والمخروطيات الثنائية و الأجسام المكافئة الدورانية واللفات المنحنية البيضوية شبه المعينية و الأوعية و الأدوات و الحيوانات و أشكال وموضوعات أخرى بضمنها الطيات الزائدة والأشكال المبالغ فيها باستثناء الأشكال الحيوانية والأدوات والأوعية لأنها تعد أشكالاً مُجردة 4 .
وفي الواقع فأن هذه الأقراص المتعدد الأشكال قد استخدمت على نحو تصنيفي ، لا سيما الأشكال الهندسية الأساسية المعروفة لدينا ، مع أمكانية تصنيف العدادات بشكل إضافي إلى أنواع ثانوية طبقاً للاختلافات المقصودة من حيث الحجم أو من خلال إضافة العلامات .
ويتم تجسيد ذلك على سطوح المخروطيات ،والأجسام الكروية ، الأقراص والأشكال الرباعية السطوح بشكل متناسب وبحجمين ( الصغير والكبير) وتوافرت الأجسام الكروية على شكل كسور وأجزاء ، مثل الأجسام نصف الكروية والاجسام الكروية الثلاثية الأرباع ، وتتكون العلامات من خطوط منقوشة وثُلمات و ثقوب مقروضة أو كرات صغيرة مزخرفة .
وقد تم نقش الخطوط بإداة حادة مُدببة قد تكون عصا أو قلم المرقم وتأخذ العلامات المثقوبة إما شكل النقر البارع من خلال رأس حاد مثل الإبرة ودوائر صغيرة تمت بفعل القصب أو طبقة دائرية عميقة من خلال الطرف غير الحاد من العصا 5 .
تطور الأقراص الطينية ( التوكن ):
منذ بداية نظام الأقراص نحو (8000- 7500 ق.م) وحتى الألف الرابع ق.م كانت الأقراص غير مزخرفة ، وتتكون النماذج بشكل أساسي من الأشكال الهندسية مثل المخروطيات والأقراص المسطحة والمزدوجة التحدب و الأسطوانات الرباعية السطوح والبيضوية في بعض الأحيان و المستطيلات والمثلثات و المخروطيات الثنائية والطيات الزائدة فقط وأما الأشكال الطبيعية مثل الاوعية والحيوانات فكانت قليلة أيضاً 6.
على الرغم من أن المجموعات الأولى للألف الثامن ق.م قد وفرت البعض من الأقراص ذات الخط المنقوش الأقتضائي أو الترقيم فقد بقيت العلامات نادرة ، ويجب أن يكون مفهوماً بشكل جيد من ان العدادات غير المزخرفة ظلت تمثل كل مجاميع الأقراص منذ البداية حتى نهاية النظام حوالي (3000ق.م) .وبعد أربعة آلاف عام أي نحو (4000-3500ق.م) وصل النظام إلى المرحلة الثانية ، حينما أكملت الأنواع الجديدة والأنواع الثانوية الأقراص غير المزخرفة7 .
أما الأقراص المعقدة فلها مجموعة كبيره من الأشكال الهندسية الإضافية بضمنها الأجسام المكافئة الدورانية و اللفات المنحنية والبيضوية وشبه المعينية8
ولقد أصبح استخدام المثلثات والبيضويات والمستطيلات والأشكال الثنائية المخروطية أكثر شيوعاً واكتسبت طرزاً ثانوية مركبة كما ظهرت أشكال طبيعية أيضاً مثل الأدوات المصغرة جداً والمتعلقة بالأثاث والفواكه والبشر.
أن وفرة العلامات التي تمت مشاهدتها عن كل أنواع الأقراص تعد ميزة أخرى للعدادات المعقدة وتم عرض العلامات على الجزء الاكثر بروزاً من الشيء فقد ظهرت العلامات على الأقراص المسطحة على وجه واحد9.
ليس من الغريب ان نذكر ان الاقراص المعقدة التي حملت العلامات والشكل نفسه قد وجدت في مواقع جغرافية بعيدة بعضها عن البعض الآخر ، على سبيل المثال وجدت سلسلة من الاقراص ذات الاشكال الثلاثية في مدينة سوسة في إيران التي كانت متماثلة مع ما موجود في الوركاء في العراق وحبوبة كبيره 10 .
