ضرورة تفكيك منظومة الاستبداد ـ الأنظمة العربية نموذجا-عصام الطائي- الدانمارك

Thu, 2 Jun 2011 الساعة : 11:20

الاستبداد يقتل الطاقات ويشل الإرادات ويخرب الأخلاقيات ويحطم المواهب ويولد النزاعات وينشر الفساد بشتى أشكاله وتختزل الشخصيات بشخص الحاكم المستبد ‘ فيجعل الناس تتمحور حول أفكاره وتصوراته ومفاهيمه فلا قيمة لأي فكرة او مفهوم او تصور الا تكون نابعة من شخصه ‘ وهكذا يصنع المستبد صنم لشخصه وتكون تلك الذات الصنمية أداة لتحطيم كل القوى ويجعل قوة واحدة تخدم ذاته ومن وراءه الانتهازيون الذين في كل واد يهيمون.
وقد كان الطغاة والجبابرة والفراعنة وكل المستبدين عبر العصور يعملون على اعاقة الحركة التكاملية للإنسانية وبالتالي تحطيم أي بناء حضاري أصيل ‘ وكان القران الكريم صرخة المستضعفين في الأرض يعمل لكشف أساليب الطغاة عبر التاريخ وأداة لتحفيز بني البشر للوقوف ضد الطغاة ‘ فكان القران الكريم يعمل لرفع الأغلال والقيود عن عقول وقلوب ووجدان الإنسان لينهض الإنسان ضد كل الظالمين عبر العصور كي يتحرر من قبضة الظالمين.
وتعتبر الحقوق والحريات الجزء المهم في ديمومة الكرامة الإنسانية اذ الإنسان بدون حقوق وحريات سوف تسلب منه أهم قيمة من قيم الحياة ‘ وإن الحضارة او الفكر او الدولة او الحزب او المؤسسة او الجمعية او التكتل او الشخص ايا كان منها اذا اتصفت بالاستبداد فيساهم كلا منهم بإضعاف أهم عنصر من عناصر الحياة الإنسانية وهي الكرامة ‘ اذ الإنسان بدون حرية فهو كائن ذليل ومستضعف مسلوب الإرادة يحاول الطغاة استغلاله لمصلهم الذاتية .
وهناك من الأشخاص لا يفهم معنى الحرية حيث يختزله بتوفير الأشياء المادية فاذا وفر الطاغية القضايا المادية لشعبه فهو قد وفر الحرية بزعمهم ‘ ويترك الجانب المهم للحرية وهي السماح بتقبل الأفكار والمفاهيم والتصورات الآخرين مع حرمان مشاركة الجماهير في القرار السياسي والتربوي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري ‘ وإن اختزال الحرية بتوفير الجوانب المادية هو تهميش لمعنى الحرية والكرامة الإنسانية .
والاستبداد لا يسمح لأي احد أن يظهر أفكاره او مفاهيمه او تصوراته في البناء الإنساني او الحضاري لذا فهو يهمش أي دور للآخرين ويختزل الوطن لشخصه ‘ وينطبق نفس الأمر على الحزب او المؤسسة او الجمعية فكل من يستبد يحاول او يجعل نفسه فوق الجميع ‘ ومن هنا تظهر أهمية دولة القانون وتحكيم القانون على الجميع لئلا يكون أي شخص فوق القانون بل يكون القانون فوق الجميع ويحاسب الجميع.
وإن التأسيس الصحيح للقيم والمبادئ والمثل كما في حالة الدستور هو العنصر الجوهري في كل بناء وأي خلل في التأسيس سوف يكون البناء غير صحيح مهما كان نوع النظام الاجتماعي ‘ ومن ثم البناء المؤسسي فهو العنصر الذي يجعل النهوض في الوطن بصورة صحيحة ‘ وبالتالي العنصر الأخلاقي الذي يساهم في ديمومة النظام الاجتماعي ‘ والذي يطلع على اغلب الأنظمة العربية يجد الخلل في أكثر من جانب في التأسيس وفي بناء المؤسسات ‘ وحتى لو بنيت المؤسسات فهي تبنى للحاكم بالإضافة الى الضعف في البناء الأخلاقي الذي يجعل الذات المتضخمة هي السائدة لذلك نجد الاستبداد هو العنصر السائد في العالم العربي .
ولقد كشفت الأحداث الراهنة جملة من الأمور منها عناصر الضعف في الأنظمة العربية ومدى الحرص الشديد على التمسك بالسلطة حتى لو تطلب قتل الآلاف من تلك الشعوب للتشبث بالحكم ‘ فنجد أساليب القسوة في التعامل مع تلك الشعوب التي تطالب بالحرية والكرامة مع مدعي تلك الأنظمة بإدعاءات جوفاء ‘ وقد اثبت في الوقت نفسه مدى قوة الشعوب اذا اردات الحرية والكرامة ‘ وكشفت النفاق السياسي للدول الكبرى التي تحاول بصورة وأخرى تقديم أجندتها ومصالحها حتى لو كانت على حساب الدماء التي تبذلها تلك الشعوب من اجل التحرر.
ويقول السيد محمد باقر الصدر ( الجماهير أقوى من الطغاة ) وفعلا قد ثبت في هذه اللحظة التاريخية مدى القوة الهائلة للشعوب ‘ واستطاعت الأمة العربية أن تستكشف هذه الحقيقة يقول السيد الصدر وهو يتحدث على هشاشة الطغاة من خلال تحدثه على فرعون ( انك تستطيع أن تتحدى الله لفترة ولكن لا تستطيع أن تتحدى الله على مر التاريخ ) وهكذا يمكن أن يكون مصير الأنظمة العربية هو سقوطهم التاريخي عاجلا او أجلا ‘ وتنطبق هذه الحقيقة على القوى الكبرى التي تستغل الشعوب فتحاول أن تستغل أي تحرك ضد المستبدين في سبيل احتواءه لصالحها ولا تعير أهمية لتلك الدماء الزكية فلا يحركها الا مصالحها ولا تفهم في هذه الحياة الا لغة المصالح والأطماع من نفط وغيره.

 

Share |