معجزة الله في تاؤيل الاحاديث وتفسير الرؤى -ابراهيم عفراوي- بغداد
Sat, 7 Apr 2012 الساعة : 16:45

ان للرؤيا الصالحة مكانتها ومنزلتها الرفيعة في نظر الدين والشرع وكيف لاتكون كذلك وهي علامة من علامات الايمان بالله تعالى , بل هي جزءا من اجزاء النبوة فقد كانت العلامة الاولى التي بينت صدق مبعث ونبوة سيد الكائنات صلوات الله وسلامه عليه وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين وطريقا للالتقاء بالنور السماوي الذي ارسله الله تعالى للتبشير بنبوته وايصال اوامر الله وتعليماته ورسالته السماوية من خلالها , اذ قال ( صلى الله عليه واله وسلم ) : - ( لم يبق من النبوة الا المبشرات , قالوا :- وماالمبشرات ؟ قال :- الرؤيا الصالحة ) , وهي وبكل العلوم المتعلقة بها معجزة وقدرة ربانية وهبها الله تعالى له ولغيره من الانبياء والرسل ( صوات الله وسلامه عليهم اجمعين ) , قال ( ص ) ايضا :- ( الرؤيا الصالحة من الله وهي جزء من اجزاء النبوة ) , فشرعنا الحنيف قد بين وفصل لنا هذين النوعين من النشاط العقلي الانساني وفرق احدهما عن الاخر وعزل الثالث عنهما وذلك لكي يتسنى لنا التمييز مابين الحق والباطل والصادق والكاذب منهما , فالمؤمن صاحب الرويا الصادقة هو الاصدق حديثا فيما بيننا , اذ قال ( ص ) : - ( اذا تقارب الزمان لم تكذب رؤيا المؤمن واصدقهم رؤيا اصدقهم حديثا ) وليس هذا فحسب بل انه الاكثر رفعة ومنزلة من بيننا عند الله تعالى في عباداته وادائه لفروضه وطاعاته والتزامه باوامره ونواهيه بل وفي صفاته الاخلاقية والانسانية , اذ قال ايضا ( ص ) :- ( خياركم اولو النهى , قيل يارسول الله ومن اولو النهى ؟ فقال ؛- اولو النهى اولو الاحلام الصادقة ) ؛ وهنالك الكثير من الرؤيات الصادقة له ( صلى الله عليه واله وسلم ) كرؤيته لجانب من عذاب البرزخ , او رؤيته لمفاتيح خزائن الارض التي وضعت بين يديه , او مشاهدته لعيسى بن مريم ( عليه السلام ) وهو يطوف الكعبة , او رؤيته لدار الهجرة قبل ذهابه إليها . لذلك فهو قد بين ( ص ) الاثر النفسي والفكري الذي قد تخلفه الرؤى او الاحلام في نفوس سامعيها عند تطرقنا للحديث عنهما , ولهذا السبب فهو قد اشار الى ما يتوجب علينا القيام به عند تعرض احدنا لرؤية او حلم في منامه , اذ قال ( ص ) :- ( اذا راى احدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها وليخبرها واذا راى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها ولايخبر بها ) , وليس هذا فحسب بل انه كان يحث اصحابه دائما للافصاح عما شاهدوه من رؤى اثناء منامهم من اجل تفسيرها وشرحها وتبيين حقيقتها و التي يجهلها من عاش تفاصيلها واحداثها في منامه , ومما لاشك فيه ان ائمة الهدى ( صوات الله عليهم اجمعين ) قد تلقفوا وورثوا كل المعارف والعلوم السماوية من صدر جدهم المصطفى ( صلى الله عليه واله وسلم ) , ومنها مايتعلق بعلوم الرؤى والاحلام , وهنالك الكثير من احاديثهم الشريفة المباركة التي تطرقت اليها بالشرح والتفصيل , فضلا عن الكتب والمؤلفات المختلفة والتي عبرت عن مقدار اهتمامهم ورعايتهم لتلك العلوم ودورها في حياة الفرد , ومن تلك الكتب المهمة على سبيل المثال ( تفسير الاحلام ) للامام الصادق ( عليه السلام ) . وكذلك اولى علماء المسلمين في مشارق الارض ومغاربها وعلى مدار العصور المختلفة بتفسير الرؤى والاحلام , والفوا الكثير من الكتب والمصنفات المتعلقة بها , بل اننا نجد اهتماما ورعاية لها من قبل عدد لايستهان به من المفكرين كابن العربي وابن خلدون وغيرها والذين بذلا مجهودا من اجل تحليل وتقسيم الاحلام وتبيان مصادرها .
ان مسالة اخضاع تلك العلوم للدراسات والمقاييس العلمية الحديثة من اجل دراستها وتحليلها وتوضيح اسبابها دون النظر الى ماورد عنها في الكتب السماوية يؤدي الى ظلمها وغبنها والتقليل من اهميتها ومصداقيتها ودورها في الحياة , فتلك الدراسات ستتجاهل المؤثرات الرئيسية التي ادت الى الرؤية او الحلم الا وهما عالم الملائكة والجن , قال رسولنا الكريم صلى الله عليه واله وسلم :- ( الرؤيا من الله والحلم من الشيطان ) , وبالتالي عدم الوصول الى حقيقتها ومن ثم ايعازها الى مسببات وعوامل اخرى بعيد كل البعد عن مؤثراتها الرئيسية ومايتعلق بها , كالاستناد في تفسيرها على مايتعلق بالادمغة البشرية ومكوناتها وموادها اوانها انعكاس للواقع الذي يعيشه الانسان وحياته والبيئة التي يعيش فيها وغيرذلك , ويجب علينا الاستناد عند دراستها والبحث فيها الى المنابع والمصادر الالهية التي تحدثت عنها وذلك لانها بينت بوضوح غير قابل للجدل والنقاش اهمية الرؤية وماتحتويه من احداث وتفاصيل واقعية حدثت او ستحدث مستقبلا , فالقران الكريم يعتبر من اهم الكتب السماوية التي لم تتعرض الى التزييف والتحريف والتي يمكننا من خلاله ان نثبت بان الرؤية هي تعبير عن امور واحداث واقعية وحقيقية وليست مجرد خيالات واوهام وضلالات باطلة يتعرض لها الانسان , فعند تصفحنا و بحثنا عن الايات المتعلقة بهذا الموضوع نجد بان ماراه من تعرض للرؤية في منامه قد اصبح امرا واقعيا في الحياة , ولكن لكل رؤية حصلت هدفا وغرضا معينا جاءت من اجله يختلف عن غيرها , لذلك يمكننا تقسيمها وفق الغرض المنشود منها الى : -
1 ) تنبيه وتحذير من فتنة : - قد يرئ عبد الله المطيع له رؤيا تحذره من فتنة ستقع تشتت امر المسلمين وتفرقهم وتزرع العدواة والبغضاء فيما بينهم, وهذا الامر حصل مع الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم ) والتي ذكرها الله تعالى في قوله :- ( وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الافتنة للناس والشجرة المعلونة ). الاسراء 17
2 ) الايعاز بتنفيذ امر اللهي : - وهذا الامر نلمسه بوضوح في قصة اسماعيل الذبيح وابيه ابراهيم ( عليهما السلام ) والتي نجد فيها مقدار مصداقية الرؤية وماتحمله من اوامر صعبة لايمكن ان تطيقها النفس البشرية الاعتيادية ولكن نفوس الانبياء اسمى واعظم من بقية النفوس البشرية والاكثر اطاعة ورغبة في تنفيذ الاوامر الالهية ومهما بلغت شدتها وقساوتها على النفس والروح والفكر باعز الناس اليهم , وبلاشك ان مثول اسماعيل الذبيح ( عليه السلام ) لاوامر الله واطاعتها دليلا على انه لايقل شائنا ومنزلة وكرامة ورفعة عند الله عن ابيه ( عليه السلام ) , اذ قال تعالى : -( قال يابني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال ياابت افعل ماتؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين فلما اسلما وتله للجبين وناديناه ان ياابراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين ) .
3 ) تنبيها لقحط وجفاف وجوع سيسود البلاد مستقبلا :- فالرؤية قد تكون تنبيها وتحذيرا لمجتمع باكمله وعن طريق شخص ما يختاره الله ولحكمة ارادها بانهم سيتعرضون لانحباس المطر وقلة الزرع وقحط وجوع سيؤدي بحياة الكثيرين في حالة عدم اتخاذ التدابير والاجراءات المناسبة لمواجهته وتلافي اخطارها الجسيمة , وكما حصل هذا الامر في الرؤية التي راودت فرعون مصر في منامه و التي فسرها نبي الله يوسف (عليه السلام ) .
4 ) تبشير بمنزلة عظيمة ومكانة رفيعة , فهو تعالى يكرم ويعز ويرفع من يشاء لحكمته ومشئيته , وهو تقدست اسمائه و بتلك الطرق الغيبية يؤحي لعبده الذي ميزه عن بقية اخوته بهذا الاختيار وتلك المنزلة العظيمة المعززة بقوة الله تعالى وجنود من السماء , وقد تجلى هذا الامر في اروع صوره في قصة نبي الله يوسف ( عليه السلام ) اذ قال تعالى :- ( اذ قال يوسف لابيه ياابت اني رايت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رايتهم لي ساجدين ) , ( ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياابتي هذا تاويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) .
5 ) التنبيه و الحث على الابتعاد عن المعاصي والذنوب :- فقد تكون تنبيها للانسان المؤمن عند وقوعه بمعصية ما او ذنب بضرورة نبذه وتركه والتوبة عنه وعدم العودة اليه لضرره الدنيوي والاخروي , وكما قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :- ( اذا كان العبد في معصية الله عزوجل واراد به خيرا اراه في منامه رؤيا تروعه فينزجر عن تلك المعصية ) .
لقد احتوت احسن القصص بين طياتها كل الدلائل والبراهين التي دلت على واقعية مايراه الانسان المؤمن في منامه وحقائقها المستقبلية , وانها ليست كما يزعم البعض على انها من افرازات العقل الباطن او ترسبات لاحداث ووقائع سابقة تعرض لها الانسان والتي اعاد الدماغ عرضها لااردايا اثناء منامه وغير ذلك من التاؤيلات والتفسيرات التي تلغي حقيقتها ودورها المؤثر في حياة الناس , وبناءا على ماورد في القران الكريم عنها لابد من الاهتمام بمضمونها وعدم اهمالها لانها تعبر عن احداث ووقائع حدثت او ستحدث في المستقبل . فلوافترضنا ان الرؤية التي شاهدها فرعون في منامه ولحكمة ارادها الله قد اهملت مضامينها وما تحتويه ولم يستطع احد تفسيرها تفسيرا يتطابق مع ما تحمله في طياتها من تحذيرات وتنبيهات الى امور خطيرة سوف تحدث , فان لهذا الاهمال وعدم الفهم الصحيح لها نتائجه واثاره التي لايحمد عقابها والذي سيدفع ثمنه الكثير من الناس بتعرضهم الى القحط و الجوع و من ثم الهلاك الجماعي , قال تعالى :- ( وقال الملك اني ارى سبع بقرات سمان ياكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر واخر يابسات ياايها الملا افتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون ) , فتلك الرؤية قد هيئا لها الله شخصا تقيا ورعا مطيعا عابدا مسبحا له اناء الليل واطراف النهار يتكفل مهمة تفسيرها وبيان مضمونها بل وجعله في موقع يوهله لاتخاذ التدابير والاجراءات الملائمة التي تضمن له مستقبلا انقاذ حياة وارواح الكثيرين , قال تعالى : - ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تاكلون * ثم ياتي من بعد ذلك سبع شداد ياكلن ماقدمتم لهن الا قليلا مما تحصنون * ثم ياتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون ) . وفي هذه القصة نجد ايضا بان مهمة تفسير الرؤية وتوضيح مضمونها لايمكن ان يقوم به كل من هب ودب , قال تعالى : - ( قالوا اضغاث احلام ومانحن بتاؤيل الاحلام بعالمين ) , فمفسرها لابد وان يكون انسانا مؤمنا بالله تعالى ايمانا مطلقا تقيا ورعا صادقا يمتلك العلم اللازم والخاص بها والذي يمكنه من تفسيرها تفسيرا صحيحا , قال الامام الكاظم ( عليه السلام ): - ( الرؤيا لاتقص الا على مؤمن خلا من الحسد والبغي ) .
فتفسير الرؤى وتاؤيل الاحاديث معجزة من المعاجز والعلوم الالهية التي وهبها لنبيه يوسف ( عليه السلام ) , وكان معروفا بايمانه وتقواه وقدرته على التفسير لذلك كان يلجا اليه من يحتار في رؤيته التي شاهدها في منامه واقلقت نفسيته وشتت تفكيره وجعلته في هم وغم وكرب وضيق , وكان ( عليه السلام ) وبما اودع الله في صدره من علم يفسرها التفسير الذي يتطابق تماما مع ماسيتعرض له الشخص في ايامه القادمة والتي اشارت اليها تلك الرؤية بطريقة تحتاج لمن يفهمهما ويحللها , وهذا ماحصل لشخصين كانا معه في السجن , قال تعالى (( ودخل معه السجن فتيان قال احدهما اني اراني اعصر خمرا وقال الاخر اني اراني احمل فوق راسي خبزا تاكل الطير منه نبئنا بتاويله انا نراك من المحسنين ) , قال تعالى : - ( ياصاحبي السجن اما احدكما فيسقي ربه خمرا واما الاخر فيصلب فتاكل الطير من راسه قضي الامر الذي فيه تستفيان ) , والايام التي تلت هذا التفسير المنطقي والعقلي لها اثبتت صدق مفسرها وقدرته وبينت انها بالفعل امرا واقعيا لا اوهاما او خرافات كما يدعي البعض , قال تعالى :- ( قال لاياتيكما طعام ترزقانه الا نباتكما بتاويله قبل ان ياتيكما ذلكما مما علمني ربي ) , فتفسير الرؤى علما ربانيا ومعجزة من معاجز الله التي منحها لهذا النبي وغيره من الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين , وهذا يؤدي الى نتيجة لاجدال فيها انه لايستطيع اي انسان تفسير الرؤى الا اذا كان نبيا او وصيا او وليا او عبادا مخلصا في عباده الله تعالى . وكذلك لابد من الاشارة الى ان الرؤية لايمكن ان ترد الا لانسان مؤمن بالله يؤدي ماعليه من الفروض والطاعات والعبادات ومبتعدا ابتعادا كليا عن الذنوب والمعاصي والمحرمات . ان الرؤية عبارة عن احداث ووقائع حقيقية نافعة وخيرة يشاهدها الانسان في عالم المنام وهي مرتبط بالسماء ,ويقابلها ايضا احلام وكوابيس مرهقة ومتعبة ومؤذية مرتبط ارتباطا وثيقا بالعالم الاخر الذي يشاركنا الوجود والحياة على سطح هذا الكوكب قد يشاهدها الانسان ايضا في منامه , وقولنا هذا يعتمد اعتمدنا كليا على ماورد عنهما في احاديث الرسول وال بيته الاطهار , قال الامام الصادق ( عليه السلام ):- ( الرؤيا على ثلاثة وجوه من الله للمؤمن وتحذير من الشيطان واضغاث احلام ) ,ومادامت الرؤيات قد عبرت عن حقائق حصلت فعلا ,فالاحلام التي ترواد الانسان لفترات قصيرة او طويلة هي ايضا تعبر عن امور حقيقية يعاني منها من تراوده بل انه يمكن الاستناد عليها في تشخيص وتحديد الحالة المرضية التي يعاني منها واسبابها الخفية التي تعجز الدراسات والابحاث العلمية عن الوصول اليها , و للحديث بقية ان كتب الله لنا البقاء حول موضوع الاحلام لما له من ارتباط وثيق لايمكن غض النظر عنه في الكشف عن حالات اصابة الانسان بالسحر ومس الجان ( شهيد السحر ) .