أول ظهور لاْستخدام الختم كان على شكل (Tokens) في ختم الأغلفة وهي عبارة عن قطع طينية صغيرة بحجوم هندسية مختلفة أستعملت كسجلات حفظ للشؤون المنزلية والأعمال الأخرى وقد وجدت في أكثر من أربعين موقعاً أثارياً يعود تأريخها مابين الألف التاسع والرابع قبل الميلاد وقد أخذت الألواح تحمل طبعات الأختام وذلك بنهاية عصر الوركاء المتأخر وعصر جمدة نصر فالشخص الذي يختم يكون مسؤولاً عن استلام البضائع وكذلك الشخص الذي يقرض الأشخاص فأنه يختم الوثائق الى الزمن الذي يتم بها أستعادة القرض11
التوزيع الجغرافي للأقراص الطينية ( التوكن ):
أنتشرت الأقراص في أغلب المناطق الآهلة بالسكان ابتداءً من الشرق الأدنى في كل من فلسطين ، سوريا ، تركيا، العراق ، وإيران ، وامتدت من الغرب إلى الشرق فقد تم ذكر الأقراص في ثمانية مواقع فلسطينية بضمنها عين غزال و(أريحا) وستة عشر موضعاً سورياً من بينها تل أسود وتل رماد وحبوبة الكبيرة 12 .
وفي تركيا بدت الأقراص مقصورة على المواضع الواقعة في جبال (طوروس) مثل (جرتل) و(كي وان) و(تبس) و على امتداد ساحل البحر الأبيض المتوسط مثل خان حسان، سبرد وبيل دبي. وعلى أية حال قد يبدو ذلك دليلاً على إستخدام نظام العدادات (Counters) في (تل حائك) مما يُشير إلى ان نظام الأقراص ربما وصل إلى الأناضول 13.
وقد انتج العراق وإيران الجزء الأكبر مما له علاقة بالأقراص الإنتاجية وملحقاتها التي توافرت في ثلاثة و أربعين موضعاً ( شمال وجنوب) بلاد الرافدين وأربعين موضعاً في اغلب المواضع المأهولة من إيران وأذربيجان إلى سيستان .
وقد حاز بلاد الرافدين على المجموعات الأكبر من العدادات ( Counters) التي عُثر عليها إجمالاً فهناك 2000 قطعة في جرمو ( 7000 ق.م) و (850) قطعة في أور ، أما في إيران التي عُثر فيها على 780 قطعة في موضع يعود إلى الفترة العيلامية القديمة في سوسة 14.
الخلاصة :
أن العثور على الأقراص الدائرية المخصصة للكتابة في بلاد وادي الرافدين التي تناولناها بشكل مفصل تمثل أقدم الشواهد على محاولة نشر التعليم بين طبقات المجتمع آنذاك. وعلى الرغم من كل هذا فقد أثيرت تحفظات كثيرة بشأنها. لكن يمكن القول وعلى أساس التشابه في كل مادة وأسلوب كتابتها فأن نموذج الكتابة المسمارية في بابل كان هو المتقدم زمنياً على نموذج الكتابة العيلامية ، الذي كان أقرب إلى أسلوب الكتابة في الشرق ، وليس هناك ما يشير إلى وجود تقارب مع الحروف في مصر في مفهوم الكتابة. على الرغم من العلاقة بين المناطق التي تفترض بأن المصريين القدماء كانوا على علم بأن سكان بلاد وادي الرافدين كانوا الأوائل في ممارسة الكتابة .
المصادر والهوامش :
1) Nissen , H.J. Damerow . P. Englund, R.K. : Early Writing and Techinques of Economic Administration in The Ancient Near East , (Chicago .1993 ).P232-233.
2) …………, lbid, p232-233.
3) ………….. lbid, p232-233.
4) Bessrat, Schmand ,: Record Keeping Before Writing in Sasson “Civilizations of The Ancient Near East Vol.4 .( Berlin . 1992.) P 2079 .
5) …………,Ibid. p2086.
6) أحمد لفته محسن دخيل الفياض ، تاريخ الكتابة في بلاد الرافدين منذ ظهورها حتى اختراع الأبجدية ، أطروحة دكتوراه غير منشورة ، جامعة بغداد ، 2008 ، ص18 وما بعدها .
7)
8) Nissen ,H.J:Aspects of The Development of Early Cylinder Seals and Sealing in The Ancient Near East (Roma. 1977) P15-23 .
9) lbid ,p15-25 .
10) lbid ,p15-25 .
11) Nissen ,H.J :The Context Of Emergence of Writing in Mesopotamia and Iran , (London . 1993) p54-71.
12) حبوبة كبيرة : تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات من شمال سوريا وأقدم تاريخ يعود إلى الالف الرابع ق.م (عصر الوركاء المتأخر) (Pioter Bienkowski and Alan Millard “Dictionary of the Ancient Near East” (British 2000),p135-136).
13) الزيدي ، أباذر راهي سعدون ،" نصوص مسمارية غير منشورة من عصر سلالة أور الثالثة ( 2114 – 2004 ق.م ) في المتحف العراقي "، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة بغداد ، 2010 م ، ص 121 .
14) Mallowan , M: Early Mesopotamia and Iran . (London,1965).p45-46.
15) Hoyrup, J:Sumerian The descendt of a Proto – Historical Creole (Napoli.1992) , p21-72.
16) Nissen,H.J: Aspects, p15-23 .
أباذر راهي سعدون الزيدي
باحث في الدراسات السومرية
[email protected